شعار قسم مدونات

أوراق ترمب في سوريا.. هل تنجح الصفقة؟

blogs - ترمب مع الناتو
تعد كيفية مواجهة التدهور الواضح في سوريا طيلة الأعوام الستة الماضية، من أهم وأكثر قضايا السياسة الخارجية إلحاحاً وتعقيداً أمام إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي صرّح خلال حملته الانتخابية بأنه سيولي الأزمة السورية اهتماماً أكبر، مصحوبا برغبة حاسمة للقضاء على التطرف الذي ازدهر في فوضى الحرب الأهلية والذي يهدد أمريكا.

واللافت للنظر أنه في أول تصريحات لترمب حول سوريا عقب انتخابه رئيساً للولايات المتحدة، أعلن أن لديه تصورات مغايرة للوضع في سوريا، والتي تشير إلى هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية كضرورة استراتيجية في سياق تسوية الأوضاع في سوريا، مع عدم إيلاء الإطاحة بنظام الأسد الأولوية القصوى في تلك الخطة، في إشارة إلى إعادة ترتيب الأولويات الأميركية التي كانت معهودة في إدارة باراك أوباما؛ إذ إن التقديرات الأميركية التي يتم إعلانها الآن تؤكد حدوث مزيد من التدهور الأمني في سوريا، والتي كان السبب المباشر لها هو التركيز على إيجاد جماعات معارضة مسلحة لدعم الحرب في سوريا.

كان هذا الموقف هو الغالب على الرؤية الأميركية حتى الآونة الأخيرة، أي قبل إقدام النظام السوري على قصف خان شيخون بالقنابل الكيماوية، والتي قلبت المعادلة، مع إطلاق ترمب تفويضا بضربة عسكرية في سوريا، لتأديب النظام السوري على الحادثة تلك.

صعود إيران يمثل باعثاً حقيقياً للقلق لدى الدول الخليجية، في ظل مخاوف منشؤها استمرار السياسة العدائية الإيرانية تجاه دول المنطقة، وإن التواصل معها سوف يزعزع الشركاء.

إن من أهم المضامين التي احتوتها رؤية ترمب في سوريا، هي توسيع استخدام قوات العمليات الأميركية الخاصة، وزيادة عدد العسكريين الأميركيين في المنطقة، وكذلك منح البنتاغون صلاحيات إضافية لتسريع عملية صناعة القرارات الميدانية اللازمة للموقف، يضاف إلى ذلك، تنفيذ الوعود التي قطعها ترمب بإقامة مناطق أمنية عازلة في سوريا، وهي المناطق التي طالما دعت إليها تركيا. وفي هذا الصدد قد يُثار لنا تساؤل حول الأسس المنطقية وراء رفض واشنطن لرؤية تركيا للمنطقة العازلة، وعلى ما يبدو فإن محور القضية كان مرتبطاً بالمديات الزمنية التي يمكن بموجبها تقييم الوضع الإستراتيجي بناءً على مستجدات الموقف الميداني في سوريا، إذا ما افترضنا أهمية العنصر الكردي في سياق الرؤية الأميركية لأي حل يمكن بلورته في سوريا لاحقاً.

وإذا كان البديهي أن تتطلب أي منطقة أمنية في سوريا، تضمنها الولايات المتحدة الأميركية، درجة من درجات الحماية العسكرية تشرف عليها القوات الأميركية بصورة شبه كاملة، فإن إدارة ترمب اقترحت مشاركة تركيا وروسيا في تأمين تنفيذ مثل هذه المناطق، على أن يتم رسم حدود هذه المناطق الأمنية من قبل تلك القوى.

ولذا فإن إدارة ترمب ستجد أنه من المتعذر عليها أن تُسقط من حساباتها الارتدادات الاستراتيجية لتصادم المواقف مع موسكو وإيران بشأن سوريا، ولكنها في الوقت نفسه ستواجه قضية مهمة جداً مفادها كيفية عقد صفقة تحظى بقبول الأطراف الإقليمية الأخرى، مثل: تركيا والمملكة العربية السعودية ودول الخليج، وهي كلها منخرطة في الصراع السوري.

إن صعود إيران يمثل باعثاً حقيقياً للقلق لدى الدول الخليجية، في ظل مخاوف منشؤها استمرار السياسة العدائية الإيرانية تجاه دول المنطقة، وإن التواصل معها سوف يزعزع هؤلاء الشركاء، وبالتالي يتطلب من إدارة ترمب بذل جهود كبيرة في معالجة مخاوف كل تلك الأطراف، ولسوف تكون واشنطن مجبرة في وقت ما إلى السير في دائرة تغلفها التناقضات، فالوصول إلى تلك النتيجة سوف يدفع واشنطن إلى تكييف سياستها الأمنية، وهو ما لم يكن مقبولا ضمن مبادئ الاستراتيجية الأميركية في فترات سابقة.

إسرائيل تراقب عن كثب مجريات الحرب في سوريا، وتشعر أنها ليست بمعزل عن نيرانها، في ظل تنامي التهديدات الجيوسياسية للأزمة.

