شعار قسم مدونات

وقد تزهر الكلماتُ دماً

blogs - باسل الأعرج

وأنا أكتب رواياتي.. أحياناً كنت أُصاب بالإحباط وأتساءل: ما الفائدة من كتابة الروايات؟ وهل تستطيع الكلمات أن تقف في وجه البارود وتعيد الحق والأرض؟ ما الجدوى من الكلمات أمام من يكتبونَ بدمهم؟! دمٌ.. يقابله حبر! وجعٌ وقهرٌ.. تقابله حروفٌ خجلى! هم ينزِفونَ ونحن نكتب، لذلك لا يمكن أن نلحق بهم. لكنني كنت أرجع وأقول عزاؤنا الوحيدُ.. أن الكلمة قد تصنعُ البارود! وأن الكلمة هي معجزة الله الباقية! وتأتي الإجابة منك يا باسل.. ومن غسان كنفاني.. لتؤكد ما يدور في خلدي! أن الحبر قد يغدو دماً؛ إن ارتوى من اليقين! وأن للحبر همسٌ.. يبعث الدم من مرقده.. فيغدو شعلةً للنصر والتحرير..

باسل اشتُهر بمقالاته العميقة الداعمة للمقاومة الفلسطينية.. واشتُهر أيضاً بتوثيقه لأهم مراحل الثورة الفلسطينية.. كتب.. وكلماته كانت كدبيب صامت.. ما لبثت أن صارت صوتا صاخبا.. فمن يشكك في الحبر والقلم.. فليرى مصير باسل! ولكل من يقلل من تأثير الكلمة والأدب فعليه أن يتذكر أنَّ الصهيونية الأدبية سبقت الصهيونية السياسية، ثم ما لبثتْ أنْ استولدتها وقامت الصهيونية السياسية بعد ذلك بتجنيد الأدب في مخططاتها ليلعب الدور المرسوم له في تلك الآلة الضخمة التي نُظمتْ لتخدِمَ هدفاً واحداً (دراسة غسان كنفاني في الأدب الصهيوني) هذه الدولة الوهمية (إسرائيل) ولدت من (الرواية) وبالتالي يجب محاربتها بالكلمة والشعر والرواية.. فكل الأسلحة غدت خرساء إلا من حرفٍ وحجر! 

الكلمة هي حصن الأمة الأول والأخير.. وأعتقد بأن الأدب قد يحقق انتصارات تفوق انتصارات المعارك إن لم يرفد المعارك!

الكلمة.. الأدب.. الرواية.. هي إحدى أهم المعارك التي تخوضها الأمة.. فالرواية أكبر أداة للتزوير والتضليل كما في الأدب الصهيوني.. وبعض الروايات العربية! وقد تكون أفضل سلاح لكشف الحقائق كما في الروايات المقاوِمة! رواية "كوخ العم توم" كانت سبباً في ثورة العبيد في أميركا ومن ثم تحريرهم.. وفيلم المحرقة (الهولكوست) مأخوذ من قصة أحد الناجين من المحرقة… والقصص الصهيونية والروايات قديمة جداً.. فقد وُلدت قبل المؤتمر الصهيوني الأول في بازال السويسرية! 

نعم فبعض الروايات العربية لا تحمل من الجرح العربي إلا شكل الحرف! وأنا أتنقل بين هذه الروايات والتي قد يُصنف بعضها على أنه أدب مقاوم رأيتُ عجباً! بعض الروايات تُحيل الخطوط في الخريطة إلى عروق نابضة، وبعضها يكشف عن توغل السامريِّ فينا! السامريِّ الذي شوَّه اليقين وجعلنا نتسابق على ترتيل التوراة! السامريَّ الذي جعل الوطن فعلاً آثماً.. والكفاح المسلح إرهاباً! يا لدهاء بعض الرواة والكتاب، ويا لسذاجة بعض القراء! شيء من الحداثة وقبول الآخر يلقيها السامريُّ على فكرته الخربة فتبدو مقبولة ومهضومة! لذلك على القارئ أن يقوم بدوره. بأن يغربل ما يستحق القراءة وما لا يستحق!

أن يعمل على إبراز الروايات التي تخدم الثوابت الوطنية والمبادئ وأن يسلط الضوء عليها إعلامياً، وخاصة من خلال الإعلام الجديد.. لأن الكلمة سلاح! على القارئ أن يراجع كل ما يصدر ويقدم مراجعات فيه.. وأن يُعدّ قوائم بالأدب الذي يخدم قضايانا العربية وتكون هذه القوائم معللة الأحكام مع الاستشهاد بنماذج من الرواية المختارة! كل ذلك لأن الكلمة هي حصن الأمة الأول والأخير.. وأعتقد بأن الأدب قد يحقق انتصارات تفوق انتصارات المعارك إن لم يرفد المعارك!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.