شعار قسم مدونات

الليبروإسلاميون

blogs- العلمانيون
"أنا ميمي آه، بس راجل أوي" تِلك الجُملة من أحد مقاطع فيلم "مطب صناعي" لأحمد حلمي، نستطيع إسقاطها بجدارة على الليبراليين الذين يُذِيعون ليبراليتهم ويَبغون تطبيقها ولكن في الوقت ذاته هُم مُؤمِنون بكتاب الله وسُنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم فتناولوا سياق الليبرالية ونقعوها في مِضمار الشريعة ليُصبِحوا ليبروإسلاميين!! وهذا إنما ينبُع من قُصُورٍ حاد في فهم الشريعة لديهم وعدم إدراكهم لها وتمامها.

فمُنذ أن لفظت عاصمة النار باريس -كما كان يُسمّيها الشيخ كشك رحمه الله- مبادئ ثورتها التي وُلِدت في نسقٍ ثقافي وقيمي وبيئة مفاهيمية، تختلف من قِمة الرأس إلى أُخمُص القدم مع الشريعة الإسلامية، إلا أن الذين تلقفوا كُرة اللهب كانوا يتقاذفُونها فيما بينهم ممن يُسمون مُفكرين ومُثقفين في بُلدان الإسلام ومع كُل تقاذُف كان حجمها يزيد مما يُسكَب عليها من غثاثة ورداءة فِكر كُل امرؤ منهم ويلقونها على أُناسٍ هُم ليسوا مشغولون بها من الأساس يضرب الفقر والعوز والمرض بأطنابه بينهم.


على ذلك لا بُد أن يتصدى كُل صاحب قلم ومِنبر لليبراليين، ومُواجهتهم فِكرًا وعقلًا، وردهم لإيقاف هجمتهم على التُراث الإسلامي، بما يحمله من مادة واسعة ينفذوا من ثغراتٍ اخترعوها فيها لبثّ ادعاءاتهم فهلموا إليهم.

والليبراليون تُعّدّ لديهم مبادئ الحُرية والإخاء والمُساواة هي قُدس الأقداس لذلك قضية المرأة والحُريات العامة والتعامُل مع المُخالِف "الكُفار والمُشرِكين" وجِهاد الطلب هي رأس أمرهم ورحى عملهم وحجر زاويتهم، ولكن لما لا يُستطاَع النفاذ بهذه المبادئ التي تنضح منها الرائحة الغربية ولا تتفق مع ثوابت الشريعة بما تحمله من مضامين مُخالِفة للشريعة ذاتها في مُجتمعات تُبجِل الدين بطبعها -دون القيام بأساساته ولا فرائضه حتى- كان لا بُد من انتهاج استراتيجية تقُم على الاقتباس والالتقاط من الشريعة قُرآن وسُنّة لما يُوافِق هذه المبادئ والقضايا.

فالإسلام دينٌ رائع، والإسلام تحُضّ شريعته الغرّاء على تمكين المرأة وتبجيلها وإشراكها في المُجتمع والإسلام دينُ الحضارة والمدنية والتعامُل مع الآخر، يتحدث الدكتور إبراهيم السكران في كتابه الماتع "سُلطة الثقافة الغالبة" عن نكسة هذا التيار وإخوانه من التيارات المدنية أنهم مُصاَبون بظاهرة خطيرة ألا وهي "الإيمان المشروط".

إيمانهم لا نظيرَ له بالوحي والإسلام بل وأنك إن شكّكت في إيمانهِ فسيًقيِم ساحة محكمة تفتيش معنوية أنت الجاني فيها بصفتك تحكُم على الناس وتتألى على الله وتقُم بدور الحاكم بأمر الله وتلك التُهم المُعلّبة التي لا تنقضي بانقضاء العُصُور، ولكن يوضح الدكتور السكران أن جميعهم يُؤمنون بالنُصوص التي توافِق منظومتهم الأيدلوجية والفكرية وفسر ذلك قائلًا -فك الله أسره- "يتسلطون بالمُكابرة التأويلية على كُل نص يُهدد هرم أولوياتهم الفكرية" تحفظ لضميرهم ألا ينتابهُ أي وخز أو ضجر من عدم انتمائهم لآصِرة الإسلام وفي الوقت ذاته يُمكِّنون لأهوائهم الحُكم والتأويل والتمكين لها فوق الشرع. 


الليبراليون لم يكتفُوا بهذا التأويل بل بذلوا جُهودًا مُضنِية في إضافة مفهوم "اللبرلة" على مضامين الجِهاد والمرأة وقضية الحُرّيات والفُنُون والولاء والبرّاء وتغييرها إرضاءً للذُوق الغربي وللفِكر الغربي، العجيب أن فِعل الليبرالين هذا يَنُم حسب ادعاءاتهم عن واقعية وضرورة إزالة "الأوضار والخُرافات" عن الإسلام وإعطاء صُورة حداثية لهُ توافِق مُتطلبات العصر وظُروفه!!. 


وتتجلى أمامك مقولة ألبرت حُوراني في كتابهِ "الفِكر العربي في عصر النهضة" عن المُصلِح التغريبي الإمام مُحمّد عبده الذي قال عنهُ: "لقد نوىَ إقامة جِدار ضد العلمانية، فإذا به في الحقيقة يبني جسرًا تعبُر العلمانية عليه، لتحتل المواقع واحدًا بعد الآخر" .


إسقاط آخر على ليبراليي هذه العُصُور، الذين يدفعون بادعاء حِماية الدين وتحديثه، والحداثة والدين منهم برّاء، النظر لليبراليين في تغييرهم للشريعة وتأويلهم لها لتلبية أهوائهم، وضخهم للمفاهيم الغربية عليها، خَدعة تُراثية أصاب الدين بالعوار والخَلل، ونخر فيه كالسُوس، وعلى ذلك لا بُد أن يتصدى كُل صاحب قلم ومِنبر لليبراليين، ومُواجهتهم فِكرًا وعقلًا، وردهم لإيقاف هجمتهم على التُراث الإسلامي، بما يحمله من مادة واسعة ينفذوا من ثغراتٍ اخترعوها فيها لبثّ ادعاءاتهم فهلموا إليهم.


وسنتناول إن أطال الله في أعمارنا في حلقاتٍ مُقبِلة غير مُتتابِعة أو مُتصِلة قضاياهم بالعرض والنقد، 
والحمدُ لله رب العالمين وما أُبرِئ نفسي إن النفس لأمارة بالسُوء

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.