شعار قسم مدونات

علمتني رواية!

Blogs - Books
"تحرر من كل شيء و أنت آت" هكذا بدأ دكتور خالد أحمد مصطفى روايته المسومة ب "أرض السافلين" و هذه إحدى شروط الانضمام لرحلة أرض السافلين، الرحلة عبارة عن فانتازيا جميلة يطوف بنا الكاتب من خلالها عبر عوالم أرض السافلين السبع، و هي حقا عوالم مثيرة، في كل عالم يأتيك برفيق أو دليل يساعدك في سبر أغوار ذلك العالم أو تلك القضية.. بعد المقدمة المبسطة عن الرحلة و شروطها يعطينا الكاتب لمحة عن عالم الانترنيت العميق، و هي تهيئة مبدئية لتكتشف عالم أرض السافلين الحقير.

العالم الأول: أرض الدعارة: 
ستكتشف معها كيف تصنع الدعارة كتجارة رائجة جدا في هذا العالم السافل، يسترسل الكاتب في رصد أساليب صنع العهر إلي آخر مدى وصله من التطور، ابتداءً من مكاتب طلب العاهرات، و انتهاءً بجمعية حقوق العاهرات إلى أن صارت شيئا مصرحا به.

أنا السجن الذي دخلت فيه بقدميك وأعطيتني المفتاح.. السجن الذي لا ترى له قضبانا، السجن الذي يسجن عقلك.. وإني لست بمخرجك منه بعد أن دخلته وأنت لست براغب في الخروج.. لأنك إمعة لا رأي لديك ولا فكر.. وإن ظننت أنك صاحب رأي فرأيك هو رأيي وأنا الذي لقنتك إياه.

العالم الثاني: أرض الاعلام:
هي أرض الوهم و الخديعة و الرفيق هنا الشيطان " ديكوي " هذا الديكوي يصعب وصفه لذا سأقتبس نص ما ذكره عنه الكاتب (أنا الخدعة التي تخدعك كل مرة و تستغفلك كل مرة. وتصدقها كل مرة لشدة بلاهة منك أو لشدة ذكاء مني.

أنا العصابة الموضوعة على عينيك، والتي تسمع من الناس أنها موجودة، لكنك لا تهتم.. ولا تصدق.. أنا السجن الذي دخلت فيه بقدميك وأعطيتني المفتاح.. السجن الذي لا ترى له قضبانا، السجن الذي يسجن عقلك.. وإني لست بمخرجك منه بعد أن دخلته وأنت لست براغب في الخروج.. لأنك إمعة لا رأي لديك ولا فكر.. وإن ظننت أنك صاحب رأي فرأيك هو رأيي وأنا الذي لقنتك إياه.. أنا أحب أن أفعل هذا بك ".
هذا هو ديكوي الذي سيقودك لفك طلاسم أرض الاعلام، أرض الوهم و الزيف و معه ستتعلم كيف تحاك الخدعة.

العالم الثالث: الإلحاد:
ينطلق بنا الكاتب إلى أرض الإلحاد، بطريقة سرد تخيلية رائعة، يوجز الكاتب أقوال العلماء و الفلاسفة، من خلال مؤتمر ضخم يحاول الإجابة على سؤال مهم شغل العلماء التجريبين و علماء الدين و هو "هل هذا الكون أزلي أم له بداية؟ ولو كانت له بداية من ابتدأها؟ ثم يأتي بسرد العديد من النظريات و الدراسات الغربية حول هذا الموضوع قبل ان يفندها برأي الدين الإسلامي.

العالم الرابع: المخدرت:
في هذه الرحلة هو عالم (المخدرات) حيث يستعرض الكاتب ما يشبه دراسة تاريخية حول تطور المخدرات، حتى صارت اقتصادا تحارب من أجله الامم.. في هذا العالم ستتعرف على الجشع و الثراء الفاحش، في نهاية هذا العالم أيضا يتوج الكاتب مقترحات حلوله بما جاء في الشرع الحنيف، الذي وضع شرعا جازما لشارب الخمر و متعاطي المخدرات.

