شعار قسم مدونات

هل يريدون إنهاء "الإرهاب" أم إستثماره؟

blogs - إرهاب
تكلفة عمل "إرهابي" واحد في قلب أوروبا يودي بحياة عشرة أشخاص هي "سيارة" و"رخصة قيادة"، يدهس فيها "المعتدي" مواطنين يمارسون النمط الأوروبي في حياتهم اليومية، رياضة أو جلسة في مقهى أو سهرة غناء ورقص في الشارع. كيف تستطيع جيوش العالم أن توقف هذا السلاح الفتّاك!

عام ٢٠٠٧ استطاعت العشائر السنية في العراق طرد عناصر القاعدة من المدن السُنية الرئيسية، لكنها ومعها الحكومة العراقية وبدعم أميركي إيراني لم تستطع منع تلك العناصر من تجهيز سيارات مفخخة لم تترك شارعاً في بغداد إلا واستطاعت أن تزرع بصمتها في تفجير انتحاري طال العشرات من الضحايا. كان الرد على الهجمات مزيد من الاعتقالات التعسفية وظلم طال شريحة واسعة من المجتمع العراقي "السني"، وامتلأت سجون المالكي بالشباب المظلوم دون أن يستطيع أن يضع حدّ للهجمات الدامية.

تلك الخطيئة والفشل في استتباب الأمن وإدخال عنصر الطائفية أو الأيديولوجية في البرامج الأمنية لم تقتصر بحكومة المالكي الفاشلة والتي توجت فشلها بخسارة ثلث العراق لصالح تنظيم الدولة، بل أيضاً يُمكن إدراج حكومة السيسي أيضاً في لائحة الفاشلين في حل مشكلة "الإرهاب" والضربات الدامية التي تدك معظم مناطق الشرق الأوسط.

إن الإجراءات التي تُتّخذ من قِبل الحكومات الديكتاتورية هي نفسها التي اتُخذت من قبل، وستبقى الحالة كما هي عليه الآن، وستظل الأقليات "القبطية" في مصر و"السُنّة" في العراق والشام، وقودا لآلتهم الفتاكة.

في مصر، فوّض الشعب منذ سنوات، حسب المنطق السيساوي، رئيس الجمهورية لضرب "الإرهاب" أينما وُجد، وكانت نتيجته فشل ذريع في الحدّ من الهجمات الدامية التي أصبحت تطال بالأخص "الأقباط". عد الهجوم على الكنيستين منذ أقل من شهرين استطاع المنفذ نفسه أن يدبر الهجوم الذي حصل في "المنيا" والذي أسفر عن مقتل ٢٨ قبطياً، بعضهم من الأطفال! كانت ردة فعل السيسي، توجيه ضربات لـ "مجلس شورى ثوار درنا" في ليبيا والتي تبعد مقراته عن "المنيا" ١٥٠٠ كلم، في مشهد مؤسف ومخجل للمؤسسة العسكرية المصرية.

مخجل لأن "ثوار درنا" لهم جولات وصولات كثيرة في صراعهم ضد "تنظيم الدولة" المتبني للهجمات! بيان الجيش ومن خلال صوت المقدم يذكرنا بـ "أساطير" الجيش المصري خلال حرب ١٩٦٧ والتي ثبت لاحقاً أنها كاذبة! السيسي قام بتوظيف "جريمة المنيا" لأجندة خاصة له في ليبيا! وكذلك سيقوم عسكره بمزيد من الاعتقالات التعسفية واتهام كل من له علاقة ب"الإخوان المسلمين"، المرتدين بنظر تنظيم الدولة!

هكذا تقوم الحكومات العسكرية بمحاربة "التطرف" و"الإرهاب". لا مراجعة جادّة لأسلوبهم العبثي التقليدي الفاشل. مزيد من الظلم والديكتاتورية والاستبداد. مراكز اعتقالات واسعة كالتي دشنها قبلهم ستالين وهتلر وميلوسوفيتش في مشهد كان يعتقد العالم أنه دُفِن مع نهاية القرن المنصرم. توظيف للهجمات الإرهابية لخدمة أجندتهم، كالذي حصل مع "جنرالات الجزائر" في تسعينيات القرن الماضي.

