شعار قسم مدونات

حراكنا الطلابي ما زال يكرر "حديث الجنود"

blogs - الجامعة الأردنية
"حديث الجنود" رواية خطتها أنامل الروائي الأردني أيمن العتوم، أرخ فيها الأحداث الدامية التي جرت في جامعة اليرموك في ثمانينيات القرن الماضي عقب موجة احتجاجات طلابية ضد رسوم إضافية على طلبة الهندسة، فكانت هذه الرواية – والتي استقت أحداثها من شهادة بعض المشاركين فيها ووثائقهم – شاهدة على عدم تعاطي الإدارات الجامعية مع الحراك الطلابي آنذاك وعدم قدرتها على امتصاص غضبته، فما كان من مقص الرقابة إلا أن منعت طباعتها مرة أخرى.

وبعد مرور ثلاث عقود على هذه الأحداث، إلا أن الحركة الطلابية في جامعاتنا الأردنية ما زالت تشهد حصارا من قبل أصحاب السلطة فيها، غير آبهين  -أي الإدارات– بما حققته هذه الحركة من حفاظ على السلم المجتمعي فيها، وتفريغ طاقات الشباب وأوقات فراغهم بما هو في الصالح العام، وتذكية لروح التحدي على كل الصعوبات، وإضافة لثقافة سياسية وطنية حرة بامتياز، بعيدة –كل البعد– عن مواطن الانحراف الأخلاقي وانتشار المخدرات الذي بدأ يضرب أوصال جامعاتنا للأسف، مما جعلها –أي الجامعات– أكثر حيوية ونشاطا وتفاعلا مع الصالح العام، وكانت كفيلة في تخريج عدد من القيادات المجتمعية التي حلت في العمل العام أو الخاص وحتى الحزبي والنقابي، ولكن يبدو أن هناك من يريدها خاوية على عروشها إلا من دافعي الرسوم ومحققي العلامات.

على صانع القرار في وطني إعادة قراءة الواقع الطلابي في الجامعات، وفتح المجال أكثر أمام الطلبة لكي يمارسوا كل أشكال الحياة الديمقراطية بشكل مصغر.

وما حصل في الجامعة الأردنية من قرار لرفع الرسوم وأعقبه سلسلة فعاليات طلابية رافضة أبرزها "الاعتصام المفتوح" مارست على إدارة الجامعة – حينها – كل أنواع التشويه وإلصاق التهم والأدلجة لمحاولة إخراجه عن أهدافه، وكذلك ما حصل مؤخرا في الجامعة الهاشمية من فصل لطالب سنتين دراسيتين لدعوته زملائه إلى اعتصام يطالب فيه تأجيل موعد دفع الرسوم لهو أمر يشير بصراحة ووضوح إلى إدارة تتمتع بعقلية عرفية مقيتة.

إن أخطر المشاهد المتكررة جامعاتنا هو تهميش الحركة الطلابية والتدخل في إفرازاتها الانتخابية والعبث بإرادتها الحرة، مما يؤثر عادة بالطلبة في فقدان الثقة بالجامعة (كمؤسسة تربوية وطنية) قادرة على إدارة شؤونهم بالعدل، وينعكس ذلك على المجتمع والوطن، ويؤدي غالبا إلى انزياحهم نحو الالتفاف حول ولاءات ضيقة كالعشائرية والمناطقية ليفرغوا طاقاتهم في عنف جامعي مدمر، أو إلى عزوفهم البتة عن واقع وطنهم ووقوعهم فريسة لمروجي المخدرات و"الجوكر"، وهذا أمر قد أصبح –للأسف– مكررا في بعض جامعاتنا.

إن ما يجب على صانع القرار في وطني – وكل بلاد العرب أوطاني – إعادة قراءة الواقع الطلابي في الجامعات، وفتح المجال أكثر أمام الطلبة لكي يمارسوا كل أشكال الحياة الديمقراطية بشكل مصغر، من خلال تعديل نظرتها نحو الطلبة وإرادتهم الحرة، وأن يلجأوا أولا لتمليك الطلبة أدوات الحوار المناسب ودفعهم نحو آفاق أرحب في تمثيل بعضهم وصناعة مستقبلهم، لا أن يبقوا في أبراجهم العاجية ويتحدثون – كعادتهم – بلغة فوقية نسيها الواقع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.