شعار قسم مدونات

تجاعيد على وجه الوطن

blogs الصومال

هي تلك الصفحة المشرقة التي لا تُقلب، وذلك العزم الأبي الذي لا يُغلب، وذلك العطاء الذي لا ينضب، وذلك النجم الذي لا يأفل ولا يغيب، هي تلك القصيدة التي لم تكتب، هي ذروة الإعمار في وجه من يحرثون الخراب، هي الحقيقة وسط السراب، هي الحب في زمن الحروب، هي التي لا تلتفت قطعاً لإغراءات الغرب، وإن جاعت دينها لا تبيع.

هي تلك الحرة الأبية التي لغير ربها لا تركع، هي الســـلام المفقود في غمرة النزاع والصراع، هي الصابرة حتماً والتي بالقليل دوماً تقنع، هي التي تطعم صغارها لتجوع، هي التي لم تزلزلها الخطوب ولم تهزها الفواجع، هي تلك الشجرة التي تحت ظلالها نجتمع، هي تلك التي طفقت تخسف أوراق الصبر على الواقع لتداري بها سوءة هذا الوطن، هي التي تزيل أشواك الألم لتزرع بذور الأمل، هي تلك التجاعيد البادية على وجه الوطن، هي تلك اليد الممتدة التي تهون علينا هول المحن، هي التي تهرول كهاجر لتطوف بين مآسي الوطن وتظل رغم العواصف هي الشراع هي الأمان هي الوطن.

هي التي تنسج من نسيجها بيوتاً وهي التي تكابد وتشمر عن ساعديها لتأمين لقمة العيش في ظل البطالة التي تتربص بالرجال، هي النصف المشرق من الوجه الأفريقي الأسمر كسمرة القمح.

هي تلك العجوز التي تتكئ على عصاها لتهش بها على غنمها الذين ماتوا في مواسم الجفاف فلم تخف ولم تجزع ولكنها نظرت إلى السماء بيقين وقالت مبتسمة: ستمطر، هي تلك الأم التي حُرمت في صغرها من التعليم ولم تفقه غير في عد الخراف التي ترعاها، ولكنها كانت تفكر في سرها بما يحمله لها الغد، لذا كانت تخطئ بالعد، حتى غدت في كِبرها مدرسة تتعلم منها الأجيال، لأنها قد أرضعت صغارها حب العلم وظلت تردد في مسامعهم "التعليم في الصغر كالنقش على الحجر" وسعت جاهدة ليُكملوا تعليمهم ومهدت لهم بعناية طريق المستقبل لكي لا يتعثروا مثلها في دروب الجهل.
 

النساء الصوماليات هن المناضلات هن المكافحات، هن السفيرات المغتربات بجسدهن والمتواجدات بقلوبهن هن المكتحلات بصبرهن وبعزمهن، هن الجميلات بنقاء فطرتهن، هن البراعم الصغيرات اللآتي كبرن قبل أوانهن، وكفاح الأمهات وطموح اليافعات ودفأ حكايا الجدات، هن الفراشات المحلقات في حقول الوطن، وهن حتماً في كافة المجالات نماذج مشرفه يستحق بأن يحتذى بها، لذا يصعب إختزالها في كلمات، فهي ذلك الشعاع البادي في وسط العتمة.
 

وسأسرد بعض النماذج لنساء صوماليات ملهمات حملن شُعلة التميز، كزوجة الأمام المجاهد أحمد بن إبراهيم الغازي الذي أبلي بلاء حسناً في رفع لواء الإسلام وخاض معارك حامية الوطيس مع الحبشة والبرتغاليين، وقد كانت " دلونبرة " ترافقه في معاركه حتى في حملها، ولما أستشهد في أحد المعارك الطاحنة، لم تندب كالخنساء ولكنها قبل أن تتزوج من "نور الدين بن مجاهد" ابن أخته اشترطت عليه مقاتلة الأحباش ثأراً لمقتل زوجها، فما لبث إلا وأن حقق لها كما سمي "الفاتح الثاني " "نور الدين بن مجاهد" طلبها وقاتل الحبشة بضراوة حتى قتل الإمبراطور "قلاوديوس".

وكالجبل الأشم كان جبروت الملكة أراويلو التي حكمت بلاد البونت قديماً (أرض العطور والبخور) والتي كانت تؤمن بحظوة النساء وأحقيتهن في القيادة وعرفت بجمالها الآخاذ وشخصيتها الفولاذيه، وكذلك المناضلة "حواء عثمان تاكو" التي نُصب لها تمثال في مقديشو تخليداً لتضحياتها الجسيمة والتي استشهدت أثناء مشاركتها في مظاهرة للتنديد بالاستعمار الإيطالي، وجواً حلقت المرأة الصومالية عالياً حين قادت "أصلي حسن" الطائرة الحربية لتحرير الأراضي الصومالية التي قد اغتصبتها إثيوبيا.

