شعار قسم مدونات

نريدها بيوتا لله لا بيوتا للصلاة!

blogs المسجد

إن المسجد هو المنارة التي يسترشد بها المؤمن في حياته، ومنه يستمد مقومات دينه ويعرف أصوله ومبادئه. وهو الذي يشع على الجميع أنوار الهداية والرشاد ومنه يأخذ الجميع أساليب العمل ومناهج التحرك. فهو محراب الصلة بالله ومكان التربية الإيمانية والخلقية وأول مؤسسة انطلق منها شعاع العلم والمعرفة في الإسلام. وقد كان منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم الموجه لحياة المسلمين والمدير لشؤونهم، فكان المدرسة والمعهد والجامعة والثكنة والنادي والمحكمة والحصن للفرد والجماعة، لتنظيم شؤون المعاش والمعاد.

لكن اليوم وللأسف، تم تحويل دور المسجد في حياة الجماعة المسلمة من أهم مؤسسة دينية ذات أبعاد شاملة، إلى مؤسسة خاصة ببعض الشعائر التعبدية والمناسبات الدينية!! بعدما كانت المساجد بيوتا لله صارت بيوتا للصلاة! تفتح في أوقاتها ويوم الجمعة، وتغلق أبوابها لدى انتهاء الناس من أدائها…كحال المساجد في الديار الغربية التي نحن في أمس الحاجة إلى تفعيل دورها وإحياء رسالتها. ففرق شاسع بين أن يكون الجامع بيتا لله وأن يكون بيتا للصلاة! أن يكون المسجد بيتا لله يعني أن يقوم بكل وظائفه المنوطة به، أما أن يكون بيتا للصلاة، فهذا يعني أن المجتمع أو الجماعة المسلمة فقدت أهم ركيزة من ركائز بنيانها الأساسية ودعامة من دعامات ترابطها الاجتماعي والإيماني.

وأعظم قيمة للمسجد – وكفى بها – أنه بيت الله عز وجل في الأرض ومحل عبادته، ينسب ويضاف إليه إضافة تشريف وتكريم وتعظيم وإجلال (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه)، في هذا إشارة إلى أن إقامة المسجد هي بإذن الله واختياره أولا ليذكر فيه ويعبد! والذكر هنا علينا أن نفهمه بشكل أوسع وأعمق! فلا يقتصر على ترديد اسم الله والتسبيح والتهليل… وإنما المراد كل ما يُذكِّر بالله سعيا من أجل إنفاذ أمره وإعمال شرعه وتحقيق رسالة الاستخلاف التي قوامها عمارة الأرض وإقامة الفرض.
 

في غياب الدعم الرسمي لأماكن عبادة المسلمين وفي غياب الوعي التام بأهمية دور المسجد في حياة الجماعة المسلمة وواجبنا نحوها، نجد معظم المساجد في أوروبا تعاني الأمرّين من أجل تغطية مصاريفها وسد أبسط الحاجات الضرورية

وقد علمنا هذا المعنى فداه روحي صلى الله عليه وسلم، فجعل من أول أعماله عند وصوله مهاجرا من مكة إلى المدينة إنشاء المسجد ليكون المكان الذي يوجه حياة الأمة وينظم صلتها بربها وصلتها فيما بينها وعلاقتها بالناس من حولها على كل المستويات.

يقول تعالى (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم والآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) التوبة. ليس المراد بعمارة المسجد الصلاة فحسب! فالحفاظ على الصلاة وصف من أوصاف عمارها النابع من مقتضى إيمانهم، وإنما المقصود بالعمارة تفعيل رسالتها وإحياء دورها والقيام بشؤونها وحوائجها وصيانتها وحفظها الذي هو حفظ للعقيدة والدين. 

قد لا يتسع المقام لسرد فضائل المسجد وذكر الخيرات التي ارتبطت به، ولكن يجدر بنا أن نتحدث عن طرف من واقع مساجدنا في الغرب وأن نعكس جانبا من المأساة التي تعيشها! في غياب الدعم الرسمي لأماكن عبادة المسلمين وفي غياب الوعي التام بأهمية دور المسجد في حياة الجماعة المسلمة وواجبنا نحوها، نجد معظم المساجد في أوروبا تعاني الأمرّين من أجل تغطية مصاريفها وسد أبسط الحاجات الضرورية كأجرة الكراء وأجرة الإمام وفاتورة الماء والكهرباء… وأصبح من المعتاد والمحزن أن نقوم بحملات "التسول" الدورية على مدار الأسبوع أو الشهر داخل المسجد أو في غيره لجمع التبرعات لسد تلك الحاجات. أصبح همّ القائمين على المساجد أن يصلوا إلى آخر الشهر وقد حققوا جمع المبلغ المطلوب لسداد الحاجيات الضرورية… 

