شعار قسم مدونات

اصطدام الأدب الأفغاني بالثقافة الهندية

blogs - الشعب الهندي
إن الأدب الأفغاني تربطه علاقات وثيقة بعوالم الأدب القريبة والبعيدة عن ترابه، باعتباره جزءا لا يتجزأ من محيطه الجغرافي والتاريخي، فهو أدب تتقاطع فيه مجموعة من الثقافات، وينفتح أكثر على الآخر في علاقة تأثرية تجعل منه أدبا متعدد الألوان والأشكال. وتقاطع هذه الثقافات في النصوص الأدبية الأفغانية المعاصرة يأخذ مجموعة من الأشكال المستقلة عن التصور الكلاسيكي لحوار الثقافات والتداخل الثقافي. فالنصوص المعاصرة، سواء تعلق الأمر بالنثر أو الشعر، هي بالأساس نِتاج لعملية تَأثر خضع لها الكتاب الأفغان خلال الأسفار، أو خلال عملية الهرب من الموطن الأصل نحو موطن جديد يضمن لهم حرية الكتابة والتعبير. وتعد الثقافة الهندية الأكثر تأثيرا في الأدب الأفغاني المعاصر إلى جانب الثقافة الفارسية (الإيرانية والعربية)، لما تتميز به من تعدد ثقافي متمثل أساسا في تعدد التقاليد والديانات وأساليب العيش، بالإضافة إلى التعدد اللساني والطائفي. ومن هنا، نجد أن مجموعة من الكتاب الأفغان المعاصرين يتغنون بالثقافة الهندية ومعمارها وأدبها العريق المعروف بطابعه الاجتماعي والروحاني التصوفي.

فيكفي أن يتأمل المرء في عظمة ’’تاج محل’’ ليعرف جمالية هذه الحضارة التي عرفت تعاقب العديد من العصور الذهبية، إن الثقافة الهندية بتعدد ألوانها وطقوسها تجذب الفنانين والشعراء، وتجعل منهم عاشقين لتراثها وآثارها وتاريخها ومعمارها. وتأثر الأدب الأفغاني بالأدب والثقافة الهندية، يظهر بكل وضوح في أعمال الكاتب الكبير عتيق رحيمي، الذي لا يتوقف عن التعبير عن إعجابه بهذه الحضارة، وكيف كانت سببا في تغيير نظرته للفن بصفة عامة، ولفن الخط بصفة خاصة. ففي كتابه ’’نزهة القلم’’ يتحدث الكاتب عن أول اصطدام له بهذه الثقافة التي غيرت مساره الفني، وجعلت منه شخصا باحثا عن الحقيقة، وعن ذاته قبل كل شيء. فالأدب الأفغاني المعاصر، أدب حامل لحوار ثقافات لا مثيل له، حيث تتقاطع جميع الثقافات وكأنها مُكمل أساسي في حياة الفنان الأفغاني. لكن سِحر الثقافة الهندية وجاذبيتها جعل من الكاتب لا يتوقف عن مدح ’’تاج محل’’ والتغني بأشعار الشاعر الهندي الكبير ’’ طاغور’’. ليتجاوز هذا التغني إلى حَد الاعتراف أنه ولد في الهند. والمقصود بالولادة في الهند، هو أن الكاتب وجد الحرية والقدرة على التعبير عن وجوده بعدما كان يستحيل فعل ذلك في مجتمع ظلامي منغلق على طقوسه المتشددة، كالمجتمع الأفغاني.

إن حوار الحضارات والاصطدام معها ضروري لنسيان الأزمة وتجاوزها ولو جزئيا. وهذا ربما سبب تأثر الكاتب بثقافة الهند التي جعل منها موطنا، وبلاد التحرر من كل القيود.

وهكذا فإن جل أعمال الكاتب تطرح مسألة اصطدام الثقافة، وأهميتها في تطوير الخيال، وأساليب الكتابة بعيدا عن الأساليب القديمة. واصطدامه بالثقافة الهندية لم يُأثر فقط على عالمه الفني، بل أثر ذلك أيضا على حياته الخاصة، وجعل منها مُنطلقا لمجموعة من التساؤلات الوجودية العميقة. وعليه، إن عتيق رحيمي من الكتاب الذين يكتبون بشغف عن العلاقة التي تربط الفرد بالآخر، خاصة ذلك الآخر المختلف الثقافة والتصور الفكري. إذ نجده مثلا في كتابه ’’حجر الصبر’’ مُتأثرا بالحضارة العربية الإسلامية، وحجر الصبر ليس إلا استعارة للحجر الأسود الموجود في الكعبة. لكن انجذابه للثقافة الهندية كان سببا في تحرره من القيود التي عاشها في بلاده أفغانستان.

وقد لعبت الثقافة الهندية دورا محوريا في نجاح الكاتب، خاصة عندما يقول بالحرف إنه جاء من بلد لا يمكن فيه التساؤل عن وجود الفرد، ليجد نفسه في بلد كالهند حيث الكل يتغنى بماهية الوجود. واعتبر هذا الاصطدام المفاجئ مع الحضارة الهندية تحررا من القيود وانفتاحا على الآخر في كل تجلياته. ولقد كان هذا سببا في وجود خليط من الثقافات في جل أعماله، كتعبير منه على أهمية التعرف على الآخر، وطريقة فعالة في التعرف على الذات. ويعتبر عتيق رحيمي اليوم، من كبار رواد الأدب الأفغاني المعاصر، لما يُقدمه من أعمال أدبية وازنة، تعكس عمق الأزمة التي يعيشها المجتمع الأفغاني. والانفتاح على الثقافة الهندية لم يكن اختيارا، بقدر ما كان هروبا من واقع دموي، لم يترك للكاتب خيارا سوى البحث عن منفذ يتيح له الفرصة للتعبير والبحث عن مخلفات الذات بين أشلاء الحرب والذاكرة.

ومن ثمة، فالسفر إلى الهند كان له وقع كبير من الناحية الدينية والتصوفية على حياة الكاتب، الذي عبر عنه بتفصيل في كتابه ’’نزهة القلم’’. والدليل على هذا الوقع هو استعماله المتكرر لكلمة ’’تحرر’’، قاصدا بذلك أن الثقافة الهندية كانت سببا في عودته إلى الحياة، رغم معاناة المنفى، والبعد عن أرضه التي لا تفارق مخيلته. كما أن الاصطدام بهذه الحضارة زاد من تمسك الكاتب بوطنه وترابه.

إن الخلاصة النهائية التي يمكن تسجيلها من كل ما تقدم، أن الأدب الأفغاني، هو قبل كل شيء أدب إنساني، يعكس معاناة الإنسان في مجتمع يسوده الظلام. إنه صرخة محترقة يخرجها الكاتب معبرا عن حجم المعاناة التي عاشها، والتي يعيشها الفرد الأفغاني في ظل أزمة وجودية متكررة. ثم إن حوار الحضارات والاصطدام معها ضروري لنسيان الأزمة وتجاوزها ولو جزئيا. وهذا ربما سبب تأثر الكاتب بثقافة الهند التي جعل منها موطنا، وبلاد التحرر من كل القيود، ونقطة البحث عن الذات الممزقة بين حاضر مُرٍ، وماضٍ مظلم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.