شعار قسم مدونات

رسالة إلى السيد مارك زوكربيرج

blogs - facebook
إلى السيد مارك زوكربيرج، لي اليقين أنك قبل أن تفتح هذه الرسالة، قامت أجهزتك الذكية قبل أيام بإخبارك أني سأكتب لك هذه الرسالة، وقد أخبرتك أيضا بكل شيء جمعته عني منذ أن انخرطت في عالمك الأزرق.

لقد قاست أجهزتك الذكية، في عمل متصل، حرارة هاتفي وهو يتنقل بين البرد والحر، بين السكون والفوضى، وعرفت دون عناء سبب تذبذب حرارته وهو ينتقل من مكان إلى مكان رغم أن موقعه الجغرافي ظل ثابتا على شاشات رداراتكم.

وعندما انقطع الإتصال بيني وبينك، كانت رقائقك تتابع صعودي وهبوطي في السماء وسط صراخ الأطفال والرضع، ولا أدري إن كان بريق عيني قد باح -أم لا- لك بمذاق السلمون الذي رافقني في رحلتي والذي وجدته على صفحتي بمجرد اتصالي بك من جديد.

السيد مارك،

لقد شاركتنا الطعام والملبس والشراب والأفراح والصور، وكنت أول من يعلم بمواليدنا الجدد وبمن غادرنا في هذه الحياة دون أن يغادر أجهزتكم الذكية

لا أدري إن كنت تقرأ سطرا وتنسى سطرا، لا عليك، فأجهزتك التي لا تنام و ا تسهو، ستراقب ما أكتب كلمة كلمة، و رغم أني، في أماكن معينة، لا أسمح لرقائقك الحضور معي فإني على يقين أن إصطحاب هاتفي معي إلى السوق وإعجابي بطبق البطاطس الذي ظهر على صفحة صديقي وفاحت رائحته من عند الجيران، قد أعطت لأجهزتك ما تريد معرفته.

السيد مارك،

وانا أنتقل بين مأساة ومأساة، بين ألم و أمل، بين دمعة وضحكة، بين فجر وليل، بين متاهات الحياة، ووعود الزمان وقسوة الصورة وضبابيتها، لا تتردد أجهزتك في تتبعي وقصفي وسلب إرادتي، أقسمت أن تستنشق معي عبير الأزهار وأنا في دروب الجبال طائرا، كي أعود إلى رقائقك وقد نسجت لي عبر أرقام سموما بنكهة الفل والياسمين.

السيد مارك،

لقد أتعبتني أجهزتك بصور الدم الغالي، والأجساد الرخيصة في مشهد متناقض بين من يحنو إلى سمفونية العصافير وبين من يموت على سكر العهر والضياع، لم نعد نملك عيوننا ولا أنوفنا ولا رغباتنا ولا أحلامنا.

لقد ضاعت البسمة وضاع الحب وضاع رحيق الأقحوان بين وحوشكم الرقمية التي سلبت للناس دليلهم إلى الحياة، وسلبت منهم ملكة السؤال الفلسفي الذي يجعل من لماذا أول خطوة قبل الكتابة والنشر، لقد أعطت أجهزتكم الذكية لكل فرد الحق في أن ينشر ما شاء وقت ما شاء على ما يشاء، وما لبثت أجهزتكم تقول هل من مزيد، ولم تقل لنا ولو مرة واحدة أن كثرة النشر تنسي قيمة النشر.

السيد مارك،

قد تنبأت أجهزتكم برسالتي، هنيئا لك، فلقد نقلنا إلى إمبراطوريتكم الزرقاء وبمحض إرادتنا  كل عوراتنا وماضينا الذي لم تعشه معنا، وحاضرنا الذي تشاركه معنا، آملين أن نكون معكم في المستقبل الذي تصنعه لنا.

لقد شاركتنا الطعام والملبس والشراب والأفراح والصور، وكنت أول من يعلم بمواليدنا الجدد وبمن غادرنا في هذه الحياة دون أن يغادر أجهزتكم الذكية التي تعمل ليل نهار كي تعلمنا كيف نشيع موتانا وكيف نتقبل العزاء في إمبراطوريتكم الزرقاء.

أعرف أن أجهزتك التقطت كل كلمة كتبتها وحذفتها لركاكتها، و ستخبرك – بعد حين – أني في المرة القادمة لن أخطأ في أي حرف أو ربما ستكتب بالنيابة عني عندما ستصبح أجهزتك هي من تصنع لي كأس الشاي الذي أعشقه.

مواطن فيسبوكي سلبت منه إرادته
والسلام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.