شعار قسم مدونات

الحب الأفلاطوني

blogs- الحب
عندما كتب نزار قباني على لسان سيدة عاشقة: "أنا أحبك يا سيفاً أسال دمي. يا قصة لست أدري ما أسميها. أنا أحبك حاول أن تساعدني. فإن من بدأ المأساة ينهيها. وإن من فتح الأبواب يغلقها. وإن من أشعل النيران يطفيها. ألا تراني ببحر الحب غارقة. والموج يمضغ آمالي ويرميها". لم يكن نزار هنا يشير فقط إلى عاطفة من جانبها الأنثوي فحسب، بل هو سيناريو جاهز يصلح لأي طرف من أطراف العلاقة.

في الحب دوماً هناك طرف يحب الآخر أكثر، بينما الطرف الأقل حباً هو الأكثر سيطرة، وتلك فلسفة كل قصة حب، وليس قاعدة كل حب، لأن الحب لا قاعدة له ولا شروط. في الحب من يتظاهر بالقوة لن يستمر طويلاً قبل أن يسقط في الضعف كفريسة لشعور الندم. في الحقيقة إن الاعتراف والحاجة والندم ليست ضعفاً بقدر ما هي بحث عن الكمال في شخص آخر، بحث ينتهي بسيطرة الأقل حباً لأنه المرغوب، والأول هو الأضعف لأنه العكس.

سيعيش العاشق محبوبته كنبض لا يهدأ، سيعيشها وحدة وجود، حلول واتحاد، وألم لا يشعر به سواه، لأنه هو نفسه السكين والجرح، واللطمة والخد.

أنت وجدت كنزك بالكامل في شخص ما، أو هكذا صوره لك قلبك وعقلك، فأحببته أكثر، هو وجد بعضه فيك فأحبك بشكل أقل. ومرد هذا الاختلاف هو مدى استجابة عقل وقلب أطراف العلاقة لهذا لشعور. يقال في الحب من لا يكتفي بك لا يستحقك، إنها تلك اللعنة الشهية للاختزال، والزعم بالكمال النفسي، بينما الوضوح والصدق هما من يحققان سؤال الاكتفاء هذا.

إنها صورة أفلاطونية عالية المستوى، حيث تغدو الحرية ترفاً يرفضها العاشق لأنه اختار الدخول طوعاً في أتون عملية تشابك مستمرة في تفاصيل وأسئلة وتداخلات الطرف الآخر. الحب هو عملية مزج لحياتين كي يغدوان واحدة في يوتوبيا عاطفية، ولكنهما منفصلتين، وتلك معضلة جمع الأضداد على الدوام، في تصور يوتوبي للحب يسعى لأن يتحقق لكائن تاريخي من لحم ودم. 
 

اللذة في الحب هي البداية، في العملية وليس في النتيجة. الحب هو الرحلة في البحر وليس الشاطئ، هو البحث عن الكنز وليس الاحتفال به، لذلك كان الألم هو خاصية كل رحلة من هذا النوع، وحيثما وجد الحب فهناك الألم، وإذا لم تتذوق الألم أثناء الرحلة، لن تجد السعادة في نهايتها.

"إن التحقيق هدم" بهذه الشذرة الفلسفية يلخص كيركيغارد معنى الحب من خلال تجربته الشخصية التي انسحب منها. فلديه إشباع الرغبة هو قتل الدافع إليها، ولكن في ظني دوماً ثمة إشكالية لم ينتبه لها كيركيغارد، إنها إشكالية وجودية ذاتية بينك وبين نفسك، أكثر من كونها بينك وبين الطرف الآخر. في الحب أنت دائماً ضدك، أو لست أنت.

في الحب دوماً هناك طرف يحب الآخر أكثر، بينما الطرف الأقل حباً هو الأكثر سيطرة، وتلك فلسفة كل قصة حب، وليس قاعدة كل حب.

بعض الرجال عندما يعشقون يريدون من أنثاهم أن تتجسّد فيهم كحقيقة لا يؤمن بها سواهم، وبالمعنى النفسي لكلمة تجسيد؛ أي تنصهر في داخله وجدانياً، وتصبح مرتبطة كلياً ونهائياً بكينونته العميقة، وبالتالي تصبح تلك الأنثى مرتبطة بشبكة إدراكه للأشياء التي سوف تتحكّم بكل وجوده وسلوكه.

إنها مغامرة انتحارية حينما تكون هي وعيه ولا وعيه. لتجعل منه كأنه ضده، منقسم على ذاته بين ضدين، وكأنه مبدأ ينتهي بأن ينهي نفسه مثل كوجيتو ديكارت، لتكون المعادلة: أنا أحبها إذاً أنا لست أنا، ولكني أنا غيري في مكان ما، كما هو واضح من تفسير الحالة النفسية التي عاشها مجنون ليلى.

وعلى هذا المستوى الجذري سيعيش العاشق محبوبته كنبض لا يهدأ، سيعيشها وحدة وجود، حلول واتحاد، وألم لا يشعر به سواه، لأنه هو نفسه السكين والجرح، واللطمة والخد. مجانين بعض الرجال؛ يعتمدون مبدأ أن الإدمان في الحب متعة أكثر من ألمه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.