شعار قسم مدونات

كيف أصبحنا مبتسرين.. عن الحركة الطلابية في مصر

blogs - revolution

إذا كنت طالب جامعي -حينها- وتمر بمكان "الكافيتريا" في أحد كليات جامعة الإسكندرية أو أي جامعات مصر، كنت سترى فتى يُمسك بـ"مايك" ويتردد صوته عبر سماعة ذات صوت رديء يقول" لن نكتفي بتغيير الجامعة بل سنغير العالم". وإذا كنت تعبر أحد بوابات الجامعة ستجد أمامك فتى آخر يمسك بلافتة مرسوم عليها المسجد الأقصى، ويرتدي "غطرة/وشاح" فلسطيني ويخطب في الطلاب الداخلين خطبة عصماء عن الاعتداءات الصهيونية على غزة والضفة، وإذا كنت ذاهبا لأحد المدرجات الجامعية كنت سترى في قاعة المبنى فتية واقفين في حلقة، وفرد منهم يتكلم والباقي ينصتون لحديثه.

 

لا عجب وهؤلاء الفتية قد تجمعوا صباحا وقبل موعد فتح بوابات الجامعة ليعدوا برنامج اليوم أو ليجهزوا المنشورات "الوسايل" التي ستُوزع على الطلبة أثناء الدوام الدراسي داخل الجامعة..

 

إذا كنت ممن شهدوا فترة الحركة الطلابية منذ مطلع الألفينات وحتى لحظة اقتحام الجامعات في سنة 2013 و2014، كان من المألوف أن ترى الانشطة والتجمعات الطلابية السياسية منها والثقافية والترفيهية، كان من المألوف أن ترى مظاهرة حاشدة أو فتى يقف فوق طاولة جامعية ويصيح في الطلاب عن أوضاع الجامعات والأوضاع السياسية خارجها.

 

الحراك الذي تصاعدت وتيرته في عام 2013 و2014 بعد الانقلاب العسكري  كان يجب أن ينفصل عن الحراك السياسي مسدود الأفق في تلك الفترة، والانفصال عن الأيدولوجيات القديمة التي أثبتت فشلها وثبت فشل قياداتها وعقم تفكيرهم، إلى خيال أكثر رحابة

الفتى الذي حضر وشهد الحراك الطلاب منذ 2009 وحتى 2015 وكانت لحظة بدايته يردد نشيد "غرباء وارتضيناها شعارا للحياة" ويرن هاتفه المحمول بنغمة "سنخوض معاركنا معهم" وشعاره "صُمًت أذن العالم إن لم يسمع لنا" ويستيقظ من الفجر ويستكمل اللقاءات والاجتماعات بعد فترة الجامعة ليعود للبيت في العشاء، يُفترض عليه أن يسأل كيف انتهت الحركة الطلابية وكيف خمد هذا الحراك والنشاط الطلابي تلك النهاية المؤلمة.

 

حين اقتحمت قوات الشرطة "الأمن المركزي" الحرم الجامعي" ودخلت المدرعات وداست على أحلام الطلبة، وسُفكت الدماء على أسفلت الجامعة فاستُشهد الطالب "عمر الشريف" ومن قبله الطالب "عمرو خلاف" ومن قبلهما كثير سقطوا برصاص قوات الداخلية. أسفلت كان يحلق في سمائه أحلام صغيرة وكبيرة وآمال حالمة تحملها بالونات ملونة تحوي أمنيات بتفوق دراسي ووظيفة وزوجة وحياة عادلة ومستقبل أفضل.

 

هذا الفتى لم يكن يتخيل يوما أن دكتوره المحاضر الذي سحب منه بطاقته الجامعية الخاصة وعنفه لمنشور وزعه أو كلمة دعوية ألقاها في المدرج قبل المحاضرة، سيأتي اليوم لينحني أمام الجندي وسط المدرج وأمام طلبته المختبئين تحت المدرجات الدراسية ويلثم "بيادته" كي يتركه يخرج سالما.

