شعار قسم مدونات

عاطل عن العمل لا عن الأمل

blogs أمل

أبلغ من العمر حاليا 26 سنة، تخرجت السنة الفارطة من كلية الإعلام والاتصال بإحدى جامعات الجزائر، كنت أطمح وأنا أحمل شهادة الماجستير في تخصص الصحافة مكتوبة آن أجد مع بداية العام المقبل منصبا في إحدى المؤسسات الإعلامية، تلك التي انتشرت مثل النار في الهشيم في الساحة الإعلامية الجزائرية، أذكر أنني أنهيت دراستي الجامعية برسالة تخرج تناولت واقع تنظيم داعش في مواقع التواصل الاجتماعي تلك الأطروحة التي نالت إعجاب أساتذة الكلية ككل والتي دفعتني إلى الاستمرار في دراسة الظاهرة.

 

إلا أنه ومع دخول فصل الصيف واجهت إرهابا داعشيا من صنف أخر إرهابا أجبرني على الدخول في متاهات لا لشيء إلا لأنني أبديت رأيي كمواطن من الدرجة الأولى وكصحفي من الدرجة الثانية لأجد نفسي واقفا في منصة الاتهام، وبعد آن انخرطت في جريدة محلية سنحت لي الفرصة فيها آن أتحصل بها على بطاقة صحفي محترف، تلك البطاقة التي كنت أظن أنها قد تساعدني في الرقي في مجالي الإعلامي لأجد من آن من يرتقي في هذا المجال هما صنفان فقط، فأما آن تكون شابا بوجه أنثوي يتم السيطرة عليك وإما آن تكون فتاة بجسم رشيق تسيطر هي على المؤسسة.

هذا الواقع جعلني أندم على ما درسته طوال خمس سنوات بالجامعات وأكثر ما أتأسف عليه هو تأخيري لأداء الخدمة الوطنية عندما كنت أبلغ من العمر عشرين سنة، ففي وطني الجزائر (هذا آن كنت من سكانه أصلا) تخطئ بك الوثائق الإدارية وقد تقتلك وأنت حي ويتم التلاعب على أعصابك ببيروقراطية سامية المعالم حتى قد تصل إلى حد الجنون، ولكن القطاع الوحيد الذي لن ينساك هنا في الجزائر هو قطاع الدفاع الوطني "العسكر" فجميع بيانات الشاب الجزائري تكون صحيحة وموثقة ودون أخطاء، لهذا يجد الواحد منا نفسه مضطرا إلى أداء هذه الخدمة الوطنية مجبر غير مخير، قبل أسبوع فقط دخلت المنزل ليلا بعد آن استهلك طاقتي أحد الخواص واستأجرني في عمل منزلي له وما آن فتحت الباب حتى وجدت ورقة برتقالية اللون وقد نقش اسمي فيها باللون الأسود الغامق وبالقرب منها "مستدعى" أه إنه النداء الأخير من العسكر.
 

ما حل لي ولمن هو في سني، نحن الذين فقد الكثير منا الأمل في هذه الحياة… في هذه البلاد… وفي هؤلاء العباد، ومن بقى منا يفكر بعقلانية لا يجد من حل سوى الهروب من هنا وتحقيق الأحلام في الغربة على مرارتها

في الجزائر يجد الشاب نفسه محاصرا من جميع الاتجاهات ففي وطني والذي يمتد بحجم القارة والذي يتسع حتى لسكان الصين إن حشروا فيه، ولا يتسع لحلم شاب مثلي في الحصول على مستقبل أمن فمثلي لا يزال المشوار أمامه طويل خاصة إن كنت قد استهلكت سنوات عدة في الدراسة الجامعية ليتخرج الواحد منا وقد وجد أقرانه ممن غادروا لتلك المقاعد بعد آن عجزوا عن تخطي حاجز البكالوريا قد أضحوا اليوم أرباب أسر وأصحاب مهن وأباء وأمهات، لا لشيء إلا لأنهم علموا في قراره أنفسهم أنهم ليسوا قادرين على البقاء في وهم التدرج العلمي في وطني الجزائر، أتخرج الآن من الجامعة لست أدري ما أفعل وقد بلغت من العمر ربع قرن ويزيد سنة، فمع مغادرتي لمقاعد الجامعة وروتين إقاماتها ومعاناة يومياتها، أجد نفسي اليوم أمام واقع متقشف وأزمة اقتصادية تخوضها الجزائر.