النساء الصوماليات هن المناضلات هن المكافحات، هن السفيرات المغتربات بجسدهن والمتواجدات بقلوبهن هن المكتحلات بصبرهن وبعزمهن، هن الجميلات بنقاء فطرتهن.

وصحياً أسست الدكتورة "آدنا آدم" مستشفى الأمومة والذي يحوي جناحا لتدريب الممرضات لتجنيب النساء مخاطر الولادة في ظل ظروف غير ملائمة، فالمرأة الصومالية يفاجئها المخاض العسير فتهز إليها جدع النخلة الخاوية، وتدعم أيضاً قضايا تخص المرأة كالعنف والختان وتقلدت عدة مناصب سياسيه في شمال الصومال، وقد حصلت على الدكتوراة الفخرية من جامعة كلارك والزمالة الفخرية بجامعة كارديف.

وسياسياً تبوأت مناصب رفيعة سابقة غيرها، فكانت فوزية يوسف أول وزيرة خارجيه للصومال، كما حصلت كل من "فرتون آدن" و"فرحيو فارح" على جائزة أشجع نساء في العالم لدورهن في الدفاع عن حقوق المرأة الصومالية، وعالمياً انتخبت الهان عمر كأول امرأه صومالية يتم انتخابها لمنصب تشريعي في ولاية مينيسوتا، أما هيباق عثمان صومالية هي ناشطة حقوقية، وقد صنفت كواحدة من النساء المسلمات الأكثر تأثيراً من أصل خمسمائة، وهي المؤسسة والرئيسة التنفيذية لصندوق المرأة العربية ومؤسسة منظمة كرامه.

وكذالك الناشطة الصومالية عائشة حجي في مجال السلام وحقوق المرأة وقد حازت على "جائزة نوبل البديلة" في عام 2008، ولا يختلف الحال بالنسبة للناشطة "حواء آدم" المؤسسة لمركز لتنمية السلام والفائزة بجائزة نانس للاجئين في عام2012، أما "أمينه محمد جبريل" صومالية الأصل فقد تقلدت منصباً في المنظمة الدولية للهجرة وتدرجت في المناصب السياسية في كينيا حتى عينت كأول وزيرة مسلمه للخارجية.

وفي مجال البيئة برعت "فاطمه جبريل" وهي ناشطة بيئية صومالية أولت التغيرات البيئة اهتماما بالغاً وحصدت على جائزة "غولدمين" البيئية العام 2002، وعلى جائزة "أبطال الأرض" من الأمم المتحدة في العام 2014 وجائزة تكريم للتنمية البيئية المستدامة في العام 2016، وفي ميادين الشعر تألقت الشاعرتان الصوماليتان زهراء كوشن والحائزه على جوائز أدبيه، والشاعرة ورسن شيري الحاصلة على جائزة اينوجورال برونيل للشعر الأفريقي.
 

هي تلك الحرة الأبية التي لغير ربها لا تركع، هي الســـلام المفقود في غمرة النزاع والصراع، هي الصابرة حتماً والتي بالقليل دوماً تقنع، هي التي تطعم صغارها لتجوع، هي التي لم تزلزلها الخطوب.

وهذه بعض من النماذج على سبيل الذكر لا الحصر ولقد حاولت بأن أقطف لكم من كل بستان زهرة فاح عبق شذاها وسطرت سيرتها ليظل رحيقها عالقاً في الأذهان سواءً في فترات السلم والرخاء أم في أوقات الشدة والحروب، فالمرأة الصومالية قد عرفتها الشدائد فكانت حاضرة في ميادين الحرب كمواطنة باسلة تدافع وتذود عن أرضها وتضمد جراح الرجال وتشد من أزرهم بشعرها، وفي السلم لمع بريقها فكانت عطاءَ بلا حدود وكفاحاً لا ينقطع.

هي التي تنسج من نسيجها بيوتاً وهي التي تكابد وتشمر عن ساعديها لتأمين لقمة العيش في ظل البطالة التي تتربص بالرجال، هي النصف المشرق من الوجه الأفريقي الأسمر كسمرة القمح، وطنيتها هي هويتها وصمودها هو سر بقائنا، هي صانعة الرجال، وبها تشم رائحة الوطن وتلتمس فيها أصالة الماضي وإصرار الحاضر وطموح المستقبل.

هي كالنحلة التي لم تبعدها الغربة عن أزهار الوطن بل سخرت كل طاقاتها لخدمة الوطن وساهمت في بناءه، وأثبتت نجاحها على كافة الأصعدة فكانت منهلا للعطاء ونهرا يتدفق بسخاء، ورمزاً للصمود والوفاء، أبيةُ شماء ترفع الصمود لواء، هي لبنة البناء لذا لن تكفيها كل كلمات الاحتفاء، هي باختصار نشوة الانتماء و نبض العطاء هي إمراه حتماً ليست ككل النساء ولست نصف المجتمع وحسب بل هي ثلاث أرباعه أو ما يزيد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.