شعار قسم مدونات

لا أحد يمثل الإسلام

مدونات، الإسلام

قتل في العراق، وتفجير في تونس، ومذبحة في مصر، وأخرى في باريس، وهنا وهناك المتّهم واحد: الإسلام! ديننا الحنيف حرّم قتل الناس أو محاربتهم تحت أي حجّة كانت إلّا إن انسلخوا عن مدنيّتهم وراحوا ليحاربوا أهل الدين، ويقاتلهم ويظاهروهم على أوطانهم وبلدانهم ودينهم، وهم بهذا أصلا لم يعودوا مدنيين قال تعالى: "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" البقرة: 190.

والاستثناء الآخر هو القتل الخطأ في المعركة، فمثلا إذا احتمى المحاربون المعتدون بالنساء والأطفال والأبرياء ووضعوهم في خط المواجهة، على المسلم أن يتفادهم فإن شقَّ عليه وقتلهم خطأً فلا إثم عليه، وإن لا وكان فعله عمداً فيكون من القاتلين! قال تعالي: "وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا" الإسراء: 33. ومن وصايا أبي بكر لأمراء الجُند: "لا تقتلوا امرأةً، ولا صبيًّا، ولا كبيراً هَرماً، ولا تقطعوا شجَراً مُثمراً، ولا تُخرِّبُنَّ عامراً، ولا تَعقرنَّ شاةً ولا بعيراً إلاَّ لمأكلة، ولا تُغرقُنَّ نخلاً ولا تحرقنَّه، ولا تغلل، ولا تجبُن"
والكثير من الآيات والأحاديث، والمواقف النبوية، ومواقف أصحاب رسول الله التي لا يسع ذكرها كلها هنا، والتي تفيد بأن الإسلام دين الإنسان وطريق الحب.

إن الإسلام قد جاء مُحرّراً للإنسان من عبودية أهل الأرض، فاتحاً لقلبه بأسمى الآيات، ومذكّراً بأن أعظم ما أعُطي الإنسان حرّيةٌ لا تُقيّد، واختيارٌ لا يغتصب، وشعورٌ سماوي يَنسلُّ إلى جوف الفؤاد ليعمره خضرةً ودهشة

فإن كان رب العباد حرّم قتل الأبرياء، ورسول الرحمة محمد(صلى الله عليه وسلم) طبّق شرعه وأوامره، والصحابة أحبوا فقلّدوا وطبّقوا، وقرآننا بين أيدينا، وأخبار الرسول وأحاديثه في اليد الأخرى تنادينا بتطبيق أوامره، فمن المستفيد من هذا التحريف والتزييف إلا خوارج العصر وسلطات القمع، وأهل الديكتاتورية والفساد؟، ومن هم لأقدّمهم على هدي المصطفى؟، فأشهد أني من الكافرين بأفكارهم، وأحلامهم! إنهم يحاربون هذا الدّين لكسب السلطة وربط رقاب الناس، ولإرضاء نشوةٍ وحشية قذرة تتغلغل في أعماق نفوسهم المريضة وتدندن لهم دائما بأن اقتلوا واذبحوا. وبالمناسبة فنعم لا أحد يمثل الإسلام أو بمعنى أصح ينوب عنه أو عن ربه، وهذا فرق الإسلام عن أديانٍ أخرى، ومعتقدات جعلت لبعض الناس ولايةً باسم الله على العباد!، وفوّضتهم بمنح الجنان فتاجروا بها!

إن الإسلام قد جاء مُحرّراً للإنسان من عبودية أهل الأرض، فاتحاً لقلبه بأسمى الآيات، ومذكّراً بأن أعظم ما أعُطي الإنسان حرّيةٌ لا تُقيّد، واختيارٌ لا يغتصب، وشعورٌ سماوي يَنسلُّ إلى جوف الفؤاد ليعمره خضرةً ودهشة. شعورٌ يدعى الحب، ويشهد ذلك الشعور على محمد(صلى الله عليه وسلم) كيف غنّاه في كل لحظةٍ ومكان، وتشهد زينب كذلك، ابنته التي ظلّت تحبُّ زوجها أبا العاص حتّى بعد إصراره على الكفر، ولم تقدر على نسيانه، وقدّر الله أن يؤسر لدى المسلمين، فذهبت لذلك النبي العظيم، ومعها عقد خديجة.. حبيبة قلبه!، تريد أن تفدي به أبا العاص، فصرخت الدمعة منه ثائرةً للحب، ومنكسرةً أمامه، معتليه به، وأخذ العقد وأطلق سراح الرجل.

هذا هو محمد الذي يناديه شاعر الجنوب أحمد بخيت: 
ومحمّدٌ كُلٌّ فإذا كرهت
خسرتَ حُبّكَ كُلّهْ.
وهو نفسه الذي جعل المتصوف ابن عربي يقبل جميع الناس باسم الحب: 
لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي
إذا لم يكن ديني إلى دينه داني
لقد صارَ قلـبي قابلاً كلَ صُـورةٍ
فـمرعىً لغـــــزلانٍ ودَيرٌ لرُهبـَــــانِ
وبيتٌ لأوثــانٍ وكعـــبةُ طـائـــفٍ
وألـواحُ تـوراةٍ ومصـحفُ قــــــرآن
أديـنُ بدينِ الحــــبِ أنّى توجّـهـتْ
ركـائـبهُ، فالحبُّ ديـني وإيـمَاني.

فالحياة كل الحياة لهذا العالم، والحب كل الحب له.. حبٌّ محمّديٌّ إلهيٌّ خالص، والحرية كل الحرية لجميع الأبرياء بمختلف أشكالهم وألوانهم، وأعراقهم، وعقائدهم، وأحلامهم، وليحيا الإنسان!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.