شعار قسم مدونات

أسطورة اتزوجي واتستتي

blogs زواج

سمعت مرة مجموعة من المتزوجات يتندرن حول عبارات كن يرددنها دائماً وهن ما زلن صغيرات في بيوت أهلهن، يقلن: متى أتزوج وأرتاح من هالعيلة! والحقيقة أنهن كن يعكسن أحاديث الأهل التي تكرر على مسامعهن: لما تتزوجي اعملي اللي بدك إياه. وكأن العائلة كتب عليها أن تكون سجن الفتاة فيأتي الرجل ليحررها. ولكن تلك الفتاة ذاتها في نفس الوقت أمضت جزءاً يسيراً من حياتها تشاهد أمها وهي تشتكي من عدم قدرتها على فعل أي شيء، وكيف أنها ضحت بحياتها وآمالها من أجل أطفالها وزوجها، وربما دخل الحديث شيءٌ من الشكوى التي تتعرض لوالد الفتاة وعدم تقديره أو تحميله الأم فوق ما تحتمل.

 

فتطلع هذه الفتاة المسكينة علينا وهي في أوائل العشرينات مدفوعة بطبيعتها البشرية التي تسعى للبحث عن الشريك، ومدعومة بهرموناتها الطائشة التي تريد تغذية رغبتها في العاطفة والحميمية، ثم هي مكبوسة بخبراتها العائلية، محبطة من مشاهداتها الأسرية. يعني بصورة أدقّ: مصابة بنوع من الفصام المجازي، لا تعرف كيف توازن بين فطرتها وضرورتها الإنسانية، وبين غريزة البقاء التي تدفعها بعيداً عنها.

 

وأساس المشكلة في نظري تتوزع على طرفي المعادلة، فمن ناحية يصور للرجل أنه يتزوج حتى يجد من تنوب عن أمه تغسل وتنظف وتطبخ وتنجب و"تدير بالها عليه" وهو ما أسميه "أسطورة اتزوج وارتاح، أو في قول آخر اتزوج واعقل" وهو حديث سأتركه للمدونة القادمة إن شاء الله. أما الناحية الأخرى فهي التي تتعلق بالنساء اللواتي يصممن على الاحتفاظ بتصور غريب عجيب لا يوافق الواقع وليس عليه أي دليل، بل ويورثنه لبناتهن فيتسببن بصدمات معرفية فادحة، فتصاب يا حرام البنت بحالة من الجنون المؤقت والحاجة للتأقلم مع وضعها الجديد… أنا عن نفسي استغرقني الأمر حتى 6 أشهر بعد ولادة ابنتي الأولى حتى أشعلت تلك "اللمبة" في رأسي وقلت: أوه! لقد أصبحت أماً وربة منزل!

 

ستقولون: وما هي الحقيقة الخافية إذاً يا أمّ العريف؟

لنفترض جدلاً أن المرأة تعيش في بيتها ملكة لا تتعب ولا تنصب ولا يعتريها الهم ولا الكدر، طيب وهل هذه هي غاية حياة الإنسان؟ هل جئنا إلى هذه الدنيا حتى نتستت ونتدلل؟ وما لزوم الجنة إذا كان حالنا واحداً؟

والله يا جماعة ليست خافية ولا أنا أم عريف، ولكننا لا نحب أن نواجه الحقيقة فنرميها وراء ظهورنا ونقول خفيت علينا. يعني ببساطة، الزواج ليس سبب للراحة والتستيت (وهو لمن لا يعرف يأتي من كلمة ستّ، وتتستت يعني تتحول إلى ستّ، والناس تفهم التستيت على أنه التنعيم والتدليل)، والمرأة لا تتزوج حتى يصونها الرجل ويحميها ويكفلها بالمعنى الدارج، ولأ، التي ستتزوج ليس بالضرورة أن تحقق كل أحلام المراهقة وتقلد كل ما تشاهده من صور وفيديوهات لفلانة وعلانة، أبداً أبداً! وسأفصل لكم الأمر، لكن أولاً أريد من البنات أن يتفكرن جيداً في حقيقة موضوع التستيت هذا والذي صبغ بصبغة جديدة تقول المرأة ملكة في بيتها، وجوهرة مكنونة، و"بقولوا لك" فحمة تتحول إلى ماسة بعد أن تختبئ في باطن الأرض كم مليون سنة، والقصد غالباً بعد أن تنكبس وتنفعص تحت الضغط.

