شعار قسم مدونات

عن التعلم في عصر الإنترنت (2)

blogs- التعليم
كما تعلمنا في المقال السابق، فهُناك ثلاثة عناصر رئيسية ترتبط بأي عملية تعليمية:
1- بيئة التعلم Learning Environment
2- شبكة التعلم Learning Network
3- ملف التعلم Learning Portfolio

تحدثنا عن بنية النموذج التعليمي التقليدي أحادي الاتجاه، وكيف أنه لم يتغير لقرون بسبب عدم وجود حل بديل لمُشكلة تعليم عدد كبير من الطلبة في نفس الوقت. تحدثنا أيضًا عن كيف أن الإنترنت مثّل أول حل عملي لهذه المُشكلة، وكيف أنه مهد لميلاد نموذج تعليمي جديد أكثر مرونة: التعلم المُتمحور حول الطالب. المرونة التي أتاحها هذا النموذج ترتب عليها نتيجة مُهمة؛ خارج نطاق المنظومة التعليمية التقليدية، فالطالب هو المسئول عن تصميم كل شيء!

لنفترض أنك ترغب في تعلم موضوع معين. قبل أن تُشمر ذراعيك وتبدأ الخوض في بحر العلم، عليك أن تُجيب عن سؤال مُهم: وماذا الآن؟ الرغبة وحدها لن تصل بك لأي مكان.

أنت المسئول عن تحديد أهداف ومحتوى وأسلوب الدراسة. أنت أيضًا المسئول عن طبيعة الاختبارات، وعن نوعية "الإثبات" الذي ستعتمده لإبراز مهاراتك المكتسبة. هذا يعني أن الخطوة الأولى في التعلم في عصر الإنترنت هي تصميم الإطار التعليمي بعناصره الثلاثة.
 

وماذا الآن؟
لنفترض أنك ترغب في تعلم موضوع معين. قبل أن تُشمر ذراعيك وتبدأ الخوض في بحر العلم، عليك أن تُجيب عن سؤال مُهم: وماذا الآن؟ الرغبة وحدها لن تصل بك لأي مكان. عليك أن تجيب أولًا عن هذا السؤال بصورة تفصيلية، وذلك لأن العناصر التي ستتضمنها إجابتك هي ما سيتحدد على أساسه كُل شيء بعد ذلك.
 

على وجه الخصوص، عليك أن تجيب عن الأسئلة التالية:
1- ما هو الهدف من تعلم هذا الموضوع ؟ "التقدم لوظيفة معينة – الدراسة في تخصص معين – فضول..".
2- ما هي المُخرجات/المعلومات/المهارات التي تستهدفها؟
3- لماذا هذه المهارات بالتحديد دون غيرها؟
 

بناء على قدرتك على الإجابة عن تلك الأسئلة بصُورة "مُحددة" من عدمها، فسيكون بإمكانك معرفة إذا ما كُنت ستتعلم بالفعل أم أن الأمر سيكون مُجرد مضيعة للوقت. في حال أنك تأكدت من رغبتك، عندها يُمكننا البدء في تصميم العملية التعليمية.
 

العنصر الأول: بيئة التعلم
من السهل تصميم بيئة تعلم مُناسبة في ضوء الخطوة السابقة. على وجه الخصوص، سيتوجب عليك تحديد التالي:
1- نطاق الموضوعات التي تود تعلمها "المنهج الدراسي".
2- المصادر التي ستعتمد عليها "مواقع، كُتُب، مساقات على الإنترنت،.. إلخ".
3- الأدوات التي ستستخدمها لإثراء عملية التعلم وتوثيقها "مواقع استضافة ملفات، مُدونات، يوتيوب.. إلخ".
4- أسلوب الاختبار، أو طبيعة "الإثبات" على مهاراتك المكتسبة "مشروع؟ مقال؟ بحث؟ شهادة؟.. إلخ".

