شعار قسم مدونات

يوم تزدهر أفلامنا

Blogs - Movies
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية شهدت السينما أول ظهور للمدرسة الواقعية الجديدة التي تهدف إلى ربط الماضي بالحاضر بطابع شعبوي، حيث تبرز الأفلام المشاكل والرغبة الصادقة في النهوض التي تدل على وعي بامتلاك الحرية بعد كفاح دام عقود.

نجد أيضا في وقتنا مسلسل قيامة أرطغرل، وما حازه من رواج في أوساط المسلمين ومدى تأثرهم بأسلوبه الجديد، حيث صار بالإمكان ظهور أفلام مماثلة لمخرجين آخرين، أين يتم التركيز على المحتوى بالدرجة الأولى، وعدم الاكتفاء بالمبالغة في الدراما الفارغة والقصص الوهمية التي لا تزيد الشعوب إلا تقوقعا وسطحية في العلاقات والتفكير، ثم الاهتمام بدراسة المجال بشكل أعمق وبأداء الممثلين واستعمال تقنيات وجودة بمعايير عالمية، والمشاركة الواسعة في المسابقات والمهرجانات المعروفة والفوز ببعضها وبالتالي تحسن المستوى العام للأفلام العربية والإسلامية.


صحيح أن فكرة الفيلم و طريقة الأداء يتم التحكم فيها من طرف المخرج و ما على الممثل سوى تنفيذ الدور باحترافية دون أن يقتنع بالفكرة بالضرورة، لكن من أجل اكتمال حلقة التأثير، على الممثل أن يجسد تلك القيم على أرض الواقع فلا يلمس معجبوه أي تناقض بين مهنته وحياته الشخصية.

حين يصبح لنا أفلام تعبر عن مشاكلنا وحلها وتعكس الصورة الصحيحة عن المجتمع المسلم وتطلعاته من جهة، وتكون أعمال احترافية راقية فنيا وتقنيا من جهة أخرى فيصير لها دور كبير في التأثير و التوجيه وكسر الصور النمطية للعديد من الأشياء وتصحيح الكثير من المفاهيم، لا شك أنها ستلقى رواجا واسعا في العالم وليس فقط في أوساط المسلمين وكحال جميع المشاريع الضخمة الناجحة سيكون لهذا المشروع لوازم تتبعه يفرضها الواقع مع الوقت كظهور مجتمع نجومي، وهنا يطرح السؤال، هل سيصبح مجتمع النجوم عندنا كالذي هو عند الغرب وهل سنسمع عن موضات جديدة لبسها الفنان الفلاني أو تسريحة شعره وعلاقاته وهل سيُعبدون كما يعبد الممثلون والنجوم الغربيون الكبار اليوم؟


طبعا بغض النظر عما هو موجود حاليا في الساحة العربية من نجوم فأكثرهم لا يعكسون صورة شعوبهم وإن كان منهم من يفعل إلا أن الأمر ليس بتلك الضخامة واللّمعان، فالحديث هنا عن مجتمع نجومي كبير يكون للنجم فيه التأثير الواسع على العامة فيتابعهم المثقف والبسيط والملتزم والمنحرف والصغير والكبير ويكون لآرائهم وزن في مختلف الأمور أو بعبارة أخرى هم مجموعة من القدوات التي تسير خلفها شرائح واسعة من المجتمع من بينهم من لا تؤثر فيهم الكتب والمواعظ.


بالعودة إلى المجتمع النجومي الغربي نجد أن هناك هوة كبيرة بين ما يظهر به النجم الغربي في شاشة السينما أو على خشبة المسرح وبين حياته الحقيقية، إذ أن ما تراه الجماهير في الأفلام من مثاليات ومحاسن لبعض الممثلين الرائعين الذين كانوا السبب في إنجاح أفلام ذات قيم إنسانية سامية سرعان ما تصدم بحقائقهم في الأخبار ووسائل الإعلام و قد تطور الأمر إلى حد ظهور إعلام متخصص في فضائح الفنانين وزلاّتهم حتى أن كل من يريد دخول هذا العالم يخيل إليه أن الفضائح تعتبر معيارا لنجاحه و تفوقه، و من جهة أخرى ارتسمت عندنا صورة نمطية سلبية عن التمثيل خصوصا عند الملتزمين على أنّها مهنة سيّئة و أن الممثل شخص منحرف و سطحي.


لا يمكننا إنكار التأثير الإيجابي الواسع الذي أحدثه بعض الفنانين الغربيين الكبار أثناء تعاطفهم مع الفلسطينيين ضد حصار غزة أو الحرب على سوريا و دور ذلك في ترشيد الرأي العام الدولي حول المسلمين و قضاياهم، صحيح أن فكرة الفيلم و طريقة الأداء يتم التحكم فيها من طرف المخرج و ما على الممثل سوى تنفيذ الدور باحترافية دون أن يقتنع بالفكرة بالضرورة، لكن من أجل اكتمال حلقة التأثير، على الممثل أن يجسد تلك القيم على أرض الواقع فلا يلمس معجبوه أي تناقض بين مهنته وحياته الشخصية تماما مثل الكاتب الذي لا يجب أن يكون هناك تناقض بين ما يكتب وما يعمل.


ما يحتاج إليه عالم السينما اليوم، هو فنان رسالي مثقف مقتدر لا تهمه الأضواء رغم إحاطتها به، متوازن في حياته، مستقر في علاقاته ومواقفه ومستعد أن يضحي من أجل مبادئه، فيكون بذلك بمكانة الداعية والمجاهد الذي تصيب رصاصته الناعمة ما لا يصيب المدفع، فيوم نحصل على جيل من الفنانين يسعون إلى الفكرة لا الشهرة.. يومئذ تزدهر أفلامنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.