شعار قسم مدونات

ماذا بعد انضمام المغرب إلى الاتحاد الأفريقي؟

A general view shows the headquarters of the African Union (AU) building in Ethiopia's capital Addis Ababa, January 29, 2017. REUTERS/Tiksa Negeri

احتل موضوع انضمام المغرب من جديد إلى الاتحاد الإفريقي أهمية كبيرة لدى القادة الأفارقة في القمة المنعقدة بأديس أبابا، وحظي باهتمام كبير خلافا لباقي النقاط المدرجة في جدول أعمال القمة كالأزمة السياسية في جنوب السودان وليبيا والصومال وغير ذلك كثير من الأمور العالقة التي تواجهها إفريقيا.

ترجمت هذه الأهمية بعودة سهلة للمغرب عكس ما كان يتوقعه الرأي العام الوطني، وعكس ما كان يروج عن معارضي انضمام المغرب، وهو ما أشرنا إليه في مقال سابق، بكون انضمام المغرب من حيث المبدأ هو أمر متاح، لكن هذه العودة تجعلنا نتساءل عن ما هي دلالات هذا الانضمام؟ وما هي توقعات ما بعد الانضمام؟
 

تناولت وسائل الإعلام بشتى تلاوينها موضوع عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي باهتمام كبير، فمنها من أشار إلى أن قبول انضمامه حسم فيه تصويت القادة الأفارقة، وهناك من أشار إلى أنه تمت الموافقة على الانضمام دون اللجوء إلى التصويت. كما اختلفت الأقلام الصحفية في عدد المؤيدين بين من أشار إلى 39 دولة، وبين من أشار إلى 32 دولة لم يحتو مضمون جوابها الكتابي إلى مفوضية الاتحاد على أي تحفظ. على العموم الأرقام لا تعني شيئا في هذه المعادلة ما دام المغرب تجاوز عتبة الأغلبية البسيطة (28 دولة)، لكن طريقة قبول عضوية المغرب من قبل الاتحاد القاري تجعلنا نتناول الموضوع من زاويتين: الأولى دلالات قبول العضوية والثانية توقعات ما بعد الانضمام.
 

من بين الأمور التي تندرج ضمن أولويات المغرب هي قضية الصحراء والحفاظ على وحدته الترابية، لذلك سيسعى المغرب جاهدا إلى تجميد عضوية الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية.

1 ـ دلالات قبول عضوية المغرب:
بالعودة إلى قرارات استعادة العضوية التي صادق عليها الاتحاد الإفريقي، نجد أن الاتحاد الإفريقي تفادى اللجوء إلى عملية التصويت على قرار استعادة عضوية بعض الدول الإفريقية كاستعادة مدغشقر لعضويتها 2002، بعد استقرار الوضع السياسي بالبلاد ليتم تعليقها 2009 بسبب عودة التوتر السياسي، كما استعادت مصر عضويتها 2014 بعد إجماع أعضاء مجلس السلم والأمن الإفريقي، إضافة إلى قبول عضوية جنوب السودان بعد توصل مفوضية الاتحاد الإفريقي بردود العدد القانوني الكافي لقبول عضويتها دون اللجوء إلى التصويت. ضمنيا المغرب تجاوز الأغلبية البسيطة التي تخول له الانضمام بعيدا عن تحفظات بعض الدول، كما أن المغرب تقيد بكل شروط الانضمام مخافة رفض طلبه، وهو ما أكده الطرف الجزائري وممثل جبهة البوليساريو اللذان لم يعترضا على انضمام المغرب ما دام قد احترم شروط الانضمام.
 

إذن من خلال ما سبق يتضح أن عملية الانضمام لم تصل مرحلة التصويت ولم تكن معقدة كما كان منتظرا، وهو ما يجعلنا أمام الفرضيات التالية:
ـ اقتناع الدول الإفريقية بضرورة وجود دولة كالمغرب تحظى باستقرار وسلم داخليين ولها ارتباطات وعلاقات اقتصادية ودبلوماسية، سواء مع بعض دول القارة أو دول الاتحاد الأوروبي أو دول الخليج، واقتناعها بمبادرة التعاون جنوب جنوب التي يقودها المغرب، إضافة إلى الموقع الاستراتيجي الذي يحتله المغرب كرابط بين إفريقيا وأوروبا. كما أن عودة المغرب مهمة بالنسبة لبعض الدول الإفريقية كالسنغال وساحل العاج والغابون، هذا الحلف الذي لم يستطع أن يعزز وجوده داخل أروقة الاتحاد، والأكيد أن انضمام المغرب إلى الاتحاد سيشكل دعما قويا لهذا الحلف إضافة إلى نيجيريا.
 