 

ولنفترض جدلاً أن المرأة تعيش في بيتها ملكة لا تتعب ولا تنصب ولا يعتريها الهم ولا الكدر، طيب وهل هذه هي غاية حياة الإنسان؟ هل جئنا إلى هذه الدنيا حتى نتستت ونتدلل؟ وما لزوم الجنة إذا كان حالنا واحداً؟ ترقية؟ الترقية تأتي بعد بذل جهد واستحقاق وليس بعد دعة وراحة. فإذاً لا يجب على المرأة أن تسعى أصلاً لشيء كهذا، ولا أن تفكر في أن تحقق أمراً كهذا من خلال الزواج، ولا أن يسخر العازبون من المتزوجين بحجة أنهم "شقيانين وتعبانين" وأن العازب والعزباء في نعيم بالهم خالٍ وعايشين الحياة بالطول والعرض. لأنه بطبيعة الحال عظم المسؤولية يستوجب الاحترام لا السخرية.  انتهينا من النقطة الأولى.

 

طيب يا أحلام من أي جاء هذا التفكير العقيم؟ أليس جزء من ديننا أن القوامة مسؤولية الرجل، وأن المرأة تقر في بيتها وأن الرجل إذا استطاع أن يستأجر لزوجته من تخدمها وترضع أولادها فليفعل؟ وأنا في الحقيقة أكتب الكلام ويعتريني تعبير يفصح عنه هذا الإيموجي (-_-)! وهل إذا كان الرجل مسؤولاً عن رعاية مصالح الأسرة والسعي في خيرها، هل يعني ذلك أن المرأة ليس لها دور؟ تقولون دورها الدعم العاطفي والنفسي والصبر والتحمل، طيب والتي تريد من حياتها أن تكون كاملة مكتملة لا ينقصها شيء فإذا حصل عايرت زوجها بما كان عليه حالها عند أهلها؟ ثم إن ترك العمل والجهد تماماً للرجال هو ما يرسخ عندهم فكرة الأفضلية على النساء، في عالم مادي يقول هو لنفسه: أنا اللي بصرف وبجيب، يعني أنا اللي معيشها، يعني تحمد ربها.. إلخ إلخ.

 

لذلك فأنا فعلاً وصلت لقناعة أننا يجب أن نحاول تغيير المفاهيم من حيث قيمة عمل المرأة في المنزل وحقيقة قوامة الرجل ولكن حتى يحدث ذلك ينبغي أن يتذوق كل منهما صعوبة ومشقة عمل الآخر حتى يستطيع أن يقدره، فالحكم على الشيء فرع عن تصوره. ودعونا نكون صادقين ونقول أن نسبة النساء التي تشارك في الإنفاق في زمننا زادت حتى تكاد تتساوى مع الرجال في بعض البلدان، فأي تستيت ذلك الذي تتحدثون عنه وتمنون على النساء به؟ هي ألعاب ذهنية فقط لا غير.

 

موضوع أن المرأة تقر في بيتها ليس من الدين في شيء، لا حكم مطلق في هذا الأمر وأعتبر من يقول به جاهلاً. بالنسبة لحكم خدمة المنزل والإرضاع الذي دوخ الناس في الآونة الأخيرة فينبغي أن يوضع في موضعه وسياقه التاريخي، لقد سمعنا كثيراً عن شكوى فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم وحشاشة قلبه مما تلقاه يداها من أثر الرحى، فقسم والدها الأعمال بينها وبين علي رضي الله عنه لها داخل المنزل وله خارجه من جمع حطب وسقيا وجلب طعام، ولم يكن عندهم مال لاستئجار خادم، وغير فاطمة رضي الله عنه الكثير من الصحابيات وأمهات المؤمنين.. كانت الأولوية في إدامة السلام الداخلي وبناء علاقة أصلها المشاركة والتوازن.

