شعار قسم مدونات

الفيلم القصير.. صرخة السينمائي

blogs - movie

محور واضح ورسائل مكثفة ومشهد عابر في قصة تحتاج فصولاً لروايتها، وإشارات تشبه الجمل المقتضبة، ثم النهاية. تقف أمامه مشدوهاً طالباً معرفة المزيد، متحيراً في السؤال الذي يلح عليك بعد المشاهدة، ماذا حاول أن يقول المخرج؟

 

تظهر القضية الملحة، والفكرة المؤرقة على حين غرة، في أحداث متلاطمة، وقضايا متسارعة. تأكل عليك نفسك من الداخل، وتعشش في رأسك وتحتل مساحات صدرك، وهي تقول: أنا قصة تستحق أن تُروى "، تبدأ بجهد المقل في التعبير عن حالك، فتشكوها لأزرار هاتفك النقال أو حاسوبك المحمول، تذيلها بهاشتاغ، تغط في طمأنينة الوهم، وانجاز الفضاء الإلكتروني، وتنام.

 

السينمائي الحقيقي يعرف الطريق الى الجائزة والمنبر، ويفرق بين الجائزة والمنبر، فاستخدم المنبر وإيّاك أن تستخدمك الجائزة

قد يُقبل هذا الفعل، إن جازت عليه تسمية الفعل، من مهتم على الهامش، أو مهموم مغلوب على أمره، أو مختص في غير مجال، لكنه منقصة في حق من يصنع الصورة، ومَثْلَبَةُُ في تاريخ انتاجه، إن هو امتلك الأداة ولم يعبر، ولم يتجاوز ردحه، النص الى العدسة، والقصة الى الفيلم.

 

تتمحور فلسفة الفيلم القصير حول توجيه رسالة آنية وملحة، لا ينفع معها الانتظار، لفيلم طويل يتجاوز زمن الرسالة بسبب وقت التحضير ووقت الانتاج، وإن كان ذلك لا ينفي عن الفيلم القصير التحضير والانتاج، إلا أن الزمن بالضرورة، أقل، والقضية التي تريدها أن تكون فيلماً لن تنتظرك حتى تنتهي من تحضيراتك.

 

هذا ما أسميه قيامة السينمائي إذا ما حضرت، فقصتك اليوم تنتظر منك سرعة البديهة في الالتقاط، وسردك الرشيق في السيناريو، ومناكفة الظروف التي ستعيقك لإنتاجها، واللحاق بركب التسارع الذي سيجعلها مستهلكة مطروقة بعدما كانت متألقة ناضجة خارجة للتو من فرن الأحداث.

 

حتى إذا ما انتهيت من توليفها، بحثت عن منبرٍ يليق بها، لتطرق الأسماع، وتهز النفوس، فلا معنى لفيلم ينتج دون عرض، ولا معنى لصرخة تطلق دون أن تسمع. وهنا، يجب أن تكون على درايةٍ بأصول إدارة المشهد إعلامياً ووصول صوتك عبر ما تيسّر من المنابر، خاصةً أن قضيتك في الغالب غير محبذة السماع، وليست ذات طابع تجاري، أو كلاشيهات ممجوجة، والسينمائي الحقيقي يعرف الطريق الى الجائزة والمنبر، ويفرق بين الجائزة والمنبر، فاستخدم المنبر وإيّاك أن تستخدمك الجائزة.

 

لا يغفى على الجميع أن السينما بهيأتها التقليدية ونمطيتها السائدة عالميا ما زالت صامدة ولها مناخها الخاص بها واهتمامها الذي لم يتآكل كثيرا الى الآن، فهي مقصد جميع أفراد العائلة والوقت المقضي نهاية الاسبوع، والشاشة الكبيرة التي تأخذك فيها، إلا أن التطور التكنولوجي الحاصل، والمترافق مع تغيرات اجتماعية وسياسية واقتصادية، تفرض تغول الفيلم القصير، وسيطرته مستقبلاً على الشاشات الصغيرة، وشبكات التواصل، هذه الحقائق لا ينفع معها إغفال الفيلم القصير والاكتفاء بانتظار انتاج الطويل منها حفظا لهيبة السينما، وانتقاصا من أهمية القصر، بل إن هذه الأفلام تشكل روافد سريعة لنهر التثقيف السينمائي الهادر، والهمسات العميقة في وعي ووجدان المتلقي والجمهور.

 

فما دامت القصص حاضرة والأحداث تتوالى فليكن لك يا صانع الافلام المتيقظ، نصيب من رواية قصة هنا وحكاية هناك بنمط سريع، ومشهد قصير، بينما ينضج فيلمك الطويل على نار الانتاج الهادئة، ولا بأس من إطلاق الصرخات السينمائية، كلما حاكت في نفسك وخفت أن لا يطلع عليها الناس.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.