شعار قسم مدونات

الأسواق مزدحمة والمكتبات "كالابالِك"

blogs - books

رُبما لا يختلف المشهدُ كثيراً بين الأسواق العربية وكل أسواق العالم فيما تشهده من حركة ازدحام ملحوظة، سواء مع اقتراب المناسبات العامة أو حتى في الأيام العادية، ولا أحد يُنكر أنّ ذلك عادياً على صعيد الأسواق، كونها قِبلة مشروعة لكل المشترين ذكوراً وإناثاً؛ بينما يكون المشهد ذاته متكرراً في إحدى المكتبات العلمية المتواجدة خارج الوطن العربي، فأيضاً ذلك "طبيعياً" كون أمة اقرأ أصبحت اليوم "لا تقرأ".
 

وقبل أنْ يأخذنا القلم إلى ما يريد؛ يُعد مصطلح "كالابالِك" ترجمة تركية لكلمة "مزدحم" العربية، وكون المقال يطابق مشاهد من الواقع العربي بنظيره التركي اقتبسنا ذلك، ووجب علينا التوضيح من البداية حتى يكون القارئ على بينةٍ فيما يقرأ.
 

وبالعودة للأسواق المزدحمة، فإنّ الأوضاع الاقتصادية المتدهورة لبعض الدول العربية لم تشفع في التقليل من حدة هذا الازدحام، ويتوزع المشترين في المحلات التجارية ما بين جاد ومتفرج، والحال قريب هنا في تركيا لما نحن عليه عربياً، بل قد يكون "حبة" زيادة في ظل الانتشار الواسع للأسواق التجارية الكبيرة "المولات".
 

المكتبات العلمية في تركيا مفتوحة 90 ساعة في الأسبوع، وتعطي أهمية خاصة لاقتناء الإصدارات الجديدة من الكتب، والأهم أنّها ممتلئة بالرواد على مدار الوقت، لكنّ المكتبات العربية تشتكي من قلة روادها.

ولا يخفى تواجد السلع التركية في الأسواق العربية، بل إنّ العرب بمشاريعهم الاقتصادية يغزون شوارع إسطنبول، ويكفي القول أنّ الدول العربية وتركيا يمتلكون مقومات التكامل الاقتصادي فيما بينهم، من خلال التعاون التجاري في عديد من القطاعات الاقتصادية التي يتمتع بها كلا الجانبين، فالاستثمار والازدحام في الأسواق تتقارب به كفتي العرب والأتراك، في حين يختلف الحال كثيراً في استثمار العقول والفكر والقراءة من خلال المكتبات العلمية المنتشرة في كل دول العالم، وتتباين مستويات الإقبال على هذه المكتبات وفق الثقافات المنتشرة في كل منطقة على حدة.
 

وليس إجحافاً بحق أنفسنا القول أنّ المجتمع العربي بعيد كل البعد عن المكتبات العلمية مقارنةً بما شاهدته عيوننا في تركيا، فهي الأكثر ازدحاماً بالطلبة والباحثين الذين لا يملون بقضاء معظم ساعات يومهم بين جنبات الكتب في أجواء لم أعهدها في بلادنا، وخلال زياراتنا المتكررة للمكتبات التركية في أيام مختلفة تفاجأنا كثيراً أنّه بالكاد تجد لنفسك متسعاً بين حشود القُراء، والأمر الذي ضاعف دهشتنا ارتيادنا لهذا الصرح العلمي في الإجازات الأسبوعية والرسمية، ولم نجد هذا الازدحام قد قلت حدته؛ بل إنّنا رأينا في مكتبة علمية تركية مكونة من 5 طوابق وتتسع لأكثر من 700 طالب، شاغر وحيد فقط للالتحاق بركب "القارئين".
 

المكتبات العلمية في تركيا مفتوحة 90 ساعة في الأسبوع، وتعطي أهمية خاصة لاقتناء الإصدارات الجديدة من الكتب، والأهم أنّها ممتلئة بالرواد على مدار الوقت، لكنّ المكتبات العربية تشتكي من قلة روادها، فمتى تتزين مكاتبنا بروادها وتعود أمة اقرأ "لتقرأ".
 

وإنّ طرح مثل هذا الموضوع يأتي من باب "الغيرة" الحسنة، التي نأمل أن تقتدي به دولنا العربية، للنهوض بواقع القراءة والفكر والبحث العلمي للمساهمة في صناعة واقعٍ جديد خالٍ من الأزمات والمشاكل التي نعيشها في الوقت الراهن والنهضة الحقيقية تبدأ من الفرد قبل الدولة، إذ أنّ المكتبات العلمية موجودة وبكثرة في مجتمعاتنا العربية، وما ينقصها سوى أن ننفر إليها ونُعيد ثقافة "القراءة" لها من جديد، فالحضارات العالمية لم يصنعها سوى حشود من الُقراء الذي طبقوا ما وجدوا بين دفتي الكتاب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.