شعار قسم مدونات

بين القيادة وتوهمها

مدونات - القيادة
في النظرة إلى برامج القيادة أو تدريباتها نقع بين تطرفين، تطرف يرفض الأمر برمته، فلا هو راضٍ بنتائجه العملية، ولا هو مقتنع بنظرياته ودراساته الأكاديمية، وتطرف آخر يرمي نفسه وكلّه في برامج القيادة، رافعاً سقف توقعاته وآماله بالوصول إلى سلم القيادة بعد انتهاء آخر يوم من برنامجه التدريبي، دون أن يعي أن البرنامج الحقيقي يبدأ بعد انتهاء التدريب، وأن العمل في الميدان هو الميزان الحقيقي والمحك الذي تتكشف فيه كوامن الإنسان القيادية.

المشكلة الكبرى تقع فيمن يتوهم القيادة في نفسه، ويظن نفسه قائداً بمجرد قراءة كتاب أو حضور دورة عن القيادة، وتكاثر هؤلاء في المجتمع يخلق حالة غير صحية تضر المجتمع وتؤذي أهله.  

القيادة في أحسن أحوالها هي لما نسبته 2% من البشر حسب أكثر المتفائلين من المتخصصين في موضوع القيادة، والبقية ليسوا رعاعاً كما يشاع، بل البقية أقسام كثيرة، وبينهم الشباب الطموح، والمتخصصون من ذوي الخبرة والدراية، والمبدعون وأصحاب الاختراعات، وغيرهم ممن يدعمون القادة، ويقومون بتفاصيل الأعمال المطلوبة لبقاء القادة. ولربما نقول أن القادة أكثر حنكة منهم في تدبير الرؤية وصناعة الطريق، لكن الاتباع العظماء هم من سيقطعون الطريق ويجمّلونه ويجعلونه قائماً أو يطورونه بصورة جديدة لم تكن من قبل، وبدونهم سيسقط القادة بالتأكيد.

إن كنت مثلي، تنظر إلى القيادة بإعجاب وتتابع تفاصيلها وأدواتها، فأنصحك بالتوازن والنظرة المتوازنة بين إمكاناتك الحقيقية وقدرتك على التطور ورفد نفسك بالمهارات المطلوبة.

وهنا يتبادر إلى ذهني سؤال: ماذا سيحصل إن لم تصبح قائداً؟ ماذا لو أبقيت بقية عمرك دون أن تصل إلى سلم القيادة؟ هل سينقص من عمرك شيء؟ أم هل تعتقد أن حياة القادة أفضل بكثير من حياتك؟ اتبع قاعدة "كل مسيّر لما خلق له"، والقاعدة النبوية العظيمة في ارشاد أبي ذر: "إنها لأمانة".|

ربما تخصصك وسبقك في مجال معين يجعلك في صفوف الأوائل بغض النظر عن القيادة، ووصولك إلى الجوائز العالمية، أو اختراعك لنظريات أو تطبيقات جديدة سيغطي بالتأكيد على موضوع القيادة.

نحن عادة نكيل المديح إلى القائد الرمز صاحب الإنجازات العظيمة المميزة، وننسى أو نتناسى جيوشاً من البشر مضت خلفه، دعمته وساندته، ووقفت إلى جانبه في المحن والشدائد، تسد النقص، وتعالج الخلل، وهذا يجعلنا جميعاً نتطلع إلى أن نصبح قادة يذكرنا التاريخ وتذكرنا ألسنة البشر عبره، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي نعرفها كي نكسب الخلود في الأرض! لذا نتطلع بإعجاب إلى مراتب القيادة.

النظرة بإعجاب إلى القيادة ليست رهينة عالمنا العربي فقط، بل هي في الغرب أيضاً، والورشات والتدريبات القيادية منتشرة هناك كذلك، وإن كانت بنسبة أقل، وبنظرة مختلفة عن تلك التي تنتشر بيننا. فأمريكا لوحدها تنظم مئات المؤتمرات السنوية الخاصة بالقيادة، وكثير من القادة أو المتخصصين فيها لديهم مدارس أو جامعات أو حتى أكاديميات خاصة بتعليم القيادة، كجاك ويلش أو جيمس ماكسويل وغيرهم.

إن كنت مثلي، تنظر إلى القيادة بإعجاب وتتابع تفاصيلها وأدواتها، فأنصحك بالتوازن والنظرة المتوازنة بين إمكاناتك الحقيقية وقدرتك على التطور ورفد نفسك بالمهارات المطلوبة، مراعياً الوقت والزمن الكفيل بمساعدتك طالما تسير حسب السنن الكونية. وإما إن كنت ككثير من البشر لا تعطي للقيادة في حياتك أية أهمية، ولا تنشدها، ولا تطلبها، فأنت ممن أراح قلبه وعقله كثيراً، فهنيئاً لك!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.