 

لا ينبغي أن يسعى أصحاب الحضر والطفل والطفلين وقد توفرت لهم أساليب التسهيل والتيسير إلى تتبع أحاول السابقين بالحرف والكلمة.. وأن مثل هذه الفتاوى تترك لحل النزاع إذا جار طرف على آخر وظلمه لا سيوف نمشي بها بين الناس

والأمر ذاته ينطبق على الرضاع، فليست القضية في تساوي خيارين، أن ترضع المرأة أو لا ترضع سواء، بل بالتأكيد الفضل في الإرضاع، ولا ينبغي أن يكون تركه ذلك إلا للضرورة تؤذي المرأة أو الطفل، يقولون كانت النساء يستأجرن المرضعات، المرضعات من لحم ودم لا العلب الحديدية! على الأقل إن كان صعباً إرضاعه مباشرة لعمل أو انشغال فيمكننا استخدام المضخات التي تخزن حليب الأم في أكياس في المجمدات وتتركها الأم مع من يرعى طفلها أو ترضعه هي عندما يحتاج بالرضعة البديلة، أما ترك الأمر بالكلية ببساطة هكذا فلا أراه مقبولاً مع اعترافي بصعوبة الإرضاع ومشقته وقد جربته وخبرته ولكننا نقدم منفعة مستدامة على مشقة مؤقتة. ومثله في ذلك النساء اللواتي تخترن العودة للعمل بعد الإنجاب بقترة قصيرة دون الحاجة للعائد المادي لأنها تستصعب ملازمة الطفل ولا تريد ترك عملها، الأسهل هنا أن تترك طفلها للحضانة والقريبة وتخرج لتحس بالرضى عن نفسها، لكن ما الصواب وإن شقّ على النفس؟

 

على كلّ، خلاصة قصدي أنه لا ينبغي أن يسعى أصحاب الحضر والطفل والطفلين وقد توفرت لهم أساليب التسهيل والتيسير إلى تتبع أحاول السابقين بالحرف والكلمة.. وأن مثل هذه الفتاوى تترك لحل النزاع إذا جار طرف على آخر وظلمه لا سيوف نمشي بها بين الناس.

 

أعود إلى نقاشي لفكرة الراحة تلك، والتي منها تتفرع مشاكل كثيرة، فأنت يا عزيزتي ومن قبلك أنا إن دخلنا مضمار الزواج ونحن نعتقد أن نتيجته هي الراحة فلن يصيبنا إلى العناء، فكيف يكون مريحاً أن تتغير حياتنا رأساً على عقب، لأول مرة نتشارك الحياة مع رجل في بيت واحد وطوال الوقت، بيت جديد أنت مسؤولة عنه تماماً غالب الوقت، وإن كنت تعملين فعليك أن تجدي التوازن بين هذا وذاك واستحداث نظام جديد مع زوجك حتى لا تفقدي عقلك، ثم إذا أنجبت زادت الأحمال  وزادت معها المطالب النفسية والحاجة لمصارحة النفس بحقيقة المسؤولية، وهكذا .. فأي راحة تلك وأي تستيت؟

يقولون: الزواج يقتل الحب! وهل الحب إلا سلوك نبذله في سبيل أن أسعد ومن أحب بحياتنا معاً؟ ليس الحب شعوراً يأتي ويذهب دون تحكم منا، هو مجهود نبذله ونستثمر فيه ونغذيه، أما من يعتمد على الحب المجرد العاطفي فقط حتى يحافظ على علاقاته فغالباً ما ينتهي الأمر بالفشل.