 

ولأننا نحمل جنسية الجزائر "والتي اعتز بها وافخر" يطلب منا من ساد هذه البلاد أن نشد أحزمة سراويلنا وآن نساهم في النهوض ببلادنا من الأزمة التي تمر بها ولكن المثير للغرابة هو آن الغلابة من أبناء هذا الشعب وأنا واحد منهم من نساهم فقط في مساعدة وطننا، فأصحاب الفخامة من حاملي البطون المنتفخة والأموال المهربة لا يبالون إن حل الدمار والخراب والجوع على هذا الوطن فهم قد سكنوا القصور وحملوا الدولارات وسافروا وتمتعوا ولكن أنا وأقراني ماذا فعلنا في هذه البلاد.

لا أجد ما أقوله سوى أننا اليوم أضحينا نؤمن أنه لا معنى من محاولة استمرارنا في هذه الوطن وقد أضحى كل واحد منا يمني نفسه إما بالهروب إلى بلاد الكفر والعدل في القارة العجوز مستعملا قوارب الموت ومتخفيا من مصابيح خفر الحدود، آو الطمع في السفر إلى الخليج والتسلل والاختباء في إحدى مدنه بعد انتهاء تاريخ التأشيرة والعمل عند واحد من أهل "الديرة" حتى يفرجها رب السماوات والأرض ومن ضاقت به الحدود والآمال وجه نفسه إلى معاقرة الزجاجة الخضراء في محاولة بائسة لنسيان آلام واقعه المرير.

 

 فكثير منا اليوم يحلم ببيت صغير يؤويه ويوميات دافئة مع من يحب من جنس حواء وبلعثمات طفل صغير ينير ذلك البيت، ولكن كل هذه الأحلام أضحت أوهام فمن أجل الحصول عليها يلزمك مصباح علاء الدين لإكمال نصف الدين ويلزمك مغارة علي بابا لتلبي حاجياتك الضرورية اليومية. واليوم يخرج علينا سياسيو بلادي وهم يرتدون الطواقم الكلاسيكية مطالبين إيانا بإسماع أصواتنا واختيار واحد منهم لتمثيلنا في قبة البرلمان ونحن نعلم في قراره أنفسنا أنه لن يمثل إلا نفسه وسيسعى لتحقيق مبتغياته الدنيوية فقط.

لا أدري كيف أكمل كتابة هذه التدوينة وقد نفذت مني حروفي وأفكاري واشتعل تفكيري من أجل إيجاد حل لي ولمن هو في سني، نحن الذين فقد الكثير منا الأمل في هذه الحياة… في هذه البلاد… وفي هؤلاء العباد، ومن بقى منا يفكر بعقلانية لا يجد من حل سوى الهروب من هنا وتحقيق الأحلام في الغربة على مرارتها. لست فاقدا للأمل أقولها دائما وأنا أعلم أني فاقد لما يمكنه آن يحقق لي الأمل وهو العمل الذي أضحى اليوم من نصيب تاء التأنيث وهن اللواتي احتللن كل مناصب العمل قابلات بأجور بسيطة ولأصحاب المعرفية من نفس جنسي الذين يستغلون مناصب العمل التي تمنح لهم من أجل تحقيق أهداف شخصية وصبيانية، في حين يتم إقصاء كل شاب يسعى إلى نيل منصب عمل بشهادته الجامعية، لتصبح ورشات البناء المنفذ الوحيد وهي التي قد تأمن أجرة يوم لا بأس بها ولكن على حساب صحة عاملها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.