شعار قسم مدونات

"رابح فضل الله".. نابليون أفريقيا الذي أرعب الفرنسيين

Blogs الاستعمار الفرنسي

"ما أكثر الذين وقفوا في وجه دخول الاستعمار إلى البلدان التشادية، غير أن رابح هو أشهرهم على الإطلاق، فهو الذي تصدى للحملات العسكرية الفرنسية". هذه الجملة تزين الدستور التشادي وتشيد بأحد أبطال تشاد التاريخيين الذي حارب الاستعمار الفرنسي بكل بسالة لعدد من السنوات وأنشأ إمارة قوية في جنوب الصحراء، واسم هذا البطل (رابح فضل الله)، فمن هو رابح فضل الله؟

 

إنه شاب ولد في منطقة حلفاية الملوك في ضواحي الخرطوم لأسرة من قبيلة الجعليين لأب هو رجل دين وعلم توفي والده وهو في رحم أمه؛ فتبناه (الزبير باشا) حتى ظن بعض الناس أنه ولده فكانوا يقولون له (رابح الزبير). انتسب رابح في العشرين من عمره للسلك العسكري في الجيش المصري-التركي الذي كان موجودا في السودان ذلك الوقت وبعد فترة تركه ليلتحق بالزبير باشا الذي كان قد أنشأ إمارة له في بحر الغزال فانضم إليه وشاركه في حروبه في جنوب السودان ودارفور والتي انتهت بانتصار الزبير على السلطان إبراهيم في معركة منواشي ثم في اقتحامه لمدينة الفاشر وإسقاطه سلطنة دارفور.

 

وكانت انتصارات الزبير مصدر قلق لدى الحكومة المصرية التي وجدت أن الزبير يتوسع بشكل كبير ومصدر قلق للدول الكبرى التي كانت تعد العدة لغزو واحتلال أفريقيا وكانت قد اتفقت مع الدولة العثمانية على أن نصيبها من أفريقيا هو السودان وإريتريا والصومال وجيوتي فقط وعليها ألّا تحاول التمدد غربا نحو غرب ووسط أفريقيا.

 

كان القائد رابح فضل الله قد جمع عددا من قوات جيش الزبير المسماة (الباسنقر) يقدر تعدادهم بألف مقاتل معهم أربعمئة بندقية فقط فألزمهم بمبايعته والخروج معه إلى خارج أراضي السودان الحالية ليكونوا جيشا قويا يستطيع التصدي للاستعمار

وافقت الدولة العثمانية على هذا الأمر وأبلغت خديوي مصر بإيقاف تمدد الزبير باشا فاستدعاه للقاهرة واحتجزه هناك، وفي ذلك الوقت كان تشارليز غردون الحاكم العام للسودان يصدر قرارا يطالب فيه سليمان بن الزبير باشا بتسليم الأراضي التي بحوزته وتسليم نفسه للسلطات وإلا اعتبر متمردا على الدولة، فرفض سليمان هذا الأمر واشتبك مع القوة التي قيل أنه سيسلم نفسه لها فأرسل غردون ضابطا إيطاليا يسمى جيسي وكلفه بالقبض على سليمان بن الزبير باشا مهما كان الأمر فحاول جيسي استخدام القوة لكنه فشل؛ فسليمان بن الزبير باشا وقائده رابح لم يرضوا أبدا بالتسليم وقاتلوا القوة التي أرسلت إليهم قتالا ضاريا فلجأ (الضابط الخواجة) جيسي إلى الحيلة فقام بفبركة خطاب على لسان الزبير باشا (في رواية) أو بإقناع الزبير باشا المحتجز في القاهرة أن يطلب من ولده سليمان تسليم نفسه للسلطات التي سوف تعفو عنه وعن جميع أصدقائه، وانخدع سليمان بهذا الخطاب فسلم نفسه فأعدمه جيسي بشكل بشع.

