شعار قسم مدونات

نساء ناجحات ولكن..

blogs امرأة

فازت بانتخابات الحزب، وبرزت كأقوى النساء في بلادها الإسلامية، حتى أصبحت أول رئيسة وزراء مسلمة تدعمها دول الغرب الكبرى، تحت شعار تمكين المرأة ونشر الديمقراطية، وعندما اغتالها المتمردون، اكتشف مناصري المرأة والديمقراطية، أنها كانت امرأة متسلطة، فقد أورثت حكم الحزب لابنها الأكبر، دون أن توصي بعمل انتخابات ديمقراطية.

انتسبت لإحدى أحزاب المعارضة، وثارت مع الثوار تطالب بالحرية والعدالة والقضاء على الاحتلال، فناضلت وانتفضت وقاطعت، وعند أقرب فرصة لنيل منصب حكومي ما، تنازلت عن مبادئها وتخلت عن ثورتها حتى تحافظ على راتبها الشهري، وأصبحت تتنافس مع غيرها من المدراء في المؤسسات الحكومية، من أجل السفر للمشاركة في مؤتمرات بالخارج على نفقة الدولة.

***

 

كانت فتاة متمردة تنتقد العادات والتقاليد، وتطالب بحرية المرأة، فتهافت عليها الصحف الغربية من أجل الاستشهاد برأيها حول مدى الاضطهاد الذي تشعر به المرأة العربية في مجتمعها، حتى أصبحت من أشهر الناشطات النسويات بمجتمعها، فتسابق عليها الرجال من أجل صداقتها والتعرف على أفكارها الجريئة، ووقعت بالحب مرارا، وألهمت مشاعر المثقفين من الرجال الذين كانوا بعد أن يعيشوا قصص ثورة الحب معها في زمن القهر السياسي، يتراجعون ويستسلمون لعادات مجتمعهم، فتصبح هي عاشقة لهم ويصبحوا هم أزواجا مثاليين لنساء غيرها.

النجاح لا يقاس بمدى الشهرة أو حجم الثروة أو التفوق المهني والأكاديمي، النجاح هو مدى قدرة الشخص في المساهمة بخدمة مجتمعه، ونهضة وطنه، بدون انتظار مقابل مادي أو معنوي

فأصبحت تلك الفتاة تعشق سيجارتها، وتصادق فنجان قهوتها، وتقوم بنشر قصص تمردها على الحياة والمجتمع المغلق، عبر فتحة صغيرة محفورة في جدران موقعها الإلكتروني، التي تُعد متنفس صغير من السجن الكبير الذي يحاصر أفكارها المتمردة وأحلامها الثائرة.

***

أصبحت فنانة مشهورة، وتألقت عبر أكبر شاشات السينما العربية، فانجذب إليها كبار رجال الأعمال، وأشهر الأثرياء، وأهدوها أثمن المجوهرات، حتى وقعت في فخ الأجهزة الأمنية الفاسدة ببلادها، الذين فرضوا عليها أن تمثل دور العاشقة مع نجوم السياسة والإعلام، وعندما انتهت صلاحيتها الجمالية، أصابها المرض، وذهب سُلطانها ثم نشرت الصحف خبر انتحارها الغامض.

***

ذهبت لأداء العمرة، لكي تدعو ربها بأن يوفقها في حياتها العملية، ويحمي أبنائها وزوجها من شر حاسد إذا حسد، وعندما عادت إلي بيتها، أسرعت لكي تتفقد بلهفة شديدة بريدها الإلكتروني، وتتابع بنهم كبير الرسائل التي وصلت إليها من مديرها، فقطعت إجازتها وتركت أبنائها، لكي تُثبت نفسها بالعمل أنها موظفة مثالية وذات كفاءة وتستحق الترقية، أصبح الوقت متأخرا، وهي مازالت تعمل بالمكتب وأطفالها ينتظرونها بالبيت، وكانت في كل مرة تتأخر بها عن العودة للمنزل تحاول تُقنع زوجها المخلص أنها مجبرة على الدوام الطويل، من أجل إرضاء مدراء العمل، وتمديد عقد عملها، وبعد أن انتهت فترة المشروع التي تعمل عليه، أرسل لها صاحب العمل رسالة شكر وإنهاء للخدمة، فعادت إلي منزلها لكي تبدأ من جديد، وتبحث عن عمل جديد، لعلها تسترجع مرةً أخرى مجدها المهني.

***

 

علينا أن لا ننخدع بالكلمات المتألقة ولا المظاهر الزائفة، فالناس مصالح، والمناصب زائلة، والعبرة في النهايات

كانت جميلة ورقيقه مثل النسمة، وابتسم لها الحظ، وتزوجت من رجل مهم، ثم أنجبت الأطفال، وتفوقت بعملها، وحصلت على وظيفة دولية مرموقة، وبمرتب مرتفع، وتهافت أصحاب المصالح للتقرب منها، من أجل نيل مصلحة أو منفعة ما، فاغترت بنفسها، وتجاهلت غيرها من النساء العاديات المحدودات الدخل، وعندما بلغت عمر الستين عاماً، تقاعدت عن عملها، وأصبحت مجرد امرأة عادية، تقضي وقتها بمشاهدة مسلسلات التلفزيون الرمضانية، ولم يرن هاتفها المحمول إلا مرة واحدة بالشهر، فوجدت نفسها معزولة عن عملها الاجتماعي، ولم تجد حولها سوى ذكريات، وروايات ترويها للأحفاد حول إنجازاتها المهنية السابقة، وعن غدر وخداع أصدقاء المصلحة، الذين تخلوا عنها فور انتهاء صلاحية منصبها. 

تلك نماذج واقعية لنساء نصادفهن غالبا بحياتنا اليومية، نعتقد أنهن ناجحات ومتميزات وأنهن يتمتعن بحياة أفضل منا ويتمتعن بحظوظ أكثر منا، لكن ليس كل ما يلمع ذهبا! فالنجاح لا يقاس بمدى الشهرة أو حجم الثروة أو التفوق المهني والأكاديمي، النجاح هو مدى قدرة الشخص في المساهمة بخدمة مجتمعه، ونهضة وطنه، بدون انتظار مقابل مادي أو معنوي من أجل الشعور بالرضا عن النفس وتحقيق الذات، والمشاركة في خدمة الإنسانية جمعاء ليشعر بطعم السعادة الحقيقية، التي يمكن أن تتحقق عندما يجد نفسه قادر على التأثير، وأحداث تغيير إيجابي، ليس فقط بمحيط مجتمعه الصغير بل على مستوى المساهمة في تطوير البشرية كلها لصالح الخير والسلام .لذا علينا أن لا ننخدع بالكلمات المتألقة ولا المظاهر الزائفة، فالناس مصالح، والمناصب زائلة، والعبرة في النهايات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.