شعار قسم مدونات

الديمقراطية العسكرية الجميلة

blogs-mauritania
في الوقت الذي يتظاهر فيه سكان مدينة النعمة عاصمة الحوض الشرقي بموريتانيا، يعلن الجنرال صرف المليارات من أجل استفتاء لا أهمية له، ما دام صوت الشعب غير مهم وتصويت أغلبيته في مجلس الشيوخ ضد التعديلات الدستورية التي أزعجت الجنرال كثيرا وأخرجته عن صمته وعاد للعادة العسكرية "أنا أولا قبل كل شيء".

خرج جنرالنا المعظم علينا بحوار تلفزيوني يعكس شخصية الرجل وحدته، وبدى فارغ الصبر يلقن الصحفيين دروسا في التأدب في حضرة السلطان وعدم الزج بالأسئلة غير المحببة، وويل لمن يغضب الجنرال أو يفكر في مخالفته. البداية كانت مبشرة جدا حين أعلن الرجل صراحة أنه لن يسمح لأغلبية صوتية مهما كانت أن تقرر مصير أربعة ملايين من شعبه، وأنه هو المخول بكل الصلاحيات وصاحب كل القرارات؛ فإليه يرجع الأمر كله في الأخير.

 

لا أمان في موريتانيا هذه إلا لمن آمن بالعسكر ووالاهم وانحاز اليهم، عله ينال من الكعكة نصيب، وبالقطع لن يكون كبيرا كنصيب الجنرال!

وهو طبعا أدرى بمصلحة شعبه من الشعب نفسه! بدا الجنرال غاضبا نادما على المساحة القليلة من الحرية التي أتاحها للشعب ولمجلس الشيوخ، وأكد ذالك صراحة بقوله "لقد كان تصويت مجلس الشيوخ مفاجئا لنا جدا"، ولم يكن يتوقع أن يخرج الشيوخ عن طوع زعيمهم؟ ثم واصل الجنرال وعيده ونظرياته التي لا تقل تفاهة عن نظرية زعماء العسكرية، والتي كتب على شعوبنا العربية أن تتلقاها صامتة  وتضحك وقتها من سخافة الحديث ليبكيها فعل الجنرالات كثيرا.

بعد ساعة من تلقي الدروس الديمقراطية والمواعظ العسكرية ما بين العواطف التي لا تحكم بها الدول والراديكالية التي جهلها الجنرال فسماها تطرفا، والأغلبية التي لا يحق لها أن تقرر مصير أمة ما دام زعيم الأمة جاثما على صدور الأمة، إلى أن أنطقه الله وجاء سؤال عن انتشال الصحافة الموريتانية من الوضع الذي هي فيه؟ فبهت الجنرال من كلمة انتشال التي بدى لأول مرة يسمعها ولم يفهم معناها.

وكيف له أن يفهم؟ وقد أعاد البلاد ستين سنة إلى الوراء ويريد أن يزيد، وجن جنون الرئيس الجنرال لمجرد أن استخدم شيوخ موريتانيا حقهم دستوري وخالفوه في أمر كان يخطط له؛ فأقام الدنيا ولم يقعدها وانتفض في وجه الجميع وقالها صراحة "أنا رئيس البلاد والأمر لي أولا وأخيرا" فجمع السلطة في يديه وتوعد كل من يحيد عن الطريق بسوء العقاب.

هكذا هي موريتانيا المعسكرة والمحاصرة بالدبابة والتي تعيش منذ 1979 تحت تهديد السلاح، ينهك جسدها الفقر وينخر عظامها الأمية ويترحم شبابها على فرص العمل فيها ويهجرونها يوما بعد يوم، تلك هي شنقيط التي كانت تلقب بمكة العرب، تتصدر دول العالم في رداءة التعليم وهشاشة البنى التحتية.

بدا الجنرال غاضبا نادما على المساحة القليلة من الحرية التي أتاحها للشعب ولمجلس الشيوخ، وأكد ذالك صراحة بقوله "لقد كان تصويت مجلس الشيوخ مفاجئا جدا لنا"!

أما عن الصرف الصحي فلم يكن موجودا حتى نتحدث عنه! هي موريتانيا حين تنهب الثروات وتسرق الخيرات وتتواصل الانقلابات، لا مكان فيها للرياضة، ولا فن يعيش، أما المسرح فيحتكره الجنرال وحاشيته ويلعبون جميع الأدوار فتفشل البلاد، وينجحون في مخططاتهم.

لا أمان في موريتانيا هذه إلا لمن آمن بالعسكر ووالاهم وانحاز اليهم، عله ينال من الكعكة نصيب، ولن يكون كبيرا قطعا كنصيب الجنرال، كانت بلد المليون شاعر فاختاروا لها أن تصبح بلد الانقلابات، حيث لا يريدون لها إلا أن تتصدر في البطالة والفقر والأمية وهشاشة التعليم وتنقلب على الحياة الحديثة والمعاصرة فلا مكان لموريتانيا النامية والمتقدمة.

ألم يقل الجنرال في حديثه الطريف أن لا مكان للسياحة فيها، لأنها بلد مسلم ليس به ما يجذب السياح؟ هذا هو المنطق الذي تحكم به؟ منطق الانقلاب في كل شيء وعلى كل شيء، فإلى متى ستظل موريتانيا متخلفة ومعسكرة؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.