وفي المقابل، تقوم حكومات أخرى بمراجعات فكرية لكيفية محاربة هذا الفكر الدخيل على المنطقة والذي نمى وتجذر بفعل الحكومات العسكرية والأنظمة السلطوية الاستبدادية. ولكنها تخطئ من جديد، بكيفية التعامل مع الجيل الذي يرى في التنظيمات "المتطرفة" حلم الخروج من ظلم أصحاب السياط. تخطئ بدعوتها لإعلاميين أو متخصصين "علمانيين" أو لهم علاقة بـ"الأنظمة العسكرية" الى ندوة لمحاربة "التطرف الإسلامي" أو إنتاج مسلسلات لمحاربة ذلك الفكر!؟ عندها سوف تزيد قناعة المتطرفين بأن قضيتهم محقة طالما أنه يقابلها من الطرف الآخر من يسخر من الدين ويرفضه كونه عائق في وجه الحداثة، حسب وصفه.

إن الإجراءات التي تُتّخذ من قِبل الحكومات الديكتاتورية هي نفسها التي اتُخذت من قبل، وستبقى الحالة كما هي عليه الآن، وستظل الأقليات "القبطية" في مصر و"السُنّة" في العراق والشام، وقود لآلتهم الفتاكة التي تعزز من فرص تمسكهم بالحكم.

إن الأمن الأوروبي سيبقى غير مستقر ومهدد ومُعرّض لهجمات جديدة حتى لو أقاموا الأسوار والجدران لتَقيهم من الهجمات، طالما أن السلاح هو "سيارة" و"رخصة قيادة"، وسائقها اطّلع على صفحات الإنترنت ليشاهد الظلم ومشاهد التعذيب فيقع فريسة تلك التنظيمات.

ترامب من خلال زيارته الأخيرة إلى الرياض لم يأتِ على ذكر "الديمقراطية" أبداً في خطابه، أو التدخل في أنماط العيش في الخليج، أتى ليرسل رسالة مفادها "نريد سحق الإرهاب عن بكرة أبيه"، فما هو المتوقع؟ كيف يمكن احتواء تلك التنظيمات التي كانت تنطلق من صحاري العراق لتدك شوارع بغداد دون أن يستطيع المارينز الأميركي توقيفها وإبادتها؟ لم تعد صحاري العراق وحدها معاقلهم، بل سوريا ومصر وليبيا أيضاً، وأصبحت لهم مدن كبيرة. فمن هو الجيش الكبير الذي يستطيع أن يحتل تلك المساحات الضخمة للحفاظ على أمن أوروبا!؟

في مصر، فوّض الشعب منذ سنوات، حسب المنطق السيساوي، رئيس الجمهورية لضرب "الإرهاب" أينما وُجد، وكانت نتيجته فشل ذريع في الحدّ من الهجمات الدامية التي أصبحت تطال بالأخص "الأقباط".

ما يمكن توقعه خلال السنوات القادمة هو نفسه الذي توقعه المفكر الأميركي "هنتنغتون" في كتابه "صراع الحضارات"، والذي اعتبر أن العامل "الديموغرافي" عند الحضارة الإسلامية هو مُهدِّد لأوروبا بالأخص، وأن الحرب الدينية آتية. خَلُص الباحث والمحلل في شؤون الجماعات الإسلامية والحركات الجهادية جيسون بيرك، حول "الجيل الأول من الجهاديين"، نشرته صحيفة "الغارديان"، إلى استنتاج "نحن لا نزال في الجيل الأول من العنف الإسلامي، فالتطرف الإسلامي البريطاني هو مشروع يتطور".

نحن في مراحل سريعة ومتداخلة، فتن وحروب مدمرة، حيث سينتظم في نهاية الأمر حرب عالمية في الشرق الأوسط، هي حرب دينية. وأتت زيارة ترمب لبلد الحرمين الشريفين مهد الديانة الإسلامية، ثم فلسطين مهد الديانة المسيحية، واختتمها بزيارة للفاتيكان مقر البابوية، لتعزز من هذه الفرضية. إن قدوم الجيوش إلى منطقتنا لن تكون محل ترحيب عند الشعوب، وستفسر أنها حرب "صليبية". ليس بالضرورة لأن "الإسلام" هو راعي العمليات "الإرهابية"، ولكن شاءت الحكومات الغربية ومعها الحكومات العسكرية من خلال "الحرب على الإرهاب" أن تضع "الإسلام" في حُكم المُتهم والمُدان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.