 

إذا كانت هذه خواطر مبعثرة عن الحركة الطلابية وكيف انتهت بل وُأدت، يجب أن نذكر أنها كانت مقيدة ومكبلة بقيود التنظيمات والأيدولوجيات السياسية التي حاصرتها من الداخل، لقد سبق حصار الأيدولوجيات للجامعة حسار المدرعات لها بل مهد هذا لذلك، مثلما امتصت الحركات السياسية في ثلاثينات القرن الماضي حراك الطلبة الذي كانت ذروته عام 1936امتصت الأيدولوجيات السياسية وأفقها الضيق وخيالها العقيم حراك ضخم كانت بداية صعوده منذ مطلع ألفينيات هذا القرن واستمر مع الحراك السياسي في 2005 و2006 ونمى مع الحركات السياسية الجديدة مثل حركة كفاية و6 ابريل في 2008 و2009 وامتد مع قيام ثورة يناير، لكن أصحابه انتهوا مبتسرين ومبعثرين في شتات كما انتهت الحركة الطلابية في سبعينات القرن الماضي.

 

لقد كانت نسبة غير قليلة وأيضا غير كبيرة وهي النسبة المناسبة لقيام ثورة أو أي حراك سياسي رافضة للأوضاع السياسية حينها، لكنهم لم يكونوا راضين بالانضمام للقوى السياسية حينها.

 

فقد كان هناك ارتياب متبادل بين القوى السياسية والحراك الطلابي، بل كان هناك ارتياب بين الطلبة وبعضهم خاصة من كانوا ينتمون منهم للتنظيمات والأحزاب السياسية حينها، فطلاب الحركات الإسلامية وخاصة الإخوان المسلمين كانوا يريدوا جذب الطلبة لهم وحدهم وكانوا مرتابين من الطلبة الآخرين خاصة طلبة اليسار والحركات السياسية الجديدة مثل 6 أبريل، ورغم ذلك انضم كثير من الطلبة غير المؤدلجين للحراك السياسي العام قبل الثورة مثل وقفات خالد سعيد وكفاية، كما انضم أفراد من طلبة الإخوان المسلمين للوقفات ودعموها.

 

كان خيال الطلبة برغم أنه لم يكن جذريا نحو النظام الحاكم ولا المجتمع كان يتجه نحو نظام ديموقراطي أكثر عدلا ودولة أكثر رفاه وأكثر تقبل للحريات، ورغم التضيقات الأمنية والتحقيقات التي كانت تطول الطلبة حتى أن طالب جاءه تحقيق بأمن الدولة لمجرد وقوفه مع طالب منتمي سياسي فقد كان دور الطلاب أساسيا وفاعلا في التظاهرات.

 

النقطة الأهم والتي كان يجب ينتبه لها الطلاب، أن هذا الحراك والذي تصاعدت وتيرته في عام 2013 و2014 بعد الانقلاب العسكري ومذبحتي رابعة والنهضة وباقي المذابح في مدن ومحافظات مصر كان يجب أن ينفصل عن الحراك السياسي مسدود الأفق في تلك الفترة، والانفصال عن الأيدولوجيات القديمة التي أثبتت فشلها وثبت فشل قياداتها وعقم تفكيرهم إلى خيال أكثر رحابة، حيث جعلت الأيدولوجيات السياسية بكل تحيزاتها الإسلامية واليسارية والليبرالية حركة الطلاب بطيئة وقيدت إبداعهم ووضعتهم في مقابل بعضهم بعضا وفي مقابل معركة انتهت جولتها قبلا بهزيمة محزنة ومهينة شلالات من الدماء.

