شعار قسم مدونات

أخبريهم بأن الخوف عابر

blogsفتاة

تهورتِ حين كنتِ طفلة.. وركبتِ دراجة "الصبيان".. وركضتِ معهم في الحيّ الضيّق، فكانت جارة والدتكِ الثرثارة تشير إليكِ بالـ " حسن صبي". كنتِ حرة للغاية، حيث كان الكلام يعبركِ كالرصاص الخفيّ، ويترك أثراً على الحائط الأصمّ فقط. ما الذي تغير بكِ الآن؟ حتى باتت أذناكِ تسترقان السمع خلف الجدران الصماء نفسها.. بحثاً عن ثرثرة نساء ورجال الصالونات؟ هل ذهب "الصبيان" بدراجاتهم وتعابيرهم النابية إلى أحياء أوسع؟ متى اكتمل نضوجكِ يا طفلة؟ واخترتِ البقاء حيث المساحات أضيق، وثرثرات "الجيران" أسرع؟ متى كان التقدم بالعمر كالأعداد يُحصى.. ويتمّ ربطه بعواملَ تُقاس بالمنطق وحده كالزمان و"إحداثيات" المكان؟ متى كان عليكِ أن تقلقي حول مصير كينونتكِ كامرأة حرة، غير منطقية، تطالب بالمنطق والعبارات الاعتيادية الواضحة، القابلة للدحض والتأكيد؟ ما هذا الكمّ من التناقضات؟ 

سواء أكنتِ أنثى بقمة جمالها وكثرة مساحيق التجميل على بشرتها، وفداحة "الشقّ" على جوانب ثوبها، ورقائق القماش الناعمة التي تغطي شعرها ووجهها وكفيْها… ومشيتها الجريئة.. والخجولة.. وكل ما فيها من اختلاف وتشابه.. سواء أكنتِ واحدة من هؤلاء أو كل هؤلاء.. لماذا خضعتِ لوابلٍ من العبارات المنطقية؟ هل أنتِ منطقية؟ كوني منطقية إذاً أو لا منطقية.. أو كلاهما.

أسود.. أبيض.. رمادي.. مجرد ألوان ابتكرها مصممو الأزياء كي تليق بكِ وتروق لهم.. لا أكثر. الأن أصبحتِ مصممة أزياء بدوركِ.. هل تروقين لكِ؟ حبيبتي.. سافري.. اقرئي.. بالغي بالكتابة.. مارسي الموسيقى.. اندفعي.. ثوري.. ابكي كما تشائين.. اضحكي.. كوني رائدة، قائدة، محاربة.. عنيفة.. مسالمة..

بشكل واضح ارفعي رأسكِ وثبتي عينيْكِ.. واصرخي بملء رئتيْكِ: "هذا الهواء نصفه لي".. طالبي بنصف الكون.. واسعيْ للنصف الثاني. كوني متطرفة بكل تفاصيلكِ.. ولا تطالبي "بالمساواة"

كوني برداً.. كوني ناراً.. أو كوني كل هؤلاء.. ستخوضين معاركَ مضنية، ستذرفين الكثير من الدموع، وتفقدين وزنكِ، ودماءكِ و"فيتاميناتكِ".. ستفقدين الكثير من الطاقة، وتمنحين بعضها.. اقلقي كثيراً.. ثم تنفسي كثيرً.. لأنّ الكون لا يبدّد قوة.. ولا يتهاون مع ضعف.. بل سيقف الكون إلى جانبكِ.. ويعاقبكِ كما لو أنه والدكِ الصارم وأمكِ المتفهمة..

كل ما هو حولكِ سيتآمر معكِ وضدكِ. سيبكيكِ ثم يربّتُ على كتفيْكِ.. كوني قوية، واضعفي حين ينبغي عليكِ أن تمارسي دوراً ما.. في الوقت المناسب.. هذا هو حال الكون، مسرحية ضخمة تخرجها قوى خفية.. ليس عليكِ أن تبحثي عن التفاصيل ستأتيكِ تباعاً.. اصبري قليلاً، وتنفسي كثيراً.. هذا الهواء كرّسي بعضه لأجلكِ، لا تمنحيه لرئة غريب.. لا تمنحي الغرباء إلا القبل والعناق الطويل، لأنهم عابرون.

وكذلك خوفكِ عابر، وأنتِ شجاعة بما يكفي، وستنالين من كل متحاذق يحاول البحثَ عن التفاصيل. أخبريهم أنك كائن معقد للغاية، وبسيط للغاية، ومارسي هواية النساء الغامضات.. ناقضي نفسكِ.. ثم تصالحي معها.. واكتبي روايات عن نساء عابرات.. ورجال وكمّ من الحروب النفسية والتحديات العابرة. 

كله كالخوف ووخزة "الحقنة".. عابر.. مؤلم.. مزعج.. مقلق.. وعابر.. رشي على جدران القصور والبرلمانات "ثورة". كالنساء الغامضات، واقرئي كثيراً عن الشيوعية. أو اكتفي ببساطة كتب العبادة.. وتراتيل بيوت الصلاة.. لكن انتظري قدوم رجال ببزّات غريبة، لديهم حساسية مفرطة تجاه الكلمات الصعبة..

اسمكِ لن يهم بعد مئة عام.. ولا قياس "حذائكِ".. بل هو الهواء الذي هو حق لكِ.. لا تكتسبه إلا القويات. كوني قوية، لأن الكون لم يترك لكِ خياراً آخراً.. ولا تكوني عابرة

حبيبتي، مارسي الغموض بروعته وسخافته، وكافة طقوسه.. أوَ ليست النساء الغامضات مثيرات؟ بشكل واضح ارفعي رأسكِ وثبتي عينيْكِ.. واصرخي بملء رئتيْكِ: "هذا الهواء نصفه لي".. طالبي بنصف الكون.. واسعيْ للنصف الثاني. كوني متطرفة بكل تفاصيلكِ.. ولا تطالبي "بالمساواة".. نساء الصالونات يتلفّظن بعبارات انتهت صلاحيتها منذ احتلت الاشتراكية أوروبا الشمالية. كوني امرأة تخترع الهواء كما اخترع أحدهم الضوء.. واكتشف أحدهم النار.

اسمكِ لن يهم بعد مئة عام.. ولا قياس "حذائكِ".. بل هو الهواء الذي هو حق لكِ.. لا تكتسبه إلا القويات. كوني قوية، لأن الكون لم يترك لكِ خياراً آخراً.. ولا تكوني عابرة.. لكن استقبلي العابرين.. وتخلي عنهم.. ثم عودي مساءً إلى الحيّ الضيق.. وتجنبي الصالونات.. اكتبي مطوّلاً أي شيء.. عن الثورة العابرة.. والخوف العابر.. وكل ما هو مصنّف "قابل للتناقض".. وكل ما هو عابر.. سيعبر كالرصاص جسدكِ النحيل.. ويستقر على الجدار الأعزل.. ثمّ ستنامين قلقة، وخائفة.. وتحلمين بكونٍ يخلو من الهواء.. لأنكِ تعبتِ من مطاردة كل ما هو كالهواء.. عابر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.