شعار قسم مدونات

من عصر الجزيرة إلى الحرب عليها

blogs - aljazeera
الفترة من 1997-2002 تستحق أن يُطلق عليها لقب "عصر قناة الجزيرة"، وذلك بناءً على تغطيتها الناجحة للحملات على العراق، فضلاً عن الانتفاضة الفلسطينية الثانية والوصول الحصري إلى أفغانستان بعد أحداث11 سبتمبر، حيث باتت الجزيرة تُهيمن على الخطاب العام العربي خلال تلك السنوات الحاسمة، لتظهر هيمنة القناة من خلال التغطية الحية لتلك الأحداث، بالإضافة لاستخدامها الصور والجرافيك التي دعمت تلك التغطية، حيث أنّها ساهمت بتعريف المشاهدين بتلك الصراعات بشكل مكثف وحي.

ويبدو تأثير قناة الجزيرة واضحاً من خلال اعتراف "Jeremy M. Sharp" الخبير بشؤون الشرق الأوسط ومحلل الشؤون الخارجية والدفاع والتجارة في الكونغرس الأمريكي الذي كتب في تقرير خاص، أنّ تأثير قناة الجزيرة بدأ يظهر علناً وبإنتظام على المسؤولين الأمريكيين، حيث أنّ القناة باتت تعكس الاستياء الشعبي العربي من سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

"هناك مثلثا يفسر سر التفوق، يقوم على عامل الحرية، التي منحتها قطر لقناة "الجزيرة"، فمنحتها استقلاليتها مهنيا، ودون تحديد سقف لمساحة الحرية.

وعن سبب نجاح قناة الجزيرة يقول "Marwan Kraidy" في كتابه "الإعلام العربي والسياسة الأمريكية"، إنّ السبب هو الانفصال عن الحكومة القطرية ولو بشكلٍ جزئي، وبعد ظهور عدد من الأصوات التي تقول بتراجع نسبة متابعي قناة الجزيرة، قال الدكتور "مصطفى سواق"، مدير عام شبكة الجزيرة بالوكالة، إنّها (أي الجزيرة) ما تزال تستحوذ على نسبة مشاهدة عالية في الوطن العربي، حيث استدل في تأكيد ريادة المحطة وتفوقها على كل القنوات الناطقة باللغة العربية مجتمعة على آخر دراسة استبيانية لشركة "إيبسوس" العالمية، التي أكدت استحواذ قناة «الجزيرة» الإخبارية على نسبة تفوق 42 بالمائة من مجموع مشاهدي القنوات العربية في المنطقة.

وعن سر تفوق الجزيرة على قنوات عربية أخرى، قال "سواق" الذي تحدث في جلسة نقاش مفتوحة بمناسبة انعقاد (منتدى الجزيرة الثامن) الذي ينظمه مركز الدراسات التابع لها، "هناك مثلثا يفسر سر التفوق، يقوم على عامل الحرية، التي منحتها قطر لقناة "الجزيرة"، فمنحتها استقلاليتها مهنيا، ودون تحديد سقف لمساحة الحرية، إلى جانب التزام الشبكة بالمهنية التي يعمل وفقها أفضل الصحافيين والإعلاميين في العالم، إلى جانب عامل الدعم المالي الذي وفرته قطر للقناة".

وخلال العدوان الصهيوني المتكرر على غزّة وفي خضم صراع وسائل الإعلام الغربية التي مُنعت إلى حد كبير من التغطية هناك بسبب القيود التي يفرضها جيش الإحتلال الإسرائيلي، كان حضور قناة الجزيرة ميزة واضحة لها، حيث أنّها تواجدت في أغلب الأحداث التي جرت في قطاع غزة، كما يؤكد "NOAM COHEN" في مقالة له في صحيفة نيويورك تايمز نُشرت بتاريخ 11 January 2009.

باختصار، وكما يقول "Marc Lynch" في كتاب "Voices of the New Arab Public"، فقد كانت قناة الجزيرة تُشكل المنبر الأساسي للجمهور العربي الذي يصر وبقوة على مناقشة الإصلاح في العالم العربي، بالإضافة للوضع السياسي في كافة الأنظمة العربية، بالإضافة للقضايا الاجتماعية، اقتصادية والثقافية، والتي كانت جميعها تحت مجهر قناة الجزيرة.