 

و في ذلك الوقت كان القائد رابح فضل الله قد جمع عددا من قوات جيش الزبير المسماة (الباسنقر) يقدر تعدادهم بألف مقاتل معهم أربعمئة بندقية فقط فألزمهم بمبايعته والخروج معه إلى خارج أراضي السودان الحالية ليكونوا جيشا قويا يستطيع التصدي للاستعمار الذي يمثله غردون ومن على شاكلته فاتجه رابح نحو مناطق دارفور فبايعه عدد من الأهالي هناك وسيطر بكل سهولة على أغلب مناطق جنوب دارفور ومن بعد ذلك بدأ في التوسع نحو مملكة وداي فسيطر على أغلب مدنها الشرقية مثل دار سيلا ودار رونقا ودار كوتي وكريش ومن ثم اتخذ مدينة (دكوة) عاصمة له وفي خلال ثلاث سنوات فقط استطاع رابح السيطرة على 40 إمارة كانت موجودة في تشاد والكاميرون واستطاع ضمها تحت سيطرته وكانت الضربة الكبرى هي سيطرته على مملكة برنو بعد تخلصه من سلطنة وداي وهذا أمر لم تكن تطيقه القوى الإستعمارية (الفرنسية تحديدا) فجمعت عدد من السلاطين والأمراء (المخاليع) الذين أسقطهم رابح فضل الله بسيفه فوقعت معهم معاهدة حماية وأمان تمنح بموجبها القوات الفرنسية الشرعية للتدخل لإعادتهم إلى إماراتهم، وكانت سذاجة من رابح أن لا ينتبه للخطر الفرنسي القادم له من الشمال من جهة الجزائر (تحديدا) ولا يقوم بإصدار عفو ومحاولة لاستمالة هؤلاء السلاطين الموتورين الذين ذهبوا إلى الفرنسيين طلبا للحماية، وكان الفرنسيون حانقين على رابح الذي اشتبك مع بعثة فرنسية استكشافية لتشاد وقتل أميرها بول كرامبل واستولى منها على 400 بندقية حديثة (مما يؤكد أنها لم تكن بعثة استكشافية عادية).

 

بعد مقتل رابح، قام رسل الحضارة الفرنسيين بقطع رأسه (كما يفعل الدواعش اليوم) والطواف به في المدن التشادية ثم أخذوا رأسه إلى متحف في فرنسا ليدرسوا جمجمة نابليون أفريقيا، الذي دوّخ الفرنسيين

ومنذ 1894م بدأ الزحف الفرنسي تجاه رابح بعد سيطرة الفرنسيين على الساحل الغربي الأفريقي وتفرغهم للصحراء واحتلالهم لمدينة (تمبكتو) درة الصحراء فزحفوا نحو رابح بحملة يقودها ضابط فرنسي اسمه بريتونيه ومعه السلطان المخلوع غارونغ سلطان منطقة (باكرمي) الذي استولى عليها رابح (في وقت سابق) إلا أن رابح فاجأهم أنه كان مستعدا  فقتل أمير الحملة الفرنسية (بريتونيه) وأسر السلطان غارونغ (الخائن) وعدد كبير من أتباعه فانتبهت أن رابح ليس عدوا سهلا فأرسلت له حملة أخرى لكنها كانت أقوى هذه المرة واستطاعت هذه الحملة أن تطرد رابح من نيجريا والكاميرون وتعيده نحو حدود دولة تشاد وكان رابح قد كبد قواتهم فيها خسائر كبيرة جدا وكانت معارك رابح مع الفرنسيين في تشاد سجال فدوّخ ضباطهم فولييه وشانون مما اضطرهم إلى الاستعانة بأحد أفضل ضباطهم، الجنرال لامي، والذي قاد جيوشهم في معركة (لختة) والتي انتهت بمقتل الجنرال الفرنسي لامي واستشهاد رابح فضل الله.

 

وبعد مقتل رابح، قام رسل الحضارة الفرنسيين بقطع رأسه (كما يفعل الدواعش اليوم) والطواف به في المدن التشادية ثم أخذوا رأسه إلى متحف في فرنسا ليدرسوا جمجمة نابليون أفريقيا، الذي دوّخ الفرنسيين. لم تسقط راية المقاومة بعد مقتل رابح فتسلمها من بعده ابنه فضل الله وحفيده عبد الله واستمر جهادهم 40 عاما بعد وفاة رابح في 1900م. حاول الفرنسيون بعد مقتل الجنرال لامي أن يخلدوا اسمه في تشاد فسموا عاصمة البلاد فورد لامي لكن التشاديين الوطنيين أصروا على تسميتها انجمينا (الاسم الذي أطلقه عليها رابح) وتعني استجمينا أو استرحنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.