شعار قسم مدونات

في العيش على ذكرى صديق

blogs - friends
في تلك اللحظة.. هاجت المشاعر، وأخذت حظها من خلط عجيب لم يذكرني من قبل..
في تلك اللحظة.. ذكرت الأصدقاء، وتفتقت ذاكرتي عن أرشيف من الصور كادت أن تمحيه الأيام.. ذكرت الأصدقاء حين يتغيرون، وحين يتبدلون.. حين نتفقد أسمائنا في قائمة أولوياتهم فندركها في الذيل.. حين الإقبال تصده الظهور، وحين السعي باتجاه سراب..
 

ذكرتُ الراوي حين قال في قلب قصته: إن صديقاً قطع ميلاً بعد الألف ليلقي تحية سلام واطمئنان على صديق صحبه ذات يوم فآنس وحشته وفرج كربته، وأنه كان يتفقد فلتات لسانه كيما يذكر صديقه بسوء فيؤذي روحه ومشاعر نفسه قبل أن يؤذي صديقه!

أيا صديق، لم تكن الصداقة يوماُ مسرح تمثيل تصعده متى ما اشتاقت نفسك إلى تصفيق جمهور يحرك صوت ضحكاته كوامن غرورك، ثم تغادره غير مبالٍ حالما تشبع غرائزك! لم تكن تلك الجوهرة عرضة لاحتيالك وتمايلك ساعة ما تتوق نفسك إليها، ثم تغادرها بنفس الحيلة أو غيرها وقت استحقاق الثمن! ليت الصديق يدرك حين يمحو ذاكرة عيش جميل بدّله لحظة عزوف واستغناء، أن المرء يُعرف حال الشدة لا الرخاء، ووقت الضرّ لا السراء!
 

يا صديق، عند المساء.. أحدث نفسي عنك وأذكرها بك.. بجميل وفائك وعظيم عطائك.. فتدهشني وهي تقول: وهل لمثلي أن ينسى؟!

ليته يعلم بأننا ما تخلينا، وما نسينا، ولا كفاً للخير طوينا، وعلى الباب للقرع لزمنا، حفظاً لساعة ود قضتها الروح في دنيا الروح، واستئناساً بذكرى عزيز مرّت ذكراه بالقلب فاستأنس وانتعش. عند المساء، تهب ذكرى الأصدقاء.. فأتذكر.. كم هو جميل أن تعيش اللحظة بجمالها وصفائها مع صديق يرى ما له لك، وما لك أمانةٌ تحت ناظريه كيما تدركها سوءات متربص وحاقد..
 

كم هو جميل أن يكون لديك صديق، عميق كعمق البحر اللجيّ، ينتظرك كلما همك أمر أو غمّك شيء، ينتظرك.. لتغوص إليه روحك، بهمومها وثواقلها، فتلقي وتستريح، ثم تعود خفيفة فرحة بما بدّلت واستبدلت.. كل هذا دون أن يشعرك بعمق ما وصلت إليه، أو بمنٍ على ما أهداه إليك..
 

كم هو جميل أن يكون لديك صديق، يتحسس خطاك، ويتعقب أفكارك، يثنيك حال تهورك، ويشعل فيك نوراً اطفأته الأيام.. يا صديق، عند المساء.. أحدث نفسي عنك وأذكرها بك.. بجميل وفائك وعظيم عطائك.. فتدهشني وهي تقول: وهل لمثلي أن ينسى؟!
 

يا صديق، إن هممت بتركي فلا تبلغني، بل احمل متاعك وامضِ، فذلك أسلى لنفسي.. تلك التي تحتفظ بصور الجمال في حضرتك، ولا ترضى لصورة بؤس أن تنغص مقامك! يا صديق، كلما هممت بالهروب هبت على ذاكرتي ذكرى نسمة عطرة تنسمتها بحضورك، فنغص عليّ ذلك فرحة هروبي وعدت بكلي إليك.. يا صديق، كلما وسوس الشيطان إلى نفسي ومنّاها بالفراق، تمثلت جميل اللقاء بك، فنقضت عليه وسوسته..

يا صديق، جمعتنا دنيا فناء لحظة صفاء، وفرقنا غدر عيش لحظة غرور والتهاء.. فهلّا تداركنا النفس ببقية وصل ولقاء!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.