شعار قسم مدونات

الغوطة الشرقية.. وتعقيدات الحل السياسي

مدونات - الغوطة

سنوات مرت على ثورة الشعب السوري في وجه النظام القمعي توالت فيه الأحداث على الساحة بشكل متسارع، هذه الأحداث شكلت لدي قناعة بأن الغوطة الشرقية هي عقدة الحل في أي تسوية سياسية للأزمة السورية، وما المظاهرات العارمة التي شهدتها الغوطة الشرقية من بداية الثورة والتي خرجت دعماً ونصرة لمدينة درعا بداية ثم تحولت إلى المطالبة بإسقاط النظام بعد استخدام قوات الأمن السورية الرصاص الحي ضد المتظاهرين السلميين.
 

ومع تصاعد وتيرة العنف من قبل أجهزة الأمن السورية وشبيحة النظام في التعامل مع المتظاهرين بدأ الحراك السلمي يتحول شيئاً فشيئا نحو العسكرة، ومع تحرير عدد من البلدات وانتزاعها من سيطرة النظام أفرزت هذه المرحلة حالة غير مسبوقة من الفوضى والتشرذم أفضت إلى تشكيل عدد كبير من الفصائل الثورية في الغوطة من أجل إدارة المناطق المحررة، يسيطر كل فصيل أو فصيلين على منطقة جغرافية معينة مع سعي دائم لهذه التنظيمات لتوسيع مناطق النفوذ والسيطرة.
 

استغل النظام الاقتتال الحاصل بين الفصائل في الغوطة ويسيطر على أجزاء واسعة من بلدات "دير العصافير وزبدين والركابية ونولة وحوش بزينة" في القطاع الجنوبي للغوطة.

مليشيا النظام أدركت الأهمية الاستراتيجية للغوطة الشرقية وخطورتها حيث أنها الخاصرة الضعيفة لدمشق ذات الأهمية الاستراتيجية فعملت جاهدة على إبقاء العاصمة بعيدة عن هذا الزخم الثوري الهادر، إضافة إلى مساحتها الجغرافية الواسعة وتعدادها السكاني الكبير، قام النظام باتخاذ تدابير قاسية ضد الغوطة بعد أربعة شهور من تحريرها بدعم من حلفائه الدوليين والإقليميين لينجح النظام بالإطباق عليها وقطع طرق الإمداد عن الثوار الأمر الذي أدى إلى إلحاق أضرار كبيرة بقدرات الثوار اللوجستية.
 

استغل النظام هذه الحالة من الفرقة والشقاق بين الفصائل بعد أن وقعت معارك دامية بين تنظيمي جيش الإسلام من جهة وفيلق الرحمن وجبهة النصرة (هيئة تحرير الشام حاليا) من جهة أخرى في العام المنصرم عنوانها توسيع مناطق النفوذ، الاتهامات كانت متبادلة بين الطرفين حيث تتهم الفصائل تنظيم جيش الإسلام بالسعي لبسط سيطرته على كامل المدن والبلدات المحررة في الغوطة من خلال القضاء على الفصائل الأخرى، بينما يتهم جيش الإسلام تنظيمي فيلق الرحمن وجبهة النصرة بشن هجوم كاسح على مقراته وصادر كميات كبيرة من الذخائر والقذائف ومعامل التصنيع.
 

استخدم الطرفان كافة الأسلحة والذخائر والمجنزرات في هذا الاقتتال أدت لمقتل وجرح وأسر العشرات، ليستغل النظام الاقتتال الحاصل بين الفصائل في الغوطة ويسيطر على أجزاء واسعة من بلدات "دير العصافير وزبدين والركابية ونولة وحوش بزينة" في القطاع الجنوبي للغوطة.
 

