شعار قسم مدونات

طالب جامعي ولكن..

blogs طالبة بالجامعة

ما بين الزغروتة الأولى بعد معدّل الثانوية العامة والزغروتة الثانية بعد إعلان اسم الطالب على لائحة الخريجين، ما بين وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي، ما بين الأحلام الوردية عن الحياة الجامعية والمأساة الواقعية الحقيقية تُختزل أربع سنوات – على الأقل – من الجهد والتعب والضغوط الجسدية والنفسية والعقلية.

طالب جامعي ..
ربّما كان يتبادر إلى ذهني قبل أن أرتاد كلية الهندسة أن مرحلة الثانوية العامة ستكون العقبة الأخيرة بشكل عام، حيث كانت أكذوبة "خلّص توجيهي وبترتاح" سائدة في وقتها في مجتمعي وتُصنّف هذه العبارة على أنّها الكذبة الأكثر تداولاً في القرن الحادي والعشرين . 

الحياة الجامعية:
في بداية حديثي عن الحياة الجامعية فأنا مؤمنٌ أن المُكتسبات الشخصية ربّما تكون أهمّ من المكتسبات التعليمية، إذ تُعتبر الجامعة الحاضنة الرئيسية لإنضاج الشخصيات الشبابية وتعزيز وعيها.. ولا يستطيع أحد إنكار تأثيرها على الشخص. ولكن المأساة تكمن في كَون هذا الجانب -وهو من أهم الجوانب- جانباً ثانوياً لا يُهتم به، فالجامعة تعتبر وظيفتها الأولى إعطاء العلم الكافي والمناسب -كما هو مفترض- للطلبة مما يمكّنهم من ممارسة أعمالهم المستقبلية بكفاءة واقتدار فقط، فتجد العمل الطلابيّ في الجامعات يعاني الويلات حتى يُتمّ حملة أو نشاطاً، فيجب أن يدور المُنظِّم في عمادات شؤون الطلبة أسبوعاً باحثاً عن موافقة أو مُدرّج فارغ أو عن موعدٍ مناسب ولا ضرر في إلغاء النشاط كاملاً دون سابق إنذار "لدواعي تنظيمية"، كما أن طبيعة التخصص تفرض على الطالب أحياناً تفرغاً للدراسة دون الاهتمام بالجوانب الأخرى لنصل في نهاية المطاف الى طالب جامعي لا يستطيع التحدث لمدة 3 دقائق أمام الملأ .

طبيعة الدراسة:
تختلف طبيعية الدراسة في الجامعات تبعاً للتخصص المختار ولكن مما نلاحظه فالطلبة في مُجمل التخصصات يعانون من الضغط الشديد والمتواصل، كما أن مُجمل أساليب التدريس الحالية تُعتبر تلقيناً مباشراً ودرساً للمعلومة بهدف الامتحان بها، ويستمر هذا الحال أربع أو خمس سنوات تكون كفيلة بفقد شغف العلم والاهتمام بالتحصيل والعلامات فقط.

الكادر التدريسي: 

ستقابل بالجامعة المعلم الليّن، الحاد، الهادىء، المنٌفعل، المبتسم، العبوس، المزاجيّ، المتواضع، والمتغطرس.. ووسط كل هذا ستكون محظوظاً إذا وجدت المُلهم، من سيدفعك بكل ما أوتي من قوة لتكون أفضل -فقط لأنه يريدك أن تكون أفضل- صاحب رسالة الأخلاق قبل رسالة العلم

وهنا يُقسم الرأي الى آراء، وتتعدد النفوس الإنسانية فتتعدد معها أساليب التعامل وردّات الفعل، "فتُرزق" بدكتور قادر على إدخال المعلومة غصباً الى دماغك -فهماً لا حفظاً- وترى آخراً يبذل قصارى جهده ولا يستطيع، بعضهم سيمزج المادة العلمية بمغامراته الشّيقة مع عدد لا محدود من جملة "لما كنت بأميركا"، وترى من لا يبذل الجهد أصلاً معتمداً على جملة "الجامعات self study" مع القليل من "هذا اللي أجاك وإشتكي عليّ"، تجد من يعاملك كأبنه فيظهر رُقيّاً وعقلاً متفتحاً ناضجاً، ومنهم من يمتهن نظام الطبقات ويتكلم من الأعلى الى الأسفل بنبرات حادة مع الكثير من "أنا الدكتور ولا إنت! "، ستجد من يمد يد العون دائماً حتى وإن لم يكن مُجبراً ويقابله من يترفّع عن المساعدة رافعاً شعار "دبّر حالك مليش دخل" ..

 

ستجد من يشجعك على طرح الأسئلة ومن يجيب على كل سؤال بجملة "لو كنت متبّع معنا ما سألت"، ستجد من تكون مُجبراً على انتظاره نصف ساعة ولن يسمح لك بالدخول بعده بنصف ثانية، ستجد من سيرميك خارجاً لمجرد نغمة هاتف عابرة أو ضحكة غير مقصودة، ولا عجب من أن تجد مَن يُهددك بالرسوب في أول محاضراته متفاخراً بنسب رسوب طلبته في الفصول الماضية، بعضهم يرى فينا أملاً واعداً وآخرون يندبون حظ هذه الأمة وضياعها "بفضلنا" في بداية كل محاضرة …

 

ستقابل الليّن، الحاد، الهادىء، المنٌفعل، المبتسم، العبوس، المزاجيّ، المتواضع، والمتغطرس.. ووسط كل هذا ستكون محظوظاً إذا وجدت المُلهم، من سيدفعك بكل ما أوتي من قوة لتكون أفضل -فقط لأنه يريدك أن تكون أفضل- صاحب رسالة الأخلاق قبل رسالة العلم، من تتلهف لشخصه قبل لقاءه فسُمعته العطرة تسبقه، هو ذاته من سيستفزك لتُخرج أفضل ما لديك. 

