شعار قسم مدونات

طلاب جامعة القدس.. صمودنا ونجاحنا

blogs - فتاة فلسطينية
تعودنا! اشتقالنهم والله زمان! صار عنا مناعة من ريحة الغاز! وغيرها من المسميات والجمل التي يطلقها زملائي في جامعة القدس في كل مرة يتكرر فيها المشهد. مشهد خروجنا مسرعين نحاول الوصول باكرا إلى محاضرة الساعة الثامنة. وفي الوقت نفسه خروج جيب إسرائيلي من المعسكر اللي يبعد بضع كيلومترات عنا. يستوقفنا سائق سيارة ويقول "الجيش عند الجامعة في قنابل غاز ارجعوا"… كل منا يحاول أن يقف في زاوية ما بعيدة عن رائحه الغاز، ولكن الرؤيا فيها واضحة. ننتظر فيها انتهاء السيناريو الذي يتكرر مرتين على الأقل أسبوعيا.

يخرج زميلي علبة السجائر حتى يخفف من أثر رائحة الغاز في حلقه، خمس دقائق، عشرة! ثم كل يمضي لغايته وهدفه، هذا طبعا إذا حالفنا الحظ واستمرت لعشر دقائق فقط! أذكر في مرة من المرات حوصرت الجامعة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي حتى الساعة السادسة مساء، العديد من الإصابات وصوت سيارات الإسعاف بازدياد، المشهد لم ولن يذهب من عقلي أبدا!

سيقول لي أحدهم هذه ليست معاناه التي تتحدثين عنها؟! ألا ترون معاناة أهالي سوريا والعراق… إلخ
لكن ردي سيكون أنني لا أتكلم عن معاناه شعب، أنا أتكلم عن قصه نجاح، عن تحد وصمود، عن قوة وإرادة وعزيمة من حديد، نعم نحن شعب الجبارين، نقلب المحن إلى منح.

وجودي في هذه الجامعة لم يزدني إلا تحديا وإصرارا أكبر لأنجز وأمضي قدما في تحقيق أهدافي، وتعلمت من زملائي معنى النجاح.

أتيحت لي الفرصة أن أدرس في جامعة القدس وليس مثل بقية إخوتي الذين أكملوا دراستهم الجامعية خارج الوطن، وأن أسكن خلال فترة دراستي في بلدة أبوديس التي تقع فيها الجامعة، جنوب شرق مدينة القدس المحتلة. أربع سنوات خضت فيها العديد من التجارب، سأسرد بعضها على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر، لأني أجزم أنني لن أستطيع حصرها.

حالفني الحظ مرة من المرات حيث كنت عائدة إلى المنزل في عطلة نهاية الأسبوع، وعندما عدت أخبرني صاحب السكن الذي أسكن فيه أن المواجهات كانت الليلة الماضية وخيمة جدا! ويعتقد أن شيئا ما حصل في نافذة غرفتي. هرولت مسرعة فما إن رأيت المنظر حتى أصابتني الدهشة. عدة رصاصات اخترقت نافذة الغرفة، وحلت ضيفة على وسادتي، ابتسمت في قرارة نفسي وقلت الحمد لله لو كنت هنا لأصابني مكروه، وكانت هذه الرصاصات قد اخترقت رأسي بلا شك، أصلحت النافذة. وبالتأكيد غيرت موقع الوساده :).

وفي مشهد آخر اضطررنا للخروج ليلا لنقوم بشراء دواء لزميلة لنا أصابتها وعكة صحية، وكانت الصدفة غير السعيدة على الإطلاق أن بدأت مواجهات الجيش مع شبان البلدة ونحن في منتصف الطريق، فما كان منا إلا أن ندخل أحد البيوت وننتظر لعل وعسى أن تنتهي بسرعة، ولكن أحد الجنود لمحنا من بعيد وظن أننا مجموعة من الشبان، فما إن رأونا حتى قامت إحدى المجندات بضرب زميلتي بطرف السلاح الذي تحمله، وتم شتمنا بأسوأ وأفظع الألفاظ التي لم نسمع بها من قبل، لقد كان وقع تلك الليلة على نفسي سيئا جدا، وكان جل ما تمنيته أن أحتضن أمي وأبكي على صدرها.. تساءلت عدة مرات في بداية حياتي الجامعية لماذا يتوافد عليها العديد رغم جميع الظروف السيئة الموجودة فيها.

كنت أعتقد قبل أن أدخل هذه الجامعة أنني لو تعرضت لموقف أبسط من هذا بكثير سوف أترك كل شيء ورائي ولن أكمل دراستي فيها، ولكنني كنت مخطئة جدا، وجودي في هذه الجامعة لم يزدني إلا تحديا وإصرارا أكبر لأنجز وأمضي قدما في تحقيق أهدافي، وتعلمت من زملائي معنى النجاح.

تخرج من جامعة القدس ورغم كل التحديات الدكاترة والمهندسون والمحامون والصيادلة وغيرهم من المهرة بأعلى الشهادات. تعلمت من أساتذتي معنى التضحية والصمود، وها أنا أترك بيتي وأسرتي لأقطع المسافات البعيدة وأمر بالعديد من الحواجز لأدرس في هذه الجامعة رغم جميع الصعوبات والمخاطر التي قد أتعرض لها.

غرست هذه الجامعة في نفسي مقولة الإنسان الناجح المبدع هو الذي يتعرض لأسوأ الظروف ويقلبها لتصبح له طريقا مزهرا يحقق فيه جميع أهدافه في الحياة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.