شعار قسم مدونات

قضية جنوب اليمن تحتاج حلاً

blogs - yamen
كل عام في يوم 22 مايو يحيي اليمنيون ذكرى الوحدة اليمنية ولكن هذا العام "عيد الوحدة" سيكون بطعم مختلف، حيث اتخذ أهل جنوب اليمن هذا العام إجراءات عملية لفك الارتباط مع صنعاء عبر مجلس انتقالي أسسه محافظ عدن -السابق- "عيدروس الزبيدي" وسط دعم شعبي هائل من النخب الجنوبية وغطاء إقليمي وفرته بعض الجهات التي تريد حرق الأرض على حزب الإصلاح "الإخوانجي".
 

بعيدا عن خطاب التآمر فإن الدعوة إلى تفكيك اليمن -القديم- وإنشاء "يمنات جديدة" لها ما يبررها في اعتقادي، فلم يستمتع اليمنيون بالوحدة سوى بضعة أعوام قبل أن تتحول الوحدة اليمنية إلى نقمة عندما أشعل علي عبدالله صالح وحلفاؤه من الإخوان المسلمين حرب عدوانية ضد جنوب اليمن بحجة القضاء على الشيوعية، وكان من نتائج هذه الحرب أن كفر الجنوبيين بالوحدة وأهدافها كفرا تاما وأصبح كل أملهم ينحصر في فك الارتباط مع صنعاء واستعادة دولتهم التي خسروها لصالح الشمال في 1994م.
 

الخطاب الحاشد الذي ألقاه عيدروس الزبيدي الذي يشابه المليونية لم يكن وليد اللحظة وغضبة عيدروس على عبدربه يجب أن لا ينظر لها أنها مثل غضبة "أخيل"، بل إن هذا الغضب الجماهيري الذي انفجر لم يكن سوى نتاج غضب متراكم عند الجنوبيين حاولت وتحاول إخفاؤه أجهزة الإعلام العربي اعتقاداً أنها عندما لا تقول الحقيقة فإنها تخدم وحدة اليمن واستقراره ولكن هذا لم يحدث ولن يحدث.
 

الوقت قد فات لأي حل سياسي أو تنموي لقضية الجنوب، فالجنوبيين باتوا مقتنعين الآن أكثر من أي وقت آخر أن لهم هوية مختلفة عن الشمال خصوصا بعد الجرائم العنصرية التي ارتكبها علي عبدالله صالح بحق إنسان جنوب اليمن بعد حرب 1994م.

فالواقع يقول أن الحراك الجنوبي قد ناضل بشكل سلمي شعبي من عام 2007م وحتى يومنا هذا من أجل إقامة دولة جنوبية وأقاموا مسيرات ومظاهرات شعبية وإضرابات رافعين علم الجنوب مطالبين بفك الارتباط، غير مهتمين بالثورة الشعبية التي اجتاحت اليمن ضد علي عبدالله صالح، فقد اعتبروا ثورة 11 فبراير العظيمة مجرد خلاف تكتيكي بين حكام صنعاء، وعندما قام الحوثيين باجتياح في ليلة 21 سبتمبر المشؤومة فجماعة الحراك الجنوبي لم يشجبوا أو يدينوا بل حاولوا أن يستفيدوا من الخلافات في صنعاء من أجل أن يتمددوا على الأرض (عسكريا وأمنيا) باعتبار أن الدولة في صنعاء سقطت.
 

لقد كان التحول الاستراتيجي الكبير في القضية الجنوبية هو هجوم الحوثيين على عدن وعلى قاعدة العند الاستراتيجية، هذا الهجوم الذي دفع السعودية للتدخل العسكري باعتبار أنه إن خسرت السعودية "شمال اليمن" فإنها لا ترغب في أن تخسر كل اليمن وكانت عاصفة الحزم الذي منحت دعما سياسيا وعسكريا لمواطني جنوب اليمن ساعدهم في تحرير غالبية مناطقهم من الاحتلال الحوثي.
 

ما إن مر عام على عاصفة الحزم حتى كانت أغلب المناطق الجنوبية التي سقطت في يد الحوثي قد عادت واندحر فيها جيش علي عبدالله صالح ولجان الحوثي الثورية وبدأ الجنوبيين المهجرين بالعودة إلى ديارهم وتعميرها، إلا أن سعادتهم هذه لم تكتمل إذ واجه الجنوبيين عدو جديد لا يقل سوءاً عن الحوثي وهو التطرف الإرهابي الذي يستوطن بعض مناطق جنوب اليمن وقام الإرهابيون بعمليات متنوعة كان أكثرها قسوة هو اغتيالها لمحافظ عدن السابق جعفر محمد سعد وحوادث اغتيال لجنود التحالف العربي بالسيارات الملغمة تبنى أغلبها خلايا "داعشية"، مما دفع الرئيس هادي للإستعانة بخبرة القائد عيدروس الزبيدي القائد العسكري في جيش الجنوب ليصبح محافظا لعدن وقد استطاع الزبيدي بكل حنكة إطفاء بؤر التوتر في عدن وطرد خلايا الإرهاب إلى خارج العاصمة اليمنية المؤقتة.
 

