شعار قسم مدونات

حرب ترمب على المسلمين لا تخفيها الدعاية

blogs - الموصل

المذبحة مستمرة. ولا يبدو أنّها ستنتهي قريباً. وبعد كل مذبحة يرتكبها ما يُسمّى "التحالف الدولي" ضدّ مدنيّين في العراق وسوريا، قد تتكرّر كلّ أو بعض فقرات مسلسل دعائي مألوف حدّ الكآبة: الإنكار، تحميل الطرف الآخر المسؤوليّة، التذرّع بأنّ ذلك الطرف تعمّد الاختباء في مناطق آهلة بالسكّان، أو أنّه اتّخذهم دروعاً بشريّة، الإيحاء بأنّ عضو التحالف الذي قصف الأبرياء حصل على معلومات "غير دقيقة" بشأن مكانهم من عضو آخر في التحالف، إبداء "الأسف" على حدوث "خسائر بشريّة" مع التشديد على أنّها "غير متعمّدة"، وليست سوى "ضريبة" مفهومة للحرب على "الإرهاب"، ثمّ وصفها بكلمات توحي بأنّها ليست من صنع البشر مثل: "مأساة" أو "كارثة"، وفي النهاية، اعتراف خجول بحدوث "خطأ"، ووعد بتقصّي الحقائق، ثم يُسدل السّتار على المجزرة.

السيناريو نفسه حدث في 17 آذار (مارس) الماضي إثر فصل آخر من "أخطاء" التحالف شهدته مدينة الموصل العراقية، لكنّه كان مختلفاً من حيث فظاعته ودمويّته. صحيفة "الغارديان" قالت إنّه "ربّما يكون واحداً من أكثر غارات قصف المدنيّين فتكاً منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003" (25 آذار/مارس). مئات المدنيين في حي "موصل الجديدة" غرب المدينة (جلّهم من العرب السنّة) قتلهم قصف أميركي وهم في بيوتهم. تمكّن المنقذون من انتشال 500 جثّة، لكنّ ألفَيْ مواطن ما زالوا تحت الأنقاض.

أكثر القتلى نساء وأطفال بحسب وكالة "رووداو" الكردية. ضابط في القوات الخاصة التابعة للنظام العراقي، طلب عدم الكشف عن اسمه، أبلغ صحيفة "النيويورك تايمز" أنّ ثمّة "تخفيفاً ملحوظاً لقواعد اشتباك التحالف منذ وصول الرئيس ترمب للسلطة". كريس وودز، مدير مجموعة "أيروورز" (موقع متخصص في رصد الضحايا المدنيّين في سوريا والعراق وليبيا) أبلغ الصحيفة أنّ قصف "الجديدة" تسبّب في "أسوأ رقم ضحايا لحادث (ضربة جوّيّة) واحدة أستطيع تذكّرها خلال عقود" مضيفاً، "ادّعاء التحالف أنّه لا يتعمّد قصف غير المقاتلين تتراجع أهميّته عندما يتعرّض مدنيّون كثيرون جداً للقتل في غرب الموصل" (24 آذار/مارس).

ثمّة كراهية عظيمة تجاه الأميركيين تحملها قطاعات عريضة من المسلمين. 25% منهم يوافقون على أنّ العنف ضدّ الأميركيين هنا في أميركا مبرَّر. الشريعة تُجيز قتل غير المسلمين، وقطع الرؤوس.

مارتن شولوف، المراسل الخارجي لصحيفة "الغارديان"، روى كيف قضى عشرات الضحايا نحبهم بألم وبطء: "كان أطفال الموصل يصرخون من تحت الركام، ولم يأت أحد…عندما وصل المنقذون أخيراً، لم يكن هناك أحد من الأحياء". على مدى أسبوع تقريباً، يضيف شولوف، نبّش الجيران خلال الركام بحثاً عن ناجين. المنقذون أتوا عبر السيارات من بغداد (250 ميلاً من منطقة المجزرة)، لكنّهم لم يتمكّنوا من دخولها إلا بعد 5 أيام من الاعتداء. انتشل الجيران، بحسب شولوف، 80 جثّة من بيت واحد فقط (كان الضحايا قد تجمّعوا بالعشرات في عدد من البيوت خشية القصف). التدمير كان هائلاً لأنّ الهجوم كان "قاسياً ومرعباً" (25 آذار/مارس).

