شعار قسم مدونات

تراكمية مظاهر الفساد في المجتمعات العربية

blogs - مجتمع
إن دراسة وتحليل الثورات العربية تكشف عن العديد من الإشكالات التي باتت اليوم تمثل مصدر تهديد لأمن واستقرار هذه المجتمعات، وقد شملت هذه الإشكالات عدة مجالات حيوية تجلت في المجال الفكري والأخلاقي والديني والاقتصادي. بالنسبة للمجال الفكري، يَكمُن الإشكال في تهميش دور المثقف من الجهة وعزوف بعض المثقفين عن الدفاع على القضايا الوطنية ،كتوعية مختلف الشرائح الاجتماعية لغاية تدعيم الوعي الجماعي وتجنب كل مظهر من مظاهر الانقسام والصراع الاجتماعي.

من جهة أخرى، كما نلاحظ وجود تشويه لدور المثقف وذلك برز أساسا من خلال تواطؤ عدد غير ضئيل من المثقفين مع أحزاب سياسية، لغاية تحقيق مصالحهم الشخصية من خلال تكريس خطابات سياسية تقوم على المغالطات، الهدف منها التأثير في وعي المجتمع لتدعيم قواعدهم الشعبية.

أما بالنسبة للمجال الأخلاقي فإن الإشكال يعود بالأساس لانتشار مختلف أشكال الانحلال الأخلاقي، وتتمثل مظاهر الانحلال في ارتفاع نسبة الجريمة كالاغتصاب والسرقة والقتل، إلى جانب غياب الاحترام بين مختلف الأشخاص الذي تجلى من خلال تعدد حالات العنف والعداء بين الأفراد، وهو ما مهد لتفشي مظاهر الانقسام والصراع داخل المجتمع.

وجب إعمال العقل عند ممارسة الحقوق والحريات دون تهديد لكينونة الشخص المقابل لغاية تجنب كل مظاهر الأنانية، فإنه من المخزي أن يمثل الشخص تهديدا لديمومة مجتمعه.

كما تعد ممارسة الحريات بطريقة عشوائية سببا رئيسيا لانبثاق ظاهرة الانحلال الأخلاقي، ولعل الدافع الأساسي يَكمُن في حالة الكبت المجحف التي عايشتها المجتمعات العربية طيلة حقبات زمنية من القهر والاستبداد، إلا أن هذا لا يدفع بالشخص بان يطلق العنان لغرائزه فيتحول بذلك لكائن حيواني تدفعه غريزته للاعتداء على غيره لغاية تحقيق أهدافه بغض النظر عن الأضرار التي سببها.

لذلك وجب إعمال العقل عند ممارسة الحقوق والحريات دون تهديد لكينونة الشخص المقابل لغاية تجنب كل مظاهر الأنانية، فإنه من المخزي أن يمثل الشخص تهديدا لديمومة مجتمعه، فيصبح الإنسان المحرك الأساسي لتدمير البشرية، ألا يشكل غياب معاني الحب والتسامح الدافع الأساسي لانصهار الإنسان في دلالات العنف والصراع والاغتراب ألا يمكن الحديث هنا عن التدمير الذاتي للإنسان؟

وضمن هذا التمشي، فإن الإشكالات التي تواجهها المجتمعات العربية شملت كذلك الصعيد الديني من خلال الانحراف بالدلالات والمعاني الدينية. إذ أضحت الخطابات الدينية تكرس طابعا دوغمائيا ينبني بالأساس على أسلوب يقوم على الترهيب لا الترغيب، وهو ما يشكل تشويها وانحرافا جليا للمبادئ الدينية، ويعود هذا التشويه بالأساس للفهم القاصر للتعاليم والأسس الدينية مما أدى بدوره لغياب التسامح الديني لتنبثق مظاهر العنف والصراعات الدينية الدامية.

ألا تشكل هذه الصراعات تهديدا واضحا لصرح المجتمع؟ ألا يمكن الإقرار بأن الخطابات الدينية الدوغمائية، أضحت عاملا مؤثرا في وعي المجتمع وسببا رئيسيا لنشوب الحروب الطائفية، والغاية منها إزهاق أرواح بشرية بريئة؟ ألا يشكل غياب التسامح الديني، دافعا رئيسيا للابتعاد عن كل ما هو ديني مما يكشف عن بروز قطيعة بين الدين والإنسان ليفقد هذا الأخير أهم دلالاته الرمزية التي تعبر عن ماهيته لينزلق بذلك في غياهب الاغتراب؟

تتمثل مظاهر الانحلال الأخلاقي في ارتفاع نسبة الجريمة كالاغتصاب والسرقة والقتل، إلى جانب غياب الاحترام بين مختلف الأشخاص الذي تجلى من خلال تعدد حالات العنف والعداء بين الأفراد.

و أخيرا تجدر الإشارة للإشكالات التي تهدد الصرح الاقتصادي للمجتمعات العربية، حيث تعاني هذه المجتمعات من هشاشة واضحة في سياساتها الاقتصادية المتوخاة خلال الفترات الانتقالية، مما أدى لبروز صعوبات اقتصادية كالعجز المالي وارتفاع المديونية. وتكمن الأسباب الرئيسية لهذه الإخلالات الاقتصادية في غياب الاستثمار الأجنبي والداخلي، نظرا لتدهور الوضع الأمني وانعدام مظاهر الاستقرار من خلال تعدد الإضرابات والتقليص من ساعات العمل، كنتيجة حتمية لغياب الجدية والوعي بأهمية الرسالة والأمانة التي يؤديها الإنسان.

كما أن إهدار المال العمومي لخدمة وتلبية مصالح حزبية بحتة، كان له تأثير كبير على الوضع الاقتصادي. إذ اقترن هذا الإهدار بغياب واضح لمعاني الحوكمة الرشيدة وعقلنة استغلال الموارد التي بقيت حبرا على ورق. ألا يمكن الإقرار بأن تعاقب الحكومات وغياب الاستقرار السياسي إلى جانب بروز جملة من العراقيل الحزبية، شكلت دوافع رئيسية لتدهور الوضع الاقتصادي؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.