اختلف الزبيدي مع الرئيس هادي ومعاونيه خصوصا في أزمة مطار عدن قبل شهرين تلك الأزمة التي حسمتها القوات السودانية التي طردت "القوة الجنوبية" وأعادت فتح المطار -الأهم حاليا- في اليمن أمام الملاحة الجوية. انتظر هادي شهرين ليقيل بعد ذلك عيدروس الزبيدي وهاني بن بريك اللذان كان ردهما هو الإسراع في إجراءات فك الارتباط وتشكيل مجلس جنوبي انتقالي تمهيدا لإعلان الاستقلال.
 

ما الحل للقضية الجنوبية؟
أعتقد أن الوقت قد فات لأي حل سياسي أو تنموي لقضية الجنوب، فالجنوبيين باتوا مقتنعين الآن أكثر من أي وقت آخر أن لهم هوية مختلفة عن الشمال خصوصا بعد الجرائم العنصرية التي ارتكبها علي عبدالله صالح بحق إنسان جنوب اليمن بعد حرب 1994م.
 

لا أتمنى أن أرى اليمن مقسما من جديد ولكنني لا أرى فائدة من فرض الوحدة بالقوة والقسر على أهالي جنوب اليمن مع دولة الشمال من جديد، وأرى أن محاولة هذا الفرض لن تؤدي إلى استقرار اليمن بل ستؤدي حتما إلى دعم القاعدة والمنظمات العنيفة.

حتى مخرجات الحوار الوطني اليمني التي قسمت اليمن إلى ست أقاليم والتي كانت تهدف لحل القضية الجنوبية في إطار اليمن أعتقد أن الوقت قد تجاوزها كثيرا ًفمؤسسات الدولة اليمنية انهارت على يد العصابة الحوثية وحليفها علي عبدالله صالح ولم يعد هناك جيش وطني يمني والكتائب الجنوبية أصبحت تسيطر بشكل مطلق على مساحات شاسعة من الجنوب، ولم تعد سيادة الدولة على تلك المناطق سوى سيادة اسمية وحتى دول التحالف العربي تدرك هذا الأمر، وأصبحت قوات المقاومة الجنوبية أِشبه "بحرس إقليم كوردستان العراق البيشمرغة" من حيث علاقتها مع الدولة المركزية ومؤسساتها الشرعية.
 

لا أتمنى أن أرى اليمن مقسما من جديد ولكنني لا أرى فائدة من فرض الوحدة بالقوة والقسر على أهالي جنوب اليمن مع دولة الشمال من جديد، وأرى أن محاولة هذا الفرض لن تؤدي إلى استقرار اليمن بل ستؤدي حتما إلى دعم القاعدة والمنظمات العنيفة بل إلى إجبار أطراف جنوبية على طلب الدعم من إيران مباشرة لمناصرتها ضد المشروع الخليجي.
 

السياسي هو الذي يتخذ قرارته بموجب الواقع فقط متجرد من أي دوافع غير مصلحية، والواقع اليمني يقول أن المقاومة الجنوبية ومجموعة عيدروس الزبيدي يملكون ثقلا كبيرا على الأرض تجسد في تلك المظاهرة الحاشدة التي بثتها الفضائيات المختلفة، ولكي تنجح المهمة الخليجية في اليمن فإن على الخليج أن لا يسمح بأن تنشب حرب أهلية بين "المكونات الجنوبية" الوحدوية والانفصالية، ولهذا أعتقد أن على دول الخليج أن يكون لها التزام واضح تجاه أصدقائها اليمنيين الجنوبيين بحصولهم على إقليم ذو حكم ذاتي موسع لتهدئة مخاوفهم، وعن طريق هذا التعهد فقط فإنها تكسب في اليمن وإلا فالخوف كل الخوف أن تتجه البنادق الجنوبية تجاه صدور جنود التحالف في الفترة القادمة إذا ما أصر الرئيس هادي وحلفاؤه على قرارات إبريل الماضي المثيرة للجدل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.