لتنجح بعدها الوساطات التي تدخلت لوقف الاقتتال بين "الإخوة الأعداء" فيما عُرف حينها بـ (مبادرة رياض حجاب) ولكن بعدما خسرت الثورة العشرات من أبنائها كانوا سيقلبون المعادلة في وجه النظام لو توجهت بنادقهم باتجاه الجبهات المحيطة بالغوطة، ونتج عن ذلك خسارة "السلة الغذائية" للغوطة والمساحات الزراعية الأكبر والتي تعتبر المصدر الأهم لكسر الحصار وهو القطاع الجنوبي مما أدخل الغوطة في فصل عنيف من فصول الحصار والتجويع.
 

خروج الجماهير في الغوطة للسعي لوقف الاقتتال أعتبره تأكيداً على أن الحاضنة الشعبية لا زالت حية ويعول عليها في تصحيح مسار الثورة حين تنحرف بوصلتها نحو المصالح الحزبية والتنظيمية الضيقة.

بعد عام من وقف الاقتتال تتجدد المأساة في الغوطة حيث وقعت مؤخرا اشتباكات عنيفة بين فصيل جيش الإسلام من جهة وفيلق الرحمن وهيئة تحرير الشام من جهة أخرى ابتدأها جيش الإسلام تحت ذريعة القضاء على الفكر التكفيري المتطرف المتمثل في هيئة تحرير الشام حسب ادعاء البيانات الرسمية جيش الإسلام، فيما تواترت الأنباء أن الجيش لم يميز بين مقرات هيئة تحرير الشام وفيلق الرحمن وأحرار الشام، هذا واتهم تنظيم فيلق الرحمن جيش الإسلام بأن حملته ضد بلدات الغوطة تستهدف بشكل أساسي الفيلق مستشهداً بذلك على اقتحام مقراته وقتل عناصره وليس كما يدعي بأن حملته العسكرية ضد هيئة تحرير الشام.
 

خروج الجماهير في الغوطة للسعي لوقف الاقتتال أعتبره تأكيداً على أن الحاضنة الشعبية لا زالت حية ويعول عليها في تصحيح مسار الثورة حين تنحرف بوصلتها نحو المصالح الحزبية والتنظيمية الضيقة، هذه الجماهير والتي تعتبر الحاضنة الشعبية للثورة لم تقف متفرجة على سفك دماء أبنائها بعضهم لبعض فخرجت مطالبة جيش الإسلام بوقف عدوانه على فصائل الغوطة مطالبة عناصره بالتوجه إلى الجبهات بدلاً من توجيه سلاحهم نحو صدور إخوانهم.
 

توالت البيانات من الهيئات المحلية والفصائل الثورية لمطالبة الجيش بوقف تصعيده ضد الفصائل والنزول لمحكمة شرعية مستقلة للفصل بينه وبين الفصائل في هذا النزاع الدامي دون أن تلاقي هذه الدعوات صدى لدى قيادة جيش الإسلام، ولم تتوقف الحملة العسكرية إلا بتصاعد التظاهرات من المدنيين للفصل بين التنظيمات المتناحرة، ليعلن تنظيم جيش الإسلام عن انتهاء عمليته العسكرية وتحقيق أهدافها بالقضاء بشكل تام على تنظيم هيئة تحرير الشام من الغوطة الشرقية.
 

لم تمض أيام على إعلان جيش الإسلام -والذي يمثل الثقل الأكبر في وفد الثورة العسكري للمفاوضات في أستانة- عن انتهاء عمليته العسكرية في الغوطة، حتى أعلنت القوى الكبرى الفاعلة في القضية السورية (روسيا وتركيا وإيران) وبعد انتهاء مؤتمر أستانة (4) عن توقيع اتفاق لإقامة مناطق تخفيف التصعيد العسكري وتشمل: الغوطة الشرقية ودرعا والقنيطرة وريف حمص الشمالي وريف اللاذقية الشمالي الشرقي وريف حلب الشرقي وإدلب. فهل جاءت أحداث الغوطة الأخيرة وما سبقها من أحداث دامية وبحكم موقعها الحاكم والمؤثر لتهيئة الظروف من أجل تمرير هكذا اتفاق دون إزعاج من الفصائل التي ترفض الحل السياسي للأزمة السورية؟؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.