العنصر الثاني: شبكة التعلم
هُنا عليك أن تُقرر كيف ترغب في تبادل الخبرات بينك وبين من يتعلمون نفس الموضوع الذي تتعلمه. على سبيل المثال، يُمكنك فعل التالي:
1- إنشاء مجموعة على موقع تواصل اجتماعي
2- الانضمام لمُنتدى
3- الالتقاء بصُورة دورية بمجموعة من الأصدقاء ممن يدرسون نفس الموضوع
4- عمل شرح على يوتيوب أو عرض تقديمي على موقع SlideShare ليتفاعل معه الناس.
 

العنصر الثالث: ملف التعلم
"هل سأحصُل على شهادة؟"
في أغلب الأحيان، هذا هو أول ما تسأل عنه عندما تتقدم لدورة تدريبية أو تسجل في مساق تعليمي خارج الإطار التعليمي التقليدي، وفي أغلب الأحيان ستفقد اهتمامك إذا علمت أنها/أنه بدون شهادات. ليس من الغريب أيضًا أن تجد من يلتحق بدورة تعليمية خالية من أي استفادة، فقط لأن شهادتها "مطلوبة"! هذا الهوس بالشهادات وُلد من حقيقة أنه في إطار التعليم التقليدي، فالشهادات هي الإثبات الوحيد على مهارة الفرد.
 

حتى في إطار النموذج التقليدي للتعلم فالشهادات الورقية لم تعد إثباتًا كافيًا. لحسن الحظ، فظهور الإنترنت أدى لميلاد نوع مُختلف كُليًا من ملفات إثبات المهارة لم يكُن موجودًا من قبل: ملفات التعلم الإلكترونية أو ePortfolio.

ولكن هل بالفعل تعد الشهادات إثباتًا لأي شيء؟
في أحسن الظروف، يُمكننا اعتبار الشهادات إثباتًا "أوليًا" للكفاءة. هذا هو السبب في أن أصحاب الأعمال لا يعتدّون بها كثيرًا إلا في مراحل التصفية الأولية، والتي بعدها يتعين على المُتقدم خوض امتحانات ومُقابلات تقنية لاختبار قدراته الحقيقية. في أسوأ الظروف، فالشهادات لا تُثبت أي شيء على الإطلاق، حيث أنه ببساطة من المُمكن شراءها -وهي حقيقة مُخزية لا فائدة من التظاهر بعدم معرفتها-. بعبارة أُخرى، حتى في إطار النموذج التقليدي للتعلم فالشهادات الورقية لم تعد إثباتًا كافيًا. لحسن الحظ، فظهور الإنترنت أدى لميلاد نوع مُختلف كُليًا من ملفات إثبات المهارة لم يكُن موجودًا من قبل: ملفات التعلم الإلكترونية أو ePortfolio.
 

ملفات التعلم الإلكترونية قد تتضمن أي شيء:
1- مدونة قُمت بإنشائها لتوثيق عملية التعلم خطوة بخطوة
2- سلسلة محاضرات يوتيوب قُمت بشرحها ترتبط بموضوع التعلم
3- مجموعة مشروعات برمجية أو مواقع قُمت ببنائها أثناء عملية التعلم
4- مقالات قُمت بنشرها ترتبط بموضوع التعلم
5- شهادة إلكترونية من مساق تعليمي على الإنترنت
 

القائمة لا تنتهي. ملفات التعلم الإلكترونية تتُتيح مرونة هائلة في اختيار الوسيلة التي ترغب عن طريقها إظهار مهاراتك المكتسبة. ليس هذا فحسب، بل إن هناك قبولًا مُتزايدًا بين أصحاب الأعمال والجامعات على اعتبارها وسائل بديلة لإثبات المهارة مُعترف بها.
 

الآن وبعد أن انتهينا من تصميم العملية التعليمية، كيف يُمكننا الشروع في التعلم؟ هذا هو موضوع المقال التالي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.