ـ تقديم المغرب تنازلات لاستكمال شروط الانضمام، من بينها شرط تحديد الحدود الموروثة عن الاستعمار التي من الممكن أن لا تشمل حدود مغرب من طنجة إلى لكويرة، ما دام الطرفان الجزائري والبوليساريو قد أقرا باحترام المغرب لميثاق الاتحاد الإفريقي.
 

ـ تفادي القادة الأفارقة للاختلاف بين الدول الأعضاء، والتفرقة التي قد تؤدي إلى إضعاف هذا الاتحاد القاري، وتعامل الدول المؤثرة في الاتحاد كالجزائر وجنوب إفريقيا مع مسألة انضمام المغرب للاتحاد بذكاء وحذر شديدين، ما دامت الجزائر قد تموقعت في منصبين اثنين، وهما نائب الأمين العام للاتحاد الإفريقي ومفوض مجلس السلم والأمن الإفريقي، إضافة إلى ترأس التشادي موسى فكي محمد لمفوضية الاتحاد الإفريقي أمام مرشحي السنغال وغينيا الاستوائية وكينيا، كل هذه المعطيات تصب في مصلحة معارضي انضمام المغرب.
 

إذن عاد المغرب إلى مقعده داخل الاتحاد الإفريقي، رغم ما كان يروج من عراقيل قيل أنها ستعرقل انضمامه، وحقق المغرب بذلك انتصارا دبلوماسيا لحظيا، لكن المهم والأهم هو ما تخفيه الأيام القادمة للمغرب داخل هذا الاتحاد، والأكيد أن كرسي المغرب لن يكون مريحا جدا حتى يتموقع بشكل جيد.
 

2 ـ توقعات ما بعد الانضمام:
سيسعى المغرب إلى تعزيز وجوده داخل الاتحاد الإفريقي بالاعتماد على حلفائه الأفارقة حتى يتموقع بشكل جيد داخل مؤسسات الاتحاد، ومن بين الأمور التي تندرج ضمن أولويات المغرب هي قضية الصحراء والحفاظ على وحدته الترابية. لذلك سيسعى المغرب جاهدا إلى تجميد عضوية الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، كما سيسعى إلى عدم إدراج قضية الصحراء ضمن أجندة الاتحاد الإفريقي.
 

قد يستطيع المغرب التموقع بشكل جيد داخل الاتحاد الإفريقي والحصول على موقع ريادي داخل القارة، مما قد يجعله في المدى البعيد يلوح بتخليه عن أي حل أممي لا يتماشى مع وحدته الترابية.

وبالعودة إلى ميثاق الاتحاد الإفريقي في مادته الواحدة والثلاثون فإن تجميد العضوية يتم بتقديم إخطار إلى رئيس لجنة الاتحاد من طرف الدولة التي تريد إنهاء عضويتها، كما يتم تعليق أو تجميد العضوية بإجماع الدول الأعضاء أو بموافقة الثلثين، كما يمكن ذلك في حالة عدم استقرار الوضع السياسي أو تغيير النظام الدستوري لدولة عضو، كما جرى بالنسبة لمدغشقر وجمهورية إفريقيا الوسطى وغينيا، ومصر بعد الانقلاب العسكري، والتي استعادت عضويتها 2014 بعد إجراء انتخابات بالبلاد. إذن بالنسبة لتجميد عضوية الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية أمر غير وارد وصعب للغاية، باعتبار أن هذه الأخيرة لن تطلب ذلك وأن الوضع السياسي داخل الجبهة مستقر، وباعتبار أن الإجماع على ذلك أمر مستحيل وموافقة الأغلبية أمر صعب كذلك.
 

أما فيما يخص مناقشة قضية الصحراء واهتمام الاتحاد الإفريقي بالقضية؛ فسيتمكن المغرب من تحقيق تضارب في المواقف والقرارات لأعضاء دول الاتحاد، مما قد يضعف قرارات الاتحاد ومدى تأثيرها على قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة في أفق الحفاظ على أممية ملف الصحراء وعجز الاتحاد الإفريقي عن حل الملف، ليبقى الحال على ما هو عليه ينتظر مصيرا يحظى باتفاق سياسي وبرعاية أممية لا افريقية.
 

قد يستطيع المغرب التموقع بشكل جيد داخل الاتحاد الإفريقي والحصول على موقع ريادي داخل القارة، مما قد يجعله في المدى البعيد يلوح بتخليه عن أي حل أممي لا يتماشى مع وحدته الترابية، تحت ذريعة أن النزاع هو شأن إفريقي محض لا يمكن حله إلا داخل أروقة الاتحاد الإفريقي، وهو ما سيمكن من تمديد عمر النزاع القائم حول الصحراء، وكسب المزيد من الوقت مما قد يغير المعادلة سواء داخل الصحراء أو داخل مخيمات تندوف ليبقى رهان المغرب من جديد هو تذمر واستسلام صحراويي الداخل والخارج أمام طول عمر النزاع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.