 

لماذا نتزوج إذاً يا أحلام إذا كان هذا هو الحال؟ لماذا نصعب الحياة على أنفسنا؟

الحياة صعبة بدون زواج يا أصدقاء، ولكنها تبدو أصعب كثيراً ونحن نخوضها وحيدين بلا رفقة ولا شراكة، وإن كان الزواج يجعلها أصعب، فهي صعوبة تهون في وجود صحبة ومؤانسة. ثم أنني سأكرر للمرة الألف، فرق كبير بين التيسير والاستسهال، ونحن جيل المستسهلين بجدارة! طيب هل يجب أن تكون الصحبة زوجاً؟ يمكن أن نعيش الحياة مع أصدقاء؟ أنت هكذا تكذب على نفسك وتصدق كذبتك، قال خالقك: "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا" فكيف تقول سأستبدلها بصديق؟ تعاند الفطرة، وتتجاهل آية من آيات الله.. "وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا".

 

سيطلع علي ذلك المتسرع الفرقع لوز ويقول لي: يعني نتزوج وخلاص! أليس الأصلح ألا نتزوج بدلاً من زواج فاشل؟! سؤال اختزالي يكرس مفهوم الاستسهال الذي نعيش به. لا الأصلح أن نسعى لنتزوج من شخص جيد، الأصلح أن نسعى لنعمل على العلاقات التي بدأناها بدلاً من سرعة التململ والبحث عن المجهول، الأصلح أن نتصالح مع حاجتنا وندرك حقيقتها ونضعها في موضعها.. لا أن نمشي فاتحين صدورنا نقول: أنا لا أحتاج إلى أحد، أنا سعيد بوحدتي، ونبيع للناس الوهم والتعاسة.

 

لا تبحثي عن الراحة، لا تستسهلي الأمور، ابحثي عن رضا يأتي بعد بذل، وعطاء يأتي بعد جهد، وسعادة في مشاركة، لا في أخذ واستقبال.. لا تحسي بالمظلومية إذا اضطرتك الظروف لمساعدة زوجك فحال الدنيا التي نعيشها من سيء لأسوأ

والفرقع لوز الآخر الذي سيأتي ليقول: من لم يكتب له الزواج رغم سعيه ورغم رغبته لماذا لا تحترمين مشاعره؟ أحترم مشاعره وأؤمن بأن ربما هذا هو ابتلاؤه في الحياة أو جزء منه، ولكن هل ذلك يعني ألا أحدث الناس عن حاجتنا للزواج وعن ضرورة وعينا بحقيقته؟ خطأ المجتمع في أن حول الأمر إلى عيب يعاير به الناس شيء، وواجبنا في تبيان الصواب للناس شيء آخر.

 

طال مني الموضوع، وتشعب.. في المرة القادمة أتابع الحديث عن أسطورة الزواج عند الرجال.. ولكنني أختم بحديث للفتيات: لا تبحثي عن الراحة، لا تستسهلي الأمور، ابحثي عن رضا يأتي بعد بذل، وعطاء يأتي بعد جهد، وسعادة في مشاركة، لا في أخذ واستقبال.. لا تحسي بالمظلومية إذا اضطرتك الظروف لمساعدة زوجك فحال الدنيا التي نعيشها من سيء لأسوأ، وبدلاً من كره الحياة وتوريث هذا الغضب لبناتك وأبنائك، حاولي كثيراً أن تتخففي من توافه الأمور التي تثقل كاهلك (من المظاهر وأساليب الحياة) فكم من مجهود يضيع فقط حتى نرضي الناس أو نتحاشى تعليقاتهم، ولو كنا سخرنا طاقتنا في أمور يصلح بها حالنا ليسرنا أمورنا كثيراً. وأخيراً، توقفي عن محاولة الظهور بمظهر المرأة الحديدية، فهذا أسوأ ما قد تفعلينه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.