صموئيل أوكفورد، من موقع "أيروورز"، أشار إلى ارتفاع عدد الضحايا المدنيّين في عهد ترمب الذي لم يعِد خلال حملته الانتخابيّة باستئصال تنظيم داعش فحسب، بل وعد أيضاً بقتل عائلاتهم، زاعماً في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 أنّهم يستخدمونهم دروعاً، مضيفاً، "لكنّنا نخوض حرباً صحيحة جداً من الناحية السياسيّة، والشيء الآخر الذي مع الإرهابيين، يجب علينا أن نستأصل عائلاتهم".

محلّل صحيفة "الغارديان"، سيمون تيسدال، لاحظ أيضاً أنّ عدد الضحايا من المدنيّين في العراق وسوريا ازداد بحدّة منذ استلام ترمب مَهَمَّة ما يُسمّى "الحرب على الإرهاب" ناقلاً عن "المرصد السوري لحقوق الإنسان" قوله إنّ طائرات أميركية قصفت في 16 آذار (مارس) مسجد عمر بن الخطاب بالقرب من مدينة الأتارب بريف حلب، ما أدّى إلى مقتل 49 شخصاً وهم يصلّون العشاء. في 21 آذار (مارس) قتلت غارة أميركية أخرى 30 سوريّاً كانوا لاجئين إلى مدرسة بمنطقة المنصورة بمحافظة الرقّة. انتقد تيسدال المعيار المزدوج تجاه العدوان على كلّ من مدينتَيْ حلب والموصل قائلاً إنّ القادة الغربيين الذين شجبوا القصف الروسي المدمّر لحلب يسكتون الآن عن قتل التحالف للمدنيّين في الموصل (25 آذار/مارس).

الصحافي الأميركي، غلين غرينوولد، اتّهم في موقع "إنترسبت" الرئيس ترمب باتّباع سياسة "الذبح العشوائي للنّاس الأبرياء باسم القضاء على الإرهابيين" منذ بدء رئاسته، مضيفاً أنّ حرب ترمب على "الإرهاب" تحوّلت بسرعة إلى حرب "همجيّة ووحشيّة كما وعد" (في الحقيقة، استهلّ ترمب عهده بمجزرة في اليمن حيث شنّت طائرات أميركية في أواخر كانون الثاني (يناير) هجوماً على محافظة البيضاء أسفر عن مقتل 41 شخصاً، قالت واشنطن إنهم من "القاعدة"، بينما ذكرت "رويترز" أنّ من بينهم 10 نساء، و 3 أطفال، منهم الطفلة أنوار العولقي (8 سنوات) التي سبق أن قتلت غارة أميركية والدها في عهد أوباما عام 2011).

هذا هو، في الواقع، ما صنع الأصوليّون الغربيّون المسيحيّون بالإسلام- اختطفوه، ثم أعادوا تشكيله ليصبح انعكاساً لصورتهم. السبب هو الرغبة في عدوّ ما ذي شأن يستحقّ القتال.