 

كما حدث عند طلاب الإخوان؛ حشد الطلاب اليسار أنفسهم في معارك جانبية تافهة واشتبكوا في معارك تخص تنظيماتهم الهشة النخبوية، ثم فيما بعد وبدلا من أن يساعدوا على إعادة حشد الحراك الطلابي على مطالب وحقوق متفق عليها مثل الإفراج عن المعتقلين أصروا على انتماءاتهم الضيقة وأفكارهم العقيمة

لقد كان على الحركة الطلابية أن تنتبه لهذا الأمر مبكرا منذ "حملة الجامعة"، حين انتقلت ثورة يناير من الشارع إلى حرم الجامعة لتطهيرها من العمداء والوكلاء الذين كانوا متصلين اتصالا مباشرا بالحزب الوطني المنحل، لكن الطلبة تباطؤا كثيرا وعرقلتهم خلافات بين كيانات طلابية كثيرة نشأت حينها بين كيان "مندوبي الدفعات" وكيان "الاتحاد الطلابي الحر" وكيان "الائتلاف الثوري الحر" وقد كنت عضوا فكل تلك الكيانات، وبين طلبة الاتحاد الرسمي القديم والذين كانوا مستفيدين بشكل أو بأخر بالتسهيلات والامتيازات التي وفرتها لهم الجامعة ولجنة الشباب بالحزب الوطني قبل الثورة، كما أن كثير من الطلبة الفاعلة والنشطة تكاسلت في خوض تلك المعركة مع قيادات الحزب الوطني بالجامعة بسبب مكانة الدكتور والذي لا يخضع لأي مساءلة من أي نوع اللهم إلا نسبة النجاح ومناهج التدريس في أقسام الجامعة، فكان هناك تخوفات من الطلبة على مستقبلهم الدراسي أو تعرضهم للفصل أو العقوبات.

 

كذلك كان هناك تخوفات متفهمة لكن غير مبررة من طلاب اليسار والحركات السياسية من طلاب الاخوان، أن يسيطروا على الاتحاد وعلى منابر التأثير على الطلبة رغم أن قائمة طلبة الاخوان لم يحالفها النجاح في انتخابات الاتحادات الطلابية بجميع الجامعات تقريبا ماعدا جامعة الازهر لأسباب أخرى كثيرة.

 

فالطلبة نفسهم كانوا يروا طلاب الإخوان مجرد طلبة وزملاء غريبي الأطوار لا يحيون حياة عادية، كما أن إرثا من التشويه الاعلامي والتخوفات أثرت على نظرة الطلاب لطلبة الإخوان، أما في جامعات المدن مثل جامعة القاهرة والاسكندرية وعين شمس كان نسبة كبيرة من طلبة الاخوان قد اتوا من الأقاليم، فشكل ذلك حاجزا ثقافيا نوعا ما بين طلبة الاخوان وباقي الطلبة.

 

كما أن اختلافات في الثقافة والسمت والأزياء (عدم الاختلاط بين الشباب والبنات مثالا صارخا) شكل حواجز بين طلبة الاخوان وباقي الطلبة. وكما حدث عند طلاب الاخوان فكذلك طلاب اليسار قد حشدوا أنفسهم في معارك جانبية تافهة واشتبكوا في معارك تخص تنظيماتهم الهشة النخبوية، ثم فيما بعد وبدلا من أن يساعدوا على إعادة حشد الحراك الطلابي على مطالب وحقوق متفق عليها مثل الافراج عن المعتقلين والملف الحقوقي والانتهاكات بالسجون مثلما حدث بعد القبض على بنات "7 الصبح" بالإسكندرية، أصروا على انتماءاتهم الضيقة وأفكارهم العقيمة.

 

كان يمكن لذلك الحراك الطلابي أن يُستثمر وينمو ويفتح أفاق لحراك سياسي جديد مثلما كان وقوده من قبل ودائما، لكن الاصرار على الانتماء التنظيمي وعلى معركة خاسرة مسبقا ساعد في خمد الحراك الطلابي. فهل هناك أفاق جديدة للحراك الطلابي؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.