شعار قسم مدونات

الشعور بالامتنان أسلوب حياة

blogs الامتنان و الشكر

جميل أن نشغل أوقات الفراغ بذكر الله والاستغفار، وجميلٌ أيضاً أن نشغل عقولنا -في بعض تلك الأوقات- بالتأمل والتفكير، بتنمية بعض المشاعر التي تساهم في ارتقاء أرواحنا، ومنها شعور الامتنان، لذلك، فقد قررت وأنا انتظر تجهيز الساندوتش أن أتأمل ذلك العامل النشيط، الذي يحاول جاهداً إنهاء طلبيات زبائنه، يقتات ببيع الطعام الجيد، يخدم الآخرين مقابل بعض كسرات من المال.

كم نحن مدينون لهم، كل من يخدمنا في شيء، رغم أننا نعطيهم المقابل، فلو كانوا أغنياءً لما احتاجوا أن يعملوا في خدمة الناس مثل تلك الخدمات البسيطة، تلك الخدمات التي لا غنىً عنها، فنحن لا نستغني أبداً عن المزارع والطباخ وعامل النظافة، بينما يمكن الاستغناء -بكل بساطة- عن المدير والشيخ والوزير، وخاصة في عالمنا العربي.

الشعور بالامتنان يا صديقي سلوك يساهم في تغيير الفرد 180 درجة، يحول الإنسان من حالٍ إلى حال، هو أصل ومنبع من منابع الخير والصلاح، فمنه تنبت شجرة الحب، فأنت تحب من يسدي لك معروفاً، ولن يكون ذلك إلا بالشعور أولاً بذلك الفضل الذي يمنه عليك، قد تعتقد أن العامل البسيط بحاجة إليك أو إلى مالك، لكن في الحقيقة أنت تحتاجه أكثر، الله من قدر عليه رزقه كي يخدمك، من أجل أن تتفرغ أنت لما هو أكبر، لتخدم البشرية من جهة أخرى، لتكمل الدائرة.

أعطني مشكلة في العالم على مستوى الأفراد وسوف يحلها لك هذا الشعور، حين يكن صادقاً نابعاً من القلب، فعلى مستوى الحياة الزوجية، سوف تختفي الكثير من المشاكل عندما يتحلى كل فرد فيهم بهذا الشعور تجاه الآخر

أحياناً أشعر بالامتنان الشديد لأطفالي الصغار، لتلك الضحكات والمرح والأمل المرسوم في أعينهم، بعدم الخوف من الأحداث ولا الاكتراث للمصائب، كم لطّفوا لنا الأجواء وخففوا عنا مشاق الحياة، كم غرست ضحكاتهم في القلب بسمات حين حل الجدب فيه، كم نحن بحاجة إليهم في حياتنا، ليسوا هم فقط من يحتاج إلينا، صحيح أنهم يتعلمون منا أصول التعامل مع الحياة، لكنا أيضاً نتعلم منهم فنون الاستمتاع بها.

أعطني مشكلة في العالم على مستوى الأفراد وسوف يحلها لك هذا الشعور، حين يكن صادقاً نابعاً من القلب، فعلى مستوى الحياة الزوجية، سوف تختفي الكثير من المشاكل عندما يتحلى كل فرد فيهم بهذا الشعور تجاه الآخر، وعكس ذلك أن يعتقد الفرد أنه صاحب الفضل ولولا وجوده لكان وكان، وحينها تنشأ الخلافات وتحل المشاكل، تصنع الزوجة العجائب لإرضاء زوجها لكنه لا يشعر بذلك، فهو واجبٌ عليها، ولا تجد منه كلمات طيبة ومشاعر صادقة، أو قد يعطي الزوج من ماله ووقته لزوجته، لكن هي غير مقتنعة وتريد المزيد، وحينها يكون الشرخ الأسري الذي يتسع مع الأيام.

أنا لا أدعوك أن تشعر بالامتنان لمن يقدم لك خدمة مجانية أو معروفاً تطوعياً، فهو أمر شائع ومجبول عليه الناس، بل أدعوك للانتقال خطوة للأمام، وأن تبدأ بتنمية هذا الشعور لكل من حولك ممن يقدمون لك خدمات مدفوعة، لكنهم يتقنون عملهم، وتحصل عليها أنت بمقابل زهيد، أن تتوجه بهذه المشاعر للبسطاء من الناس أصحاب الأعمال الحرفية، لمن يعمل بجد وبصدق ويقدم ما لديه بنفس طيبة وروح معطاءه، فهؤلاء حقاً هم من يجعلون العالم مكاناً أفضل للعيش.

وعكس ذلك تماماً، من لا يشعر بهذا الشعور تجاه من يخدمه دون مقابل، قد يكون أمر بسيط يتمثل في معلومة مفيدة أو استشارة عابرة، فيمضي في حياته دون حتى كلمة شكر، دون ابتسامه صادقة ومشاعر تظهر على الوجه، تلك الشخصيات تعاني من تشوهات شعورية حادة، يعانون في الحياة ويعاني من يحتك بهم، وقد يكون ذلك بسبب خلل في التربية، لذلك فتنمية تلك المشاعر في الأطفال هو أولوية لكل أب وأم.

إن أردت أن تسلك طريق حب المولى عز وجل، فأقصر الطرق هو الشعور الصادق بالامتنان، حينها لن تجد الأمر صعباً أن تصحوا في الفجر للذهاب للصلاة في المسجد، لن يكون التزاماً بقدر ما سيكون طقوس شكرٍ لمن أحببته لكثر عطاياه ومنحه

وقبل كل ذلك وأهم منه، حين نتعامل مع الله بهذه المشاعر، مع الرب الكريم مولي كل النعم، وصاحب الفضل الأول والأخير لوجودنا على متن هذه الحياة، مَن تفضل علينا بالمشاركة في هذه الرحلة الجميلة، وأتاح لنا الفرصة بأن نتطور ونكبر ونفهم، فكلما مضى الإنسان في حياته، اكتشف تدابير الرحمان في تسيير أموره وتحقيق أحلامه، وعرف بعض خفايا قضاءه ولطائف أقداره، فيشعر العبد أنه محاط بنعم الله من كل جانب، فيتوجه للصلاة وقد امتلأ قلبه بهذا الشعور الآسر، ثم يرسل بعض دمعاته كدليلٍ صادق على هذا الامتنان الغامر.

إن أردت أن تسلك طريق حب المولى عز وجل، فأقصر الطرق هو الشعور الصادق بالامتنان، حينها لن تجد الأمر صعباً أن تصحوا في الفجر للذهاب للصلاة في المسجد، لن يكون التزاماً بقدر ما سيكون طقوس شكرٍ لمن أحببته لكثر عطاياه ومنحه، وستدرك أن عملك الصالح وتقواك هي أحد وسائل الشكر العملية، وحينها ستتحول حياتك إلى رحلة ردٍ للجميل، ذلك الجميل الذي لن تتمكن من رد جزء يسير منه، أما آثراك في الحياة فستكون طيبة، وبصمتك صالحة، وستحمل الخير معك أينما ذهبت.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.