شعار قسم مدونات

على نفسها جنت بَرَاقش

blogs - ترمب في اجتماع
عندما يتناول المحللون السياسيون الأميركيون الضربة العسكرية التي أمر بها الرئيس الأميركي دونالد ترمب ضد النظام السوري، يقولون إنها عملية عسكرية وحيدة، الهدف منها ليس فقط معاقبة الرئيس السوري لاستخدامه الأسلحة الكيميائية ضد شعبه، بل أيضاً توجيه رسائل سياسية إلى الكل بأن السيد ترمب لا يمزح، وهو يقول ويفعل، وليس كسلفه بارك أوباما. أمّا أولويات أميركا فهي القضاء على تنظيم الدولة، وليس رحيل بشار الأسد.

ربما يكون هذا صحيحاً جزئياً. لكني أعتقدُ أنّ رحيل الأسد أصبح مسألة وقت. وأنّ كل شيء كان مخططاً له منذ البداية. وبدقة شديدة. حتى من قبل أن يأتي الرئيس الأميركي الحالي إلى السلطة.
كلنا بات يعرفُ أن السيد دونالد ترمب شخصية شعوبية، ولا يخفى على أحد مدى كرهه للإسلام والمسلمين. ومدى تأييده للصهيونية. وهو رجل يؤمن بمبدأ القوة. وأن شعار "أميركا أولاً" هو شعار موجه للعالم أجمع، وليس فقط إلى الداخل الأميركي. ولمّا يكن من قبيل الصدفة أن يكون أول قرار يوقعه الرئيس الأميركي هو قرار حظر السفر على سبع دول إسلامية.

المخطط القديم الجديد لتفتيت العالم العربي والإسلامي إلى دويلات، هو من أهم أولويات الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترمب. فلا يغرّنك أنه فرّق في المعاملة بين الدول الإسلامية.

ورغم أنّ فوز ترمب في الانتخابات الأميركية، كان بتدخل واضح من روسيا، ورغم أن رئيسها بوتن كان يمني نفسه بعودة الحلم السوفيتي من جديد، لكن يبدو أنه راهن على فرسٍ خاسرة، وأن ترمب كان يخطط لغير ذلك. كانت الخطة تقضي بمهادنة الروس، حتى يتولى ترمب الرئاسة، وفي نفس الوقت، كان يتم استدراج الدكتاتور الساذج، لكي يقع في المصيدة. فقد كان السيد ترمب يصرّح دائماً، حتى من قبل فوزه، بأن رحيل الأسد ليس من أولويات حكومته الجديدة، بل كان يعتبره حليفاً، تماماً كما يعتبر السيسي حليفاً، يمكن العمل معه للقضاء على الإرهاب! (يا لهم من حلفاء).

ثم تبدّل فجأة، وقال إنه قد أثرت فيه صور الأطفال الذين قضوا نحبهم بالغاز السام. وكأنّ السيد ترمب لم يكن قد سمع من قبل بأن الرئيس بشار الأسد، هو دكتاتور يقتل شعبه، أو أنها لم تكن المرة الأولى التي يستخدم فيها السلاح الكيميائي ضد شعبه. لا أظن حتى أنّ شخصاً بعقل قرد متوسط الذكاء يمكن أن يصدق هذه الأكاذيب.

في الحقيقة كان السيد ترمب يخطط لإقصاء الأسد منذ البداية. بيد أنّ الثمنَ لن يكون بخساً، وليس حمايةً للشعب السوري بطبيعة الحال. فهو في رأيي يريد تقسيم سوريا إلى دويلات ثلاثٍ، أو ربما أكثر: دويلة كردية، ودويلة سنيّة، وثالثة لمؤيدي النظام، لكن ليس برئاسة بشار؛ بل واحدٍ من أعنوانه على الأرجح. وهذه الدويلة الثالة مهمة جداً لاسترضاء روسيا. فلا أظن أن السيد ترمب يسعى للدخول في مواجهة معها.. في الوقت الراهن على الأقل.

آن لبشار الأسد أن يعدّ أيامه الأخيرة. وأن يرحل بلا رجعة. هو جنى على نفسه بنفسه. كان من الممكن أن يستغل دعم الدول الكبرى له، وأن يبقى في السلطة

ربما ترى -عزيزي القارئ- أن هذا السيناريو مبالغ فيه. لكني أؤمن تماماً أن هذا ما سيحدث؛ وأنّ المخطط القديم الجديد لتفتيت العالم العربي والإسلامي إلى دويلات، هو من أهم أولويات الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترمب. فلا يغرّنك أنه فرّق في المعاملة بين الدول الإسلامية، فعرّف بعضها وأعرض عن بعض. هو في الواقع يريد أن يطبّق نظرية الثيران الثلاثة؛ فتعينه بعض الدول للقضاء على الثور الأسود (إيران)، ثم يقضي على بقية الثيران واحداً تلو الآخر؛ على أنّي أعتقد أن على الدول العربية أنْ تواصل سياستها الحازمة تجاه إيران.. حتى تفيء إلى أمر الله.

أما بَرَاقش.. أقصدُ بشار الأسد، فقد آن له أن يعدّ أيامه الأخيرة. وأن يرحل بلا رجعة. هو جنى على نفسه بنفسه. كان من الممكن أن يستغل دعم الدول الكبرى له، وأن يبقى في السلطة، لكن أبت نفسه المريضة، وتلك الضغينة العجيبة التي يحملها تجاه شعبه، وخضوعه لأطماع إيران، إلاّ أن تقوده إلى حتفه. فسقط بسذاجة في المصيدة؛ تماماً كما سقط صّدام من قبله، وبنفس الطريقة. فأصدر الرئيس ترمب حكماً بذبح الديك، كما قال نزار قباني:
حين الحاكمُ سمعَ القصةَ
أصدر أمرا للسياف بذبح الديك
قال بصوت الغاضب :
كيف تجرّأ ديكٌ من أولاد الحارة
أن ينتزع السلطة مني
كيف تجرأ هذا الديك ؟؟
وأنا الواحد دون شريك

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.