شعار قسم مدونات

مواقع التواصل تصنع الأبطال

blogs - سوشيال ميديا
يُعتبر الإنترنت أسهل وسيلة للتّواصل اليوم في كل العالم؛ بحيث اختصر الوقت والمسافات وتطور استخدام برامج التّواصل شيئاً فشيئاً حيث انتقلت من برامجَ بسيطةٍ تعتمد الكتابة فقط باستخدام البريد الإلكترونيّ إلى تطور كبير يتيح سماع الصوت واستخدام الكاميرا. بعض المستخدمين أو كثرٌ منهم أساؤوا استخدامه فاستعملوا أسماء وهميّةً كي لا يفصحوا عن أنفسهم، واستطاعوا التواصل دون أن يعرفوا بحساباتٍ مزيفة وانتحال للشخصيات، وقد تسبب ذلك بكثير من المشاكل والأخطاء.
كان انتحال الشخصيات من أسوأ الاستخدامات للسوشيال ميديا مترافقاً مع حملات التشهير والنشر غير المشروع؛ سواء للصور أو للأخبار الكاذبة والإشاعات، مما أدى إلى ترسيخ عدم الثقة في عقول الناس وأطلقوا عليه اسم العالم الافتراضي، فأعطوه محمل الوجود واللاوجود في النفوس وزعزعوا الثقة بكل المستخدمين على حد سواء.
 
مع مرور الوقت أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي المصدر الأول للأخبار والنشر، وحققت مشاهدات تجاوزت الملايين؛ لتطغى على متابعة التلفزيون بشكل ملحوظ، وتختصر الوقت في صناعة الشهرة التي كانت تستغرق من قبل سنوات طويلة، فأحدثت نقلةً نوعيّةً وتبدّلَ طريق النجوميّة من شاشات التلفاز إلى شاشات الهواتف المحمولة والحواسيب، وأصبح الطريق الأقصر والأسهل للجميع بكافة أعمارهم وشرائحهم.
 

بوابة مهدت الطريق أمام الجميع ليصنعوا لأنفسهم اسماً معروفاً، وأتاحت لهم الظهور كما يحبون دون قيود أو رقابة لأنهم على اتصال مباشر مع جمهورهم سواء كانوا صادقين بطرحهم أم كاذبين.

اعتبر هذا الانتقال بوابة فتحت على مصراعيها للحالمين بالشهرة والذين لم يحالفهم الحظ قبل انتشار الإنترنت بالظهور على الشاشات وتحقيق طموحهم وشهرتهم، وأقبل الجميع على تقديم نفسه من خلالها، لكن هل ينطبق هذا الوجود على أبطال السوشيال ميديا وعكسه (اللاوجود)؟ وهل سيعترف المشاهدون بهم كأبطال حقيقيين في الواقع؟

حقق كثيرون شهرة واسعة وحتى عالمية من خلال هواتفهم المحمولة، وأصبحو نجوماً معروفين لهم جمهورهم ولهم متابعون ينتظرون أعمالهم وأقوالهم خلف شاشات إلكترونية، حتى كحالات فردية، فهناك من استطاع تحريك الرأي العام بتغريدة تويتر واحدة، وكان قادراً على إحداث ضجّة إعلامية ضخمة أثارت ملايين الآراء والردود، وهناك من لاقى رواجاً هائلاً لطرحه، والبعض لم يحالفه الحظ كثيراً فلاقى سُبابًا وشتماً وانتقادات كثيرة، ولكن على كل الأحوال ما يعزيهم قليلاً هو أن ضجة المواقع بأسمائهم تتيح فرصة لاستجماع قواهم والظهور من جديد لتصحيح موقفهم أمام الرأي العام، وأما عن النجوم بحد ذاتهم فأكثر المعاناة التي يعانونها بسبب نعتهم بأنهم ليسوا نجوماً حقيقيين لأنهم أصلاً ظهروا من خلال الإنترنت وهذا العالم ليس واقعياً.

وعلى سبيل العمل الجماعي تأسست شركات ومؤسسات إعلامية تضم عددا كبيراً من الموظفين وتتخذ لها أبنية ومكاتب وتعطي رواتب شهرية وتعتمد على ضخ إعلامي كبير من برامج متنوعة وفيديوهات وأخبار، وكان كل اعتمادها على السوشيال ميديا أي ما يسمى بالعالم الافتراضي في الانتشار وتحقيق النجاح.

في الواقع أن هذه البوابة مهدت الطريق أمام الجميع ليصنعوا لأنفسهم اسماً معروفاً، وأتاحت لهم الظهور كما يحبون أو يرغبون في الظهور للمشاهد دون قيود أو رقابة لأنهم على اتصال مباشر مع جمهورهم سواء كانوا صادقين بطرحهم أم كاذبين، وسواء كانوا على حق أو مخطئين، فالسوشيال ميديا لا تخضع لرقابة، وليس لها لجام يلجم رأيا سياسيًّا أو اعتقادا دينيا، ولا فكرة مغلوطة ولا معلومات مزيفة، وللمشاهد فقط حق الحظر وعدم المتابعة عندما يرى ما لا يعجبه.
 

عالم افتراضي يرفض كثيرون الاعتراف به، مع أن من استطاعوا إثبات أنفسهم بغض النظر عن المحتوى؛ يستحقون لقب النجوم الحقيقيين.

ويأتي النجاح الفردي أعلى درجة من نجاح المؤسسات والشركات التي تستخدم الدعايات والتمويل والدعم كوسيلة للوصول إلى عدد أكبر من المتابعين، ولا يعتمد النجاح على موضوع معين أو فكرة محددة، فالكثير من الحظوظ السعيدة رافقت بعض المشاهير إلى سلم الشهرة والنجومية في عالم السوشيال ميديا، ولكن متابعتهم على نفس الوتيرة التي بدؤوا بها ساعدتهم على الاستمرار ومتابعة الجمهور ودعمه.

عالم افتراضي تحول إلى حقيقة ملموسة يرفض كثيرون الاعتراف بها، مع أن من استطاعوا إثبات أنفسهم والثبات بتسجيل حضورهم وسط هذا الازدحام بغض النظر عن المحتوى الذي يقدمونه متجاوزين الانتقادات والهجمات الإلكترونية الشرسة؛ يستحقون لقب النجوم الحقيقيين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.