الحرب على الجزيرة
 التغطيات الحصرية التي حضيت بها الجزيرة لأبرز أحداث المنطقة، ولا سيما حرب العراق وأفغانستان والإنتفاضات الفلسطينية المتلاحقة، فتح عليها أبواب جهنم، من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الأنظمة العربية، حيث تعرض بث القناة مرات عديدة للتشويش، بالإضافة ما نشرته صحيفة "ديلي ميرور" البريطانية في 22 نوفمبر من العام 2005، حيث قالت إنها حصلت على مذكرة مسربة تُفيد بأن الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش فكر في قصف مقر قناة الجزيرة في الدوحة في أبريل من العام 2004، عندما كانت قوات المارينز الأمريكية تجري عمليات هجومية على مدينة الفلوجة العراقية.

عربياً؛ وجدت معظم الدول العربية أحداثاً أو تقارير تعترض عليها، وهو الأمر الذي زاد من شعبية الجزيرة وجعلها تحتل المرتبة الأولى في الشرق الأوسط، فخلال الثورة المصرية؛ استهدفت الحكومة المصرية وبشكلٍ ممنهج قناة الجزيرة في محاولة لعرقلة عملها في القاهرة، وفي يوم 30 يناير أمر وزير الإعلام المصري أنس الفقي، بإغلاق جميع مكاتب قناة الجزيرة في مصر وإلغاء اعتماد جميع الصحفيين العاملين في الشبكة.

كما توقف بث القناة على القمر المصري "نايل سات" وهو الأمر الذي أجبر المشاهدين على متابعة القناة على الأقمار الصناعية التي لا تحكمها السلطات المصرية، وبعد الإجراء المصري هذا، انبرا ما لا يقل عن 10 محطات تلفزيونية باللغة العربية لعرض محتوى قناة الجزيرة على شاشاتها بشكلٍ تطوعي ولم تدفع الجزيرة مقابل ذلك أيّ مبلغ.

وفي 3 سبتمبر من العام 2014، أصدرت محكمة القضاء الإداري المصرية حُكماً يُلزم شركة "نايل سات" بوقف بث قناة "الجزيرة مباشر مصر"، لأنّها وبحسب الحكم "حرّضت الهيئات الأجنبية على مصر بنقل وقائع وأحداث غير صحيحة، لإثارة هذه الجهات ضد مصر على نحو من شأنه الإضرار بالأمن القومي".

بعد الإجراء المصري بوقف القناة، انبرا ما لا يقل عن 10 محطات تلفزيونية باللغة العربية لعرض محتوى قناة الجزيرة على شاشاتها بشكلٍ تطوعي ولم تدفع الجزيرة مقابل ذلك أيّ مبلغ.

ويأخذ على قناة الجزيرة أنّ أغلب الضيوف الأمريكيين على القناة، وفي كثير من الأحيان يأتون من أكثر القطاعات المحافظة في السياسة الأميركية كـ "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى"، و"معهد أميركان إنتربرايز" حيث يلاحظ حضورهم أكثر بكثير من المُحللين اليساريين كالذين ينتمون إلى معهد "بروكينغز" أو "المعهد اليساري للدراسات السياسية".

وأخيراً ليس هناك أدنى شك في أن برامج قناة الجزيرة لعبت دوراً مهماً في هذه التغييرات الجارية، لا سيما القضايا الراهنة في المنطقة، فمن خلال بث الحملات الانتخابية في بلد عربي معين، يمكن أن نرى تأثير قناة الجزيرة بشكلٍ لا يمكن إنكاره على المشاهدين، فبرامج القناة تسهم في الترويج للنقاشات السياسية والحد من الرقابة في العديد من البلدان العربية.

وربما ما أفرزته الجزيرة من حريّة يمكن رؤيته من خلال "عدوى إقليمية" يمكن مشاهدتها في الإصلاح السياسي، الأمر الذي وضع القادة السياسيين في مواجهة الوعي الذي خلفته قناة الجزيرة بين أبناء الشعوب التي يحكمونها، وهناك اتفاق عام بين العلماء الذين درسوا تأثير "الجزيرة" أن الشبكة قد ساهمت في خلق الرأي العام العربي.
__________________________________________________________________________________________________________________
جزء من رسالة ماجستير غير منشورة بعنوان: "مقارنة تطبيقية للعناصر الإخبارية بين قناتي الجزيرة والحرة خلال الحروب الإسرئيلية على غزة"

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.