جوهر المسألة إذاً هو إيجاد تدابير ناجعة للحد من درجة الغموض الإستراتيجي الذي يكتنف رؤية الرئيس ترمب حول سوريا، وإن تحقيقها يتطلب دبلوماسية ذكية للاستجابة للمخاوف المتعددة، فمن جهة سوف تستفيد الولايات المتحدة من كل تلك الأطراف في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وهو الهدف الأكثر إلحاحاً بحسب المقولة الأميركية، ويوجد في واشنطن من يفكّر بهذه العقلية على نحو جاد.

وهناك متغير آخر لا يقل أهمية، وهو موقف تركيا في سياق الرؤية التي أعلنها ترمب بشأن سوريا، فالأتراك لديهم حساسيات بالغة التعقيد مما يجري في سوريا، وينظرون بعين الريبة والشك، إلى المعالجات الأميركية متعددة الأطراف في سوريا، سيما تأسيس منطقة عازلة في شمال سوريا.

بالنسبة لتركيا، هناك معادلة واضحة، فتعزيز العلاقات الأميركية مع الأكراد هو نذير خطر حقيقي يهدد الأمن القومي، وهو أداة للاستغلال ضد تركيا، وقد سبق للأتراك تبني أكثر الخيارات مبادرة في سياق حماية وحدة الجغرافيا التركية وبدعم من الولايات المتحدة نفسها.

ولذلك تبدو المهمة الأميركية شاقة جداً، في ظل توافر بيئة أمنية متعددة الأطراف ومتناقضة من حيث المصالح والسياسات، ويستلزم مثل هذا الموقف إدارة تتحلى بالمرونة الإستراتيجية والتصميم على نحو فعال، فتركيا تعتبر عضواً مهماً في حلف الناتو ولديها دورها في دعم عمليات التحالف الأميركي ضد تنظيم الدولة الإسلامية، ويمكن الاعتماد عليها كعمق استراتيجي لإدارة العمليات العسكرية والأمنية في المنطقة، ولعل في إدارة مخاوفها بشأن التوسع الكردي في شمال سوريا سيكون له بالغ الأثر في ضمان وقوفها إلى جانب الولايات المتحدة.

لكن العكس من ذلك، يمثل مشكلة معقدة مع أنقرة، التي يمكنها الضغط في عملياتها العسكرية عبر تقديم أسلحة نوعية للمعارضة السورية بهدف تصعيد الموقف، وبإمكانها تقليص خدماتها اللوجستية وتسهيلات الوصول في قاعدة "إنجلرليك"، وربما تتجه إلى صياغة تفاهمات محددة مع موسكو، في ظل استعداد الساسة الأتراك للقبول بفكرة بقاء الأسد في السلطة.

ما زال يتوجب علينا الانتظار لنرى كيف يستطيع ترمب السير وفق رؤيته لصياغة صفقة بشأن سوريا، التي تتقاذفها التعرجات في المصالح والأهواء.

يترافق كل ذلك، مع وجود إسرائيل في المعادلة، والتي تعد طرفاً غائباً حاضراً في أي معالجات أمنية بشأن سوريا. إن إسرائيل تراقب عن كثب مجريات الحرب في سوريا، وتشعر أنها ليست بمعزل عن نيرانها، في ظل تنامي التهديدات الجيوسياسية للأزمة هناك، فقد أتيحت الفرصة لأعداء إسرائيل – إيران وحزب الله والإرهابيين – بتعزيز قدراتهم العسكرية النوعية، مما يجعل الأمن الإسرائيلي تحت خطر دائم. وطبقا للمقولات الإسرائيلية فإن إنشاء منطقة عازلة في سوريا تقودها الولايات المتحدة الأميركية يمكن أن يكون تجربة لدعم فكرة إقامة منطقة عازلة على الحدود السورية الإسرائيلية، لتوفير أكبر قدر ممكن من الأمن والاستقرار للجبهة الشمالية والحؤول دون تسلل الإرهاب إليها، وهو كفيل بمعالجة المخاوف الأمنية في إسرائيل.

خلاصة هذا التحليل تشير إلى أن القوات الأميركية التي تتوافد إلى سوريا قد تحدث تغييراً دراماتيكياً في سير العمليات في شمال سوريا، على أقل تقدير، ولكنها لن تحدث تطوراً جوهرياً باتجاه فرض تسوية سياسية من خلال الميدان بحيث تضمن حلاً قابلاً للبقاء في سوريا، فالمتوقع أن تضعف قدرات تنظيم الدولة والجماعات المسلحة تحت ضغط العمليات الأميركية، لكنه لا يعني امكانية حدوث انسحاب مبكر للقوات الأميركية، من المحتمل أن تحافظ الولايات المتحدة الأميركية على حضور عسكري دائم في سوريا، وليس من المستبعد أن تقدم الولايات المتحدة على إنشاء قاعدة عسكرية جديدة في تلك المنطقة، وهذا سوف يفيد الأميركيين في موازنة النفوذ الروسي في سوريا، وفي حماية إسرائيل، وفي احتواء إيران.

على أية حال ما زال يتوجب علينا الانتظار لنرى كيف يستطيع ترمب السير وفق رؤيته لصياغة صفقة بشأن سوريا، التي تتقاذفها التعرجات في المصالح والأهواء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.