انتقد غرينوولد ضآلة اهتمام الصحافة الأميركية بهذا التصاعد المستمر في عنف ترمب، والمصحوب بنشره 500 جندي على الأرض في سوريا، فضلاً عن الجنود الذين نشرهم أوباما. السبب، في نظر غرينوولد، هو "اللامبالاة المعتادة في الخطاب الأميركي تجاه المدنيّين الذين تقتلهم الولايات المتّحدة بالمقارنة مع اللغة التي تُستخدم عندما يقتل أعداؤها الناس" (مثلاً، نشرت صحيفة لوس أنجلس تايمز (15 كانون الأول/ديسمبر 2016) افتتاحيّة بعنوان: "العنف في حلب وصمة على ضمير العالم، وسوف تمرّ على الأرجح من دون عقاب"، بينما قال عنوان للنيويورك تايمز (25 آذار/مارس 2017) عن مجزرة الموصل: "التحالف الذين تقوده الولايات المتحدة يؤكّد ضربات أصابت موقعاً في الموصل مات فيه مدنيّون"). "القتل الأهوج"، يضيف غرينوولد، الذي يرتكبه ترمب ضدّ المدنيّين في سوريا والعراق واليمن، "همجي، غير أخلاقي، وإجرامي، وهو أيضاً، ويا للسخرية، سيقوّي على الأرجح الدعم لهذه الجماعات -داعش والقاعدة-التي يدّعي أنّه يريد هزيمتها" (28 آذار/مارس).

لم يأت ترمب بجديد في المقاربة الأميركية لأزمات المنطقة. لقد "ضاعف" فقط سياسة القتل الجماعي باسم "الحرب على الإرهاب" التي لم تنقطع في عهد سلفيْه، بوش وأوباما، موسّعاً قاعدةً درجت عليها السياسة الأميركية الخارجية خلال الـ 16 عاماً الماضية، وهي "الحقّ في قصف أي بلد في العالم يُوجد فيه من تعدّهم إرهابيّين" بجسب تعبير غرينوولد. لكنّ ترمب يحمل أجندة أكثر وضوحاً في معاداة الإسلام (السّني طبعاً)، وهو ما عبّر عنه في حملته الانتخابية عندما قال، "ثمّة كراهية عظيمة تجاه الأميركيين تحملها قطاعات عريضة من المسلمين. 25% منهم يوافقون على أنّ العنف ضدّ الأميركيين هنا في أميركا مبرَّر. الشريعة تُجيز قتل غير المسلمين، وقطع الرؤوس".

وفي خطاب تنصيبه، حدّد ترمب "الإرهاب الإسلامي المتشدّد" بوصفه العدوّ الوحيد للولايات المتحدة، ولم يذكر روسيا ولا الصين. قال: "سوف نعزّز تحالفات قديمة، ونشكّل تحالفات جديدة، ونوحّد العالم الحر ضدّ الإرهاب الإسلاميّ المتشدّد الذي سنجتثّه من وجه الأرض". عبارة "الإرهاب الإسلاميّ المتشدّد" توحي أنّ الإرهاب نابع من الإسلام نفسه، وليس نتيجةً لاحتلالات ودكتاتوريات، وهي رواية استشراقية روّجها برنارد لويس وزملاؤه مؤدّاها أنّ الإسلام استبدادي بطبيعته، وأنّ العنف كامن في تفاصيله وتاريخه (لهذا السبب، قاطع الرئيس التركي، أردوغان، المستشارة الألمانية، ميركل، عندما تحدّثت عن "الإرهاب الإسلامي" خلال زيارتها لتركيا مطلع شباط (فبراير) قائلاً: "أرجو عدم استخدام هذه العبارة، ولا يمكنني، بصفتي رئيس جمهورية مسلم، أن أقبل بها أبداً"). ترمب أيضاً استخدم في خطاب تنصيبه تعبيراً دينيّاً عندما قال إنّ بلاده ستحظى "بالحماية من الله" في حربها على "الإرهاب الإسلامي"، الأمر الذي يعني أنّ "الله معنا" لا "معهم"، وهو من مصطلحات الحملات الصلبيبّة.

من المثير للسخرية أنّه بينما تنشط مقاومة لتسلّط ترمب وعنصريّته داخل الولايات المتحدة، يرفع معلّقون في دول خليجيّة أصواتهم تأييداً له، بل يحرّضونه على شنّ حملات عسكريّة لضرب حركات إسلاميّة في منطقتنا.