العالم الخامس: الإلحاد من جديد:
يعود بنا الكاتب إلي أرض الإلحاد محاولا هذه المرة الإجابة على سؤال من الذي أوجد الكون؟ و يذكر هنا بشيء من التفصيل أقوال الملحدين و الفلاسفة، قبل أن يفحمهم برأي الدين الإسلامي، الذي ينتصر في الختام.و يثبت أيضا أن الدين الإسلامي لا يتعارض و العلم بل يسنده و يقويه.

الرواية بصورة عامة لا تعرض أسرارا أو خفايا، إنما هي حقائق أوضح من أن تُخفي و أعقد من أن نتنبه لها، قُصد أن نُغيب عن هذه الأشياء التي أمامنا حتى تمضي مشاريعهم للأمام.. رواية أرض السافلين تصلح لأن تكون انطلاقة صحوة شباب هذه الأمة، و ذلك لرسائلها التي تحملها.

العالم السادس: الأموال:
في هذه الأرض السافلة هو عالم "النقود" يسرد هنا الكاتب بلمحات تاريخية قصة إيجاد النقود في الدنيا، و إنشاء نظام الديون الذي كبل كل العالم في آخر المطاف، ويبرز الكاتب هنا كيف أن "البنكيون" هم من يتحكمون في مصير الأمم و الشعوب، و ذلك من خلال السيطرة المالية و إنشاء نظام عالمي لا يمكن الفكاك منه، كمثال صندوق النقد الدولي الذي يضع شروطا على هواه من أجل إقراض الدول المحتاجة.

المعالجة التي قدمها الكاتب في نهاية هذا العالم هي أن تطبع الدولة نقودها الخاصة بها و لا تستدين من بنوكها المركزية لكن بحسابات معينة، و أيضا يجب عليها أن تلغي نظام الفائدة الربوي الذي يزيد الفقير فقرا و كذا الغني يزده غني.

العالم يعود فيه الكاتب إلي عالم الإلحاد عبر بوابة نظرية التطور للعالم الإنجليزي المثير للجدل " داروين "، برع الكاتب في هذا الفصل في استدراج علماء التطور إلى حقول وعرة دائما ما يخشون الخوض فيها. و تحلي أيضا بصبر طويل، عارضا أقوال أهل التطور قبل أن يجردها من حقيقتها الواهنة، عبر نظريات أهل الغرب ذاتهم، و من ثم يسرد رأي الدين الإسلامي الأوضح دون نقاش إلا لمن أبى.

علمتني الرواية:
بعيدا عن نظرية المؤامرة، أوضحت لي الرواية أن البنكيون في أي دولة يمكن أن يسطروا على الدولة، يطوروها أو يجعلوا منها خرابا لا يحتمل، بناءً على ما طرح في الرواية تعلمت أن اليهود ما كانوا أذكى من أمتنا كي يصلوا لهذه المرحلة؛ لكنهم تعاونوا فيما بينهم و تكاتفوا كي يحققوا أهدافهم الموضوعة بدقة.

علمتني هذه الرواية أن هذه الأمة لن تنهض إلا حين تتخلص من هذه القيود التي تكبلها، و ذلك عبر مشروع حضاري جديد، يخطط له بدقة من أجل أن تستفيد من مواردها و إنسانها، و أيضا يجب أن تتخلى عن مشروع الدولة الواحدة و تتجه إلى قالب أوسع.

علمتني الرواية أن الارهاب ليس سوى مسرحية متقنة الإخراج و شديدة التعقيد، و غالبا ما تستخدم لسلب أعراض هذه الأمة (أو أي أمة تخالف هذا النظام العالمي) لكن للأسف ينسب زيفا للدين الإسلامي البريء من ترهاتهم تلك.

علمتني الرواية أن الاعلام هو أخطر ما يحدق بهذه الأمة و أنها يجب أن تصحح كل المفاهيم "الخربة" في هذا الجانب و أن لا نكون أبواقا نردد أقوالهم.

الرواية بصورة عامة لا تعرض أسرارا أو خفايا، إنما هي حقائق أوضح من أن تُخفي و أعقد من أن نتنبه لها، قُصد أن نُغيب عن هذه الأشياء التي أمامنا حتى تمضي مشاريعهم للأمام.. رواية أرض السافلين تصلح لأن تكون انطلاقة صحوة شباب هذه الأمة، و ذلك لرسائلها التي تحملها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.