شعار قسم مدونات

انفجار العنف في دارفور من جديد

مدونات - دارفور
كان إقليم دارفور مضطربا تماما حتى عام 2011م عندما قامت دولة قطر بعمل مبادرة جريئة لحل مشكلة الإقليم عجز عن تقديم مثلها الدول العظمى والدول الإقليمية، واعتمدت هذه المبادرة القطرية على من وصفتهم بأهل المصلحة في وقف الحرب ولم تنظر في مطالب "تجار الحروب" من المتمردين، ونجحت هذه المبادرة في تجميد الحرب في 90% من مساحة دارفور وفي إفقاد حملة السلاح شعبيتهم لصالح دعاة السلام في دارفور، ولكن ظلت هناك بؤر تضم جماعات مسلحة في أطراف إقليم دارفور تقتات على الحروب الأهلية في دول الجوار السوداني واتجه تجار الحروب في تلك البؤر للعمل كمرتزقة عند دول الجوار التي تعاني من الحرب الأهلية فظهروا في ليبيا داعمين لحفتر وفي جنوب السودان داعمين لسلفاكير.

فمنذ معركة قوز دنقو 2015م لم تكن هناك أي عملية عسكرية جدية لتمرد المسلح الذي بدا مشغولا بجمع الغنائم من دول جوار السودان المضطربة مما جعل أهل دارفور يشعرون بالأمن والأمان وفي نشوة "حوار الوثبة الوطني"، اتخذ الرئيس السوداني قرارات بوقف إطلاق نار واتخذت الحركات المسلحة المتمردة قرارات مماثلة مما جعل مواطن دارفور يشعر بأمن وأمان ضاع منه من عقود.

ربما يكون حال تجار الحروب مثل عرمان ومناوي معلوما للشعب السوداني، فهما كان حليفين للنظام حتى اختلافا في توزيع "الكيكة بعد الانفصال" فاتجها إلى حمل السلاح من جديد، إنما تكمن المشكلة في التطورات الخطيرة في الجبهة الداعمة للحكومة في دارفور.

إلا أن الفرحة لم تكتمل فقد اتخذ الرئيس الأمريكي السابق قراراً تنفيذيا برفع جزئي للعقوبات الأمريكية مشروطا بخمس مسارات إحداها هي وقف الحرب وتوصيل الإغاثة للمدنيين، وهذا القرار كان محل سخط للحركات المسلحة التي كانت تقتات على مسألة أن النظام السوداني مغضوب عليه دوليا وعلى الحرب وعلى دعم المنظمات الدولية مثل (أنقذوا دارفور وكفاية)، فعملت على إشعال الحرب من جديد وقد كان لهم ما شاؤوا في الأسابيع الماضية، فقد قامت قوات التمرد بالهجوم على دارفور من محورين محور قادم من جنوب السودان والآخر قادم من ليبيا ورغم أن القوات الحكومية استطاعت صد الهجومين إلا أن الغرض الأساسي من الهجومين قد تم؛ فقد خرج بيان من دول الترويكا يطالب الحكومة السودانية والحركات المسلحة بالوقف الفوري للأعمال العدائية مما يعطي انطباعا أن السودان لم يوفي بالتزامه أمام الولايات المتحدة بوقف الحرب وبالتالي يمكن أن تتأجل مسألة رفع العقوبات الاقتصادية.

ومما يؤكد أن هذا الهجوم هو جزء من عملية تآمر، هو خروج بيان للحركة الشعبية "شمال" تعلن فيه رغبتها في فتح جبهة في دارفور -قبل المعارك الأخيرة بشهر- أي أن الحركة الشعبية لم تكتفي بالخراب الذي سببته في جنوب السودان ولا بالحرب العبثية التي أطلقتها في مناطق النيل الأزرق وجبال النوبة بل هي تصر على نقل الحرب إلى مناطق آمنة هروبا من صراعاتها الداخلية سواء في قيادتها الجنوبية أو الشمالية.

ربما يكون حال تجار الحروب مثل عرمان ومناوي معلوما للشعب السوداني، فهما كان حليفين للنظام حتى اختلافا في توزيع "الكيكة بعد الانفصال" فاتجها إلى حمل السلاح من جديد، إنما تكمن المشكلة في التطورات الخطيرة في الجبهة الداعمة للحكومة في دارفور، فقبل أيام خرج بيان من الزعيم القبلي الدارفوري موسى هلال يدعو فيه أبناء قبيلته والقبائل العربية في دارفور لعدم القتال لصالح الحكومة وعدم الذهاب للحرب في اليمن، وأعقب ذلك بأيام هو خروج تسجيل للقيادي في مجلس الصحوة علي مجوك يتهم فيه الحكومة بتدبير هجوم لاغتيال الزعيم القبلي الدارفوري موسى هلال، وهدد القيادي في التسجيل بتصفية قبائل موالية للحكومة إذا ما أقدمت على هذا الأمر.. وهذا التصعيد ينبئ أن صراع دارفور يوشك أن ينفجر بشكل أعنف وبمكونات إضافية على المكونات الأخرى.

على الدول العربية وخصوصا مصر أن يكون لها خطوات إيجابية في دارفور بأن تقدم مبادرات سلام أو تضغط على الفصائل المتمردة أن تتجه للسلام لأن السلام في دارفور هو في صالح الأمن القومي المصري.

ويقال أن السبب في ثورة الزعيم موسى هلال الأخيرة على الحكومة هو الغيرة وأنه لم ينل التقدير الذي يستحقه من الحكومة في كيكة ما بعد الحوار الوطني، وأن الحكومة اتجهت في الفترة الأخيرة للاستغناء عنه لصالح ابن عمه الشاب الفريق محمد حمدان حميدتي الذي ارتفعت أسهمه كثيرا في الفترة الأخيرة وخصوصا بعد حرب اليمن التي أعلن أن قواته -الدعم السريع- تشارك فيها مع التحالف العربي وبعد أن أظهر قدرة على ضبط شبكات التهريب والتجارة بالبشر وأصبحت قواته مقبولة دوليا لدرجة أن يحضر تخريج مقاتليه الدبلوماسيين الغربيين والعرب.

أعتقد أن على الحكومة أن تبادر بوقف إطلاق نار جديد والتوقف عن ملاحقة فلول الحركات المسلحة، وأن تقوم باسترضاء الزعيم القبلي الهام لأن دارفور تقع في محيط بركانه مضطرب أخطر ما فيه "ليبيا" التي سقطت الدولة فيها والحرب مشتعلة بين الميلشيات والصحراء المصرية التي ينتشر فيها العناصر الإرهابية الخطيرة التي ارتكبت مذبحة المنيا، بالإضافة إلى نشاط المعارضة التشادية المسلح في شرق تشاد والفوضى في إفريقيا الوسطى.

أخيرا على الدول العربية وخصوصا مصر أن يكون لها خطوات إيجابية في دارفور بأن تقدم مبادرات سلام أو تضغط على الفصائل المتمردة أن تتجه للسلام لأن السلام في دارفور هو في صالح الأمن القومي المصري، وتتخلى عن سياسة المكايدات وإيواء الحركات المسلحة لأن انفجار دارفور لو تم لن يقل خطورة على الأمن القومي المصري من الفوضى في ليبيا أو سيناء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.