واهمٌ من يظنّ أنّ الرؤساء الأميركيين علمانيّون أو لا دينيّون. الرؤساء الذين عرفهم جيلنا على الأقل أصوليّون مسيحيّون وآخرهم دونلد ترمب. الصحافي والروائي الأميركي، أندريه فتشيك، انتقد "صليبيّي العصر الحديث، قادة الإمبراطورية " الذين "لا يفكرون حتى مرّتين فيمن يقاتلون، ويستطيعون قيادة صراعات عدّة في آن؛ لأن حروب اليوم آمنة تماماً لهم، حروب تشبه ألعاب الفيديو. فقط أولئك الذين "يُستهدفون" يتعرّضون لخطر كبير".

هؤلاء الأصوليّون حولوا أنفسهم إلى "أرباب"، فضلاً عن اعتقادهم بأنهم "جنس مختار، وثقافة مختارة، ودين مختار"، وأصحاب حق "منحوه لأنفسهم في حكم ومعاقبة الآخرين، أولئك الذين يريدون أن يؤمنوا بشيء ما آخر، وأن يعيشوا حيواتهم كما يختارون". نحن الآن "نسمع شعاراتهم الدعائيّة الجوفاء، وأكاذيب تمجيدهم لذواتهم" فكأنّما أصبحوا مثل "أولئك الوعّاظ والقساوسة في العصور البائدة: ساديّين غير أنّهم مرعوبون على الدوام، متوحّشين ومرتابين". ثم يخاطب فتشيك الرئيس السابق أوباما على هذا النحو: "مؤسف أنّنا لن نلتقي قط؛ أنني لن أحظى بفرصة أُريك فيها ما تصنع "قنابلك الذكيّة" قرب الموصل في العراق، أو أُريك الجرائم التي ترتكبها "داعش" المموّلة والمدرّبة من النيتو في طول الشرق الأوسط وعرضه.. لكنّك، واعذرني لقول هذا، أصولي، غربي مسيحي يؤمن بالتفوق العنصري، كما كان كل أسلافك. والأصولي له جلد سميك، ولذا فهو غير قادر على الإحساس بالرحمة.

الأصولي يفرض حتماً إرادته وقناعاته على الآخرين. ربما يرتاب في أمر، ربما حتى "يعرف"، لكنه عاجز أن يحوّل معرفته إلى احترام وتأييد للأشخاص الآخرين وللآراء الأخرى". ويصل فتشيك إلى هذه الخاتمة: "هذا هو، في الواقع، ما صنع الأصوليّون الغربيّون المسيحيّون بالإسلام- اختطفوه، ثم أعادوا تشكيله ليصبح انعكاساً لصورتهم. السبب هو الرغبة في عدوّ ما ذي شأن يستحقّ القتال، والحصول على تبرير ما لألعاب الحروب هذه…الأصولي يمكن أن يصبح ماكينة للقتل إن لم يُردع" (موقع كاونتر بنش، 25-23 كانون الثاني/يناير 2015).

يوم أمس قالت صحيفة "الإندبندنت" إنّ ترمب "خفّف القواعد التي كانت تُستخدم لمنع الضحايا المدنيّين بسبب الضربات الجويّة الأميركيّة في الصومال"، وهو ما صاغه موقع "الديلي بيست" في هذا التأطير: "ترمب يعلن الصومال منطقة حرب" (30 آذار/مارس). إنّ حرب ترمب في سوريا والعراق واليمن وليبيا والصومال (وربما أفغانستان وباكستان) هي حرب مدفوعة بالجهل والقولبة والكراهية، حرب محميّة بآلة عسكرية ضاربة وماكينة دعاية ضخمة، لكنّها، بالرغم من ذلك، مكشوفة ومحتقرة على نطاق واسع كونيّاً، فلا يمكن ممارسة فظاعات واسعة النطاق ضد مدنيّين أبرياء باسم الحرب على الإرهاب. ومن المثير للسخرية أنّه بينما تنشط مقاومة لتسلّط ترمب وعنصريّته داخل الولايات المتحدة، يرفع معلّقون في دول خليجيّة أصواتهم تأييداً له، بل يحرّضونه على شنّ حملات عسكريّة لضرب حركات إسلاميّة في منطقتنا، وتحويلها إلى حمّام دم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.