ونظرا لهذا العجز المادي فإن هذه المساجد لا تعكس الصورة الإيجابية ولا الدور الإشعاعي الذي يفترض أن تلعبه في الواقع. فلا مظهرها ولا موقعها ولا مرافقها ترتقي إلى مستوى رسالتها المفترضة. ناهيك عن أن هذا العجز المادي يعيق خدمات المسجد الروحية والثقافية والتربوية والاجتماعية. لكن من المسؤول عن هذا الأمر؟

نعرف جميعا أن القانون لا يسمح بتمويل المساجد من المال العام وإن كان يخصص نسبة قارة للكنائس. كما نعلم أن الدول الإسلامية لا تهتم بقضايا الجاليات المسلمة في الغرب ولا يوجد تنسيق بين الهيئات الدينية بخصوص هذا الشأن، وبالتالي يرجع شأن المساجد إلى الجماعة المسلمة المعنية بالأمر وإلى اللجنة القائمة على تسييرها. وعلى درجة وعي ومسؤولية هاتين الأخيرتين ينبني واقع المسجد وقيامه بدوره ورسالته.
 

لا تسل عن مستوى الأئمة في مثل هذه الظروف فالحال يغني عن المقال! وإذا جئنا إلى الهيئات التمثيلية للمسلمين وجدناها في غناء على ليلاها، وفي شغل بالمصالح الشخصية والحسابات السياسية والنزاعات التاريخية… قد تركت قطيعها للذئاب تنهش فيه كما تحب وتشتهي

فإذا وقفنا على حال الجماعة المسلمة وجدناها غارقة في الصراعات العرقية والمذهبية والحسابات التاريخية… ووجدنا طابع الأنانية والفردية والعشوائية يغلب على كل مرافق حياتها! إلا من رحم الله! والخير في الأمة بحمد الله لا ينقطع، وإنما نتحدث من منطلق الواقع الغالب، فالشاذ لا حكم له! أضف إلى هذا ضعف الثقافة الدينية وإشكالية الازدواجية في الفكر ومخلفات المجتمعات الأم وضعف الإمكانيات المادية، تكون النتيجة على ما هي عليه اليوم للأسف! وإذا كان هذا حال الرعية فما بالك بالراعي! على حد قول الأثر: كما كنتم يول عليكم! وفاقد الشيء لا يعطيه. ماذا سننتظر من أناس يفتقدون إلى أبسط مقومات التسيير والقيادة فما بالك بتسيير شؤون أهم مؤسسة في كيان الجماعة المسلمة. بل أحيانا لا يجيدون كتابة أسمائهم باللغة العربية! فكيف بهم وهم على أهم ثغرة من ثغور العمل الإسلامي وبخاصة في بلاد الغرب.

كيف سننتظر من هؤلاء برامج دعوية ومشاريع ثقافية ومخططات مستقبلية للنهوض بحال الجالية المسلمة والدفاع عن هويتها وكيانها والحفاظ على أبنائها… ولا تسل عن مستوى الأئمة في مثل هذه الظروف فالحال يغني عن المقال! وإذا جئنا إلى الهيئات التمثيلية للمسلمين وجدناها في غناء على ليلاها، وفي شغل بالمصالح الشخصية والحسابات السياسية والنزاعات التاريخية… قد تركت قطيعها للذئاب تنهش فيه كما تحب وتشتهي…

يقول جل من قائل: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا) سورة البقرة، ونحن جميعا كل منا حسب موقعه مساهم بتقصيره في الصد عن قيام المساجد بدورها المنشود وفي تعطيل رسالتها النورانية.  نريدها بيوتا لله لا بيوتا للصلاة! ونريدها مراكز نور ومنابع خير لا عنوان عشوائية وظلامية! ونحن مسؤولون أمام الله وأمام الدين عن واجبنا نحوها وعن أدائنا لحقها ووفائنا بأمانتها. فلنقس إيماننا واهتداءنا وصدق انتسابنا إلى هذا الدين بدرجة برّنا ببيوت ربنا. يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله… ورجل قلبه معلق بالمساجد). اللهم املأ قلوبنا بحب بيوتك وسخرنا لخدمتها واجعلنا من خواص عمارها آمين. واستغفر الله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.