لا بُدّ من أن تلتقي بـ "رائد الفضاء مع مرتبة الشرف" الذي يزور كوكب زحل بشكل دوري لاستيراد أسئلة الامتحانات لطلبته بدعوى "بدي أميز الشاطر"، ليختفي بعد أسئلته مصطلح "طالب" أصلاَ فتتراوح العلامات بين الصفر والخمس علامات -وهذا الرقم يعتبر طبيعيا في بعض المواد في كلية الهندسة التي أرتادها.
 

ينظر المجتمع الى الجامعي والمتعلم نظرة تقدير واحترام في المجمل، بغضّ النظر عن الصفات الشخصية.. فقد يكون التخصص في بعض الأحيان ليس إلا مكانة اجتماعية، وهذا ملحوظ بشكل كبير في كٌلّيتيّ الهندسة والطب

وباعتقادي الشخصي لا يستوجب أن ننفق فِلساً واحداً في سبيل دفع العملية التعليمية لتكون إلكترونية، يكفي أن نوظّف مدرساً غير مؤهل وسيتجه الطلبة فوراً الى اليوتيوب وويكيبيديا وحتى الى بعض الجامعات المجاورة أملاً في سدّ النقص، وربّما تتعدى الفائدة الإقبال على المادة العلمية وحسب، فأنت ستكون مجبراً على إتقان اللغة الانجليزية غالباً، بعض اللهجات العربية المجاورة "كالمصرية مثلاً"، أو قد ينتهي بك الأمر جالساً أمام "معلم هندي" يشرح المادة بلكنة إنجليزية تحتاج لوحدها "بكالوريوس" لتتمكن من تحليلها وفهمها.

النظرة المجتمعية:
ينظر المجتمع الى الجامعي والمتعلم نظرة تقدير واحترام في المجمل، بغضّ النظر عن الصفات الشخصية.. فقد يكون التخصص في بعض الأحيان ليس إلا مكانة اجتماعية، وهذا ملحوظ بشكل كبير في كٌلّيتيّ الهندسة والطب فبالرغم من الاكتظاظ الملحوظ والأزمة الخانقة في سوق العمل تجد الشباب يُقبِلون على هذه التخصصات ونسبة كبيرة منهم لا رغبة مُسبقة لديهم فيه.. وإنّما قرر والده منذ نعومة أظفاره أنه سيكون طبيباً أو أن والدته كانت تحلم منذ سنوات بأن تكون "أّمّ المهندس".

مميّزات طالب الجامعة:
يتميز الطالب الجامعي بالعديد من الصفات والخصائص المميزة له عن ما سواه من أفراد المجتمع، فهو رياضي ماهر قادر على الهرولة بين المباني خوفاً من أن يُطرد من مُحاضراته، يمتلك بعض صفات الخفافيش إذ ينام نهاراً ويستيقظ ليلاً، قادر على النوم في وضعية الجلوس فقد تجده نائماَ في الباص في قاعة المحاضرة أو على مكتبه فوق اللابتوب، مقاوم جيّد للظروف الجويّة التعيسة كالحرارة أو البرودة.

 

صاحب نفسيّة قوية لا تَهزّها دُعابات الدكاترة بل ويضحك عليها أملاً في "علامات مشاركة عالية"، شخص عملي لا تُهمّه نتائج الأمور فقد يدرس أسبوعاً كاملاً ويحصل على صفر ثلاثي الأبعاد، لاعب كمال أجسام محترف قادر على "حمل المواد" بسهولة تامّة، صاحب بشرة سمراء فاتنة من الشمس وذراع يسرى مائلة من ثِقل الكتب.. مع القليل من الحديث مع النفس خلال النوم.

ختاماً وبعيداً عن جو الكوميديا الذي يسود المدونة المستخدم لوصف الواقع.. رُبّما تحوّلت بعض جامعاتنا إلى شركات، ورٌبّما أصبحنا مجرّد أرقام يٌرتجى منها رسوماً في بداية كل فصل، وربما انحدار مجتمعاتنا نابعٌ من انحدار تعليمنا.

ولكن ..لدى كلّ منا القدرة على التميز والتفرّد والإنجاز، كُلّنا قادرون على أن نجتهد لسدّ النقص، وكٌلّنا قادرون على أن نبحث ونتطور ثم نزيد في بحثِنا فنتعلم.. ثم نزداد بحثاً أكثر فنزداد وعياً أكثر، والوعي هو الحل.. أرفضوا أن تكونوا فارغين أو مُفرّغين، أرفضوا أن تكونوا "عاديين".. أرفضوا أن تخرجوا من الجامعة كما دخلتم إليها، واحرصوا على جمع أكبر عدد ممكن من الأصدقاء، الضحكات، الذكريات والخبرات.. تستحقون الأفضل فلا ترضوا بغيره.. واحذروا من فقدان "الشغف"، فلن تستمروا بدونه طويلاً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.