شعار قسم مدونات

السياحة في السودان.. معوقات وآمال

blogs - السياحة في السودان

تابعت خلال الأسبوع الماضي تلك المشاعر الوطنية الجياشة التي تجتاح عموم السودانيين واهتمامهم المفاجئ بالآثار عبر متابعة ما يكتبونه على هشتاقات #السودان_أصل_الحضارة و#السودان_أم_الدنيا وهي التي أطلقت بسبب سخرية اللجان الإلكترونية السيساوية من زيارة الشيخ موزا أم أمير قطر لمناطق الأهرام شمال السودان والتي اعتبرتها هذه اللجان ما ليست أهراما بل جبنة نستو (في إهانة واضحة للحضارة النوبية) والتي يبلغ عمرها 5000 سنة، ثلاثة آلاف منها قبل ميلاد سيدنا المسيح عليه السلام ، ولست راغبا في الدخول في المناكفات مع تلك الأبواق المأجورة لأنهم صم بكم عمي وأنا على قناعة أنهم لا يمثلون الشعب المصري الشقيق والذي يربطه مع السودان تاريخ مشترك عمره آلاف السنوات منذ زمن الفراعنة الأوائل .

أرغب في التحدث عما يلزم السودان ليكون لديه قطاع سياحي ينتج عملة صعبة مثلما هو الحال مع تركيا ولبنان ومصر وتونس ودول أخرى تعرف أنها مقاصد سياحية في المنطقة.

لقد وهب الله السودان موقعا استراتيجيا عجيبا في جنوب العالم العربي وهذا الموقع سمح للسودان بأن يكون له تعدد مناخي فالمناخ العربي الحار صيفا والبارد ممطر شتاءاً هو في أقصى الشرق بينما في أنحاء البلاد الأخرى يوجد مناخ استوائي حار جاف صيفا وممطر خريفا وبارد شتاءاً وهذا الأمر غير متواجد في الدول العربية والتي لا تعرف أغلبها فصل الخريف من الأساس ولا المناخ الاستوائي ففي الفترات التي يكون فيها العالم العربي يغلي من القيظ في آب اللهاب فإن الخرطوم تنعم بالجو المعتدل الممطر لأن الفصل هناك يكون خريفا. وهذا التنوع المناخي هو مكسب كبير على السودان أن يستثمره ويحاول أن يقنع المصطافين أن السودان في فصل الصيف عند الدول العربية (يونيو ويوليو وأغسطس) هو في جو معتدل وهذا وقت مناسب لزيارة السودان.

 

إننا لا نستفيد من طبيعة بلدنا الغابية والشبه غابية والتي تحوي مئات الأنواع النادرة من الحيوانات الرائعة من أسود ونمور وفهود وزراف وخلافه وسياحة (السفاري) هي من أشهر أنواع السياحات وأكثرها جذبا للسياح وخصوصاً عشاق المغامرة

أكبر معوق للسياحة في مثل هذا الفصل هي مسألة الأمطار في حد ذاتها التي تملئ الأنفاق وتعطل السير وتشل العاصمة ورغم أن فصل الشتاء في الدول العربية مثل السعودية ومصر يثبت (أننا في الهم سواء) لكن يجب للدولة إيجاد طريقة ما للتخلص وتصريف ماء الأمطار حتى لا يحرجنا مع أي شخص يزور بلدنا سائحا ً.

والمسألة الثانية هي أننا لا نستفيد من طبيعة بلدنا الغابية والشبه غابية والتي تحوي مئات الأنواع النادرة من الحيوانات الرائعة من أسود ونمور وفهود وزراف وخلافه وسياحة (السفاري) هي من أشهر أنواع السياحات وأكثرها جذبا للسياح وخصوصاً عشاق المغامرة وما أكثرهم فلماذا لا تحول الدولة محمية الدندر إلى مكان لتواجد السياح الراغبين في سياحة من هذا النمط الغريب ومن المعلوم أن دول افريقيا كثيرة تعتمد ميزانيتها على هذا النمط من السياحة وقد تعجب أحد الإخوة مرة من وجود الزرافات في السودان فأخبرته أنه يوجد منها كثير في السودان وهي منتشرة في مناطق سنار والنيل الأزرق والدندر ودارفور وفي رأيي المعوق الأساسي لمثل هذه السياحة هو عدم اهتمام الدولة بالإعلان عنها وإظهار التنوع البيئي الموجود في الأراضي السودانية والذي ليس مثيل في منطقتنا .

 

أحد أصدقائي وهو شاب مصري يعمل في مكتب للسياحة في مصر قال لي يجب أن تنشئوا بنية تحتية للسياحة وطريق يربط الأقصر وآثار جنوب مصر بالسودان وحكى لي مثالا أن السائحين الذين يأتون إلى شرم الشيخ بعد أن ينتهوا من جولتهم يركبون الباصات ويتجهون نحو البتراء الأردنية وقال لي لو وجد طريق يربط بين آثار مروي وآثار الأقصر سوف يحصل ربط سياحي جميل بين البلدين وقال لي يمكن أن يكون الربط عبر النقل النهري.

 

مهرجانات السياحة المنتشرة في كل الولايات هي عبارة عن كلام فارغ استثناء مهرجانين يبدو أنهما ناجحين هما مهرجان بورتسودان ومهرجان البركل وسبب نجاحهما هو أنهما مقامان في مناطق يمكن أن تكون وجهات سياحية

ولكن تبقى هناك مشكلة كبيرة هي عدم وجود فنادق خمس نجوم أو أماكن لإيواء السائحين الذين هم راغبون برؤية الآثار فالفنادق الموجودة في تلك المناطق هي خانات أكثر منها فنادق ولا تحتوي على أي خدمة فندقية حقيقية ولهذا يضطرون لأخذ السائحين وإعادتهم نحو الخرطوم أو أي مدينة رئيسية بعد ساعات بسيطة من تأملهم آثار مروي والبجراوية. وأما بالنسبة لسياحة الغوص في البحر الأحمر فالعائق الرئيسي أمامها هو الإعلام ولولا مجهودات بعض الشباب على الإنترنت وبعض المخضرمين من العاملين بها.

 

وأخيرا مهرجانات السياحة المنتشرة في كل الولايات هي عبارة عن كلام فارغ استثناء مهرجانين يبدو أنهما ناجحين هما مهرجان بورتسودان ومهرجان البركل وسبب نجاحهما هو أنهما مقامان في مناطق يمكن أن تكون وجهات سياحية ولأن المهرجانين وجد حضور لسياح أجانب فيهما فالهدف الرئيسي لصناع السياحة في السودان يجب أن يكون هو جذب السائح الأجنبي الغير سوداني والذي يحمل عملة صعبة وجعله ينفقها داخل السودان. ختاماً السياحة التي نرجوها للسودان ألا تكون على حساب هوية البلد وقيمها ومادامت هوية البلد مصونة وقيمها محفوظة فلا بأس وعندنا في بلادنا من الآثار والطبيعة ما يلفت عيون السائحين ليحضروا إليها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.