شعار قسم مدونات

لعنة الانتخابات النيابية

blogs - مجلس نيابي لبناني
كانت البداية في ٢٧ شباط ٢٠١١، عندما شاركت مع مجموعة من الشبان والشابات في مسيرة ضمت الآلاف بدأت من كنيسة مار مخايل وصولاً إلى قصر العدل في منطقة المتحف. لم تكن المرة الأولى التي نخرج فيها للمطالبة بإسقاط النظام الطائفي وإقرار قانون انتخابات على أساس النسبية. ولكن تلك المسيرة لم تكن بتاتاً كالمسيرات التي سبقتها في الأعوام الأخيرة، بل كانت تمثّل حالة جديدة أخذت بالامتداد في الشارع اللبناني منذ ذلك اليوم وحتى الأمس القريب.

وبالرغم من تراجع المظاهرات المطالبة بإسقاط النظام الطائفي إلا أن الأثر الذي تركته تلك الحركة على الشارع عموماً وعلى الشباب اللبناني خصوصاً ليس بمسألة هامشية، بل إنه ساهم بشكل أساسي، في بناء قناعات سياسية جديدة لدى كثير من الناس. وأنا واحد من هؤلاء الذين انتقلوا منذ العام 2009 نحو "الوسط المعتدل" فلا أحد في السلطة اليوم يمثلني.

وصلنا اليوم إلى قانون الانتخابات. أكاد أجزم أن معظم اللبنانيين لم يهضموا بعد فكرة قانون الانتخابات ولا حتى مقتنعين بأن هناك انتخابات ولا النسبية معروفة في الأساس ماذا تعني. يتحدثون عن قانون مختلط على دورتين. في الدورة الأولى يعتمد القضاء مع الأكثري وفي الدورة الثانية تعتمد المحافظة مع النسبية. يريدون من المواطن أن يتوجه إلى صندوق الاقتراع للإدلاء بصوته وهو بالكاد يتقن أساس الأكثرية.

وعدوا الناس بأنهم سينكبّون على إقرار قانون جديد للانتخابات يكون عصرياً وعادلاً بعيد انتخابات العامين 2005 و2009، سمعتها شخصياً من قيادات سياسية معروفة في البلد، وُضعت بين أيديهم وفي الأدراج عشرات الاقتراحات ومشاريع القوانين ومددوا لأنفسهم مرتين إفساحاً في المجال أمام ولادة طبيعية للقانون العتيد، والنتيجة واحدة: تمرير للوقت، مراوغة مع تدوير للزوايا والنتيجة رفض تام لقانون المحادل (الستين) علانية، وعشق وغرام له أو لأي قانون يكون شبيهاً له في النتائج!

ها نحن اليوم سنشهد تمديداً "تقنياً" على الأرجح لولاية مجلس نيابي انتخب على أساس القانون الرقم ٢٥/٢٠٠٨ ولكنه يعرف بقانون الستين.

لعل من سابع المعجزات اليوم، إقرار قانون جديد للانتخابات يعتمد النسبية. ولكن الحق يقال، إن الناس يمكن أن تنتفض وتحسن اختيار ممثليها حتى مع قانون الستين السيئ، إلا أننا لا نزال نكرر في المجالس الخاصة أن كل شيء وارد في بلد العجائب: أشد الأعداء يلتقيان، ميشال عون وسمير جعجع. يتصافحان، قبلات يمنة ويسرة. يتفقان فيرشّح الثاني الأول لرئاسة الجمهورية! سعد الحريري كاد أن يقتل نفسه لترشيح سليمان فرنجية (الأخ الأصيل لحسن نصر الله وبشار الأسد)، ثم يرضخ فيتبنى ترشيح ميشال عون! يصل الجنرال إلى بعبدا والحريري إلى السراي. تُؤلّف الحكومة في وقت قياسي وُينجز البيان الوزاري "بكبسة زر". لذلك ليس من المستبعد ولا المستغرب أن يكون هناك اتفاق مبدئي على قانون الانتخاب من ضمن الصفقة الرئاسية.

قد يمدد للمجلس النيابي تحت مسمى "مجلس انتقالي لمرة واحدة فقط"! أو تحت حجة انتظروا أشهرا وأحسنوا الانتخاب أفضل من الانتظار لولاية نيابية كاملة. وللتذكير، فالمجلس الذي تم انتخابه العام ١٩٧٢ تم التمديد له لمدة 20 عاماً. وهذا المجلس انتخب خمسة رؤساء للجمهورية، أما آلية التمديد فكانت تحصل من خلال إصدار قانون يمدد ولاية المجلس النيابي وقد صدرت ثمانية قوانين بمعدل قانون واحد كل سنتين، هذا بالإضافة إلى تعيين ٥٥ نائباً جديداً عام ١٩٩١ بناءً على ما ورد في اتفاق الطائف والذي نص على تعيين أعضاء جدد لملء المقاعد الشاغرة بسبب وفاة الأعضاء أو لملء المقاعد المستحدثة بعد رفع عدد المقاعد من ٩٩ مقعداً إلى ١٠٨.

الأهم من كل ذلك، هو أن هذا المجلس الذي مدد لنفسه لعشرين عاماً تم انتخابه على أساس قانون الانتخابات الذي صدر العام ١٩٦٠ وأجريت على أساسه أربع دورات انتخابية في الأعوام ١٩٦٠ و١٩٦٤ و١٩٦٨ و١٩٧٢. وها نحن اليوم سنشهد تمديداً "تقنياً" على الأرجح لولاية مجلس نيابي انتخب على أساس القانون الرقم ٢٥/٢٠٠٨ ولكنه يعرف بقانون الستين لأن تقسيم الدوائر متشابه مع قانون العام ١٩٦٠ باستثناء تقسيمات مدينة بيروت. فهل نحن مرة جديدة نواجه لعنة قانون الستين؟
الثابت هو أن "الستين" يجلب لعنة التأجيل.. ولعنة التمديد..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.