شعار قسم مدونات

التحول إلى وحش

blogs - جريمة
يستغرب كثيرون حجم العنف والدماء الذي يفتك ببلادنا اليوم وهو عنف لم يكن جديدا يوماً، ولكنه قديم متجدد دائماً. من أين ينشأ العنف؟ كيف يمكن لإنسان أن يقتل أخاه الإنسان؟ كيف يمكن لإنسان أن يهين ويعذب أخاه الإنسان؟ كيف يمكن له أن يستمتع بذلك؟ كيف يستمتع بالاغتصاب مثلا؟! كيف يستمتع بالتعذيب الجسدي أو النفسي الذي يوقعه على غيره؟ كل هذه الأسئلة أحاول أن أجيب عليها في قراءة وتلخيص مبسط لكتاب "حيونة الإنسان" لممدوح عدوان، وذلك بلحظ أهم النقاط التي أكد عليها الكاتب، وأجملها في عشر نقاط.

* ملاحظة: لا أعرض في هذه التدوينة مباحث الكتاب كما هي ولكن أنتقل ضمن هذه المباحث وألتقط أهم النقاط التي ركز عليها الكاتب مراراً وتكراراً، وأسخرها في خدمة موضوع التدوينة.

1- كلنا جلادون وإن لم نعترف:
حتى نفهم طبيعة الإنسان سنطرح عدة أسئلة: كيف يمكن لنا أن نفسر استمتاع الإنسان بمشاهد العنف ابتداء من المسارح الرومانية وليس انتهاء بحلبات المصارعة وأفلام الأكشن والرعب أو حتى الأفلام الإباحية؟ ما الهدف من إصدار الصرخات والصيحات المشابهة لأصوات الحيوانات في التدريبات العسكرية؟ أليست محاولة لإيقاظ الوحش الكامن فينا؟ وسؤال آخر.. كيف يمكن لتلك النسوة في البيوت الأرستقراطية الأوروبية واللواتي كنّ تخفن من فأر وقد يغمى عليهن عند رؤيته، كيف يمكن لبيوتهن أن تحتوي فروات رؤوس الهنود الحمر والتي كانت تؤخذ للذكرى؟!

"هناك من يجتهدون لإيجاد تعريف موجز ومختصر للإنسان فيقولون إنه حيوان ضاحك أو حيوان ناطق أو حيوان مالي أو حيوان يتمتع بالذاكرة أو حيوان سياسي أو حيوان طوره العمل… إلى آخر الصفات. ولكن هذه التعريفات كلها تتفق على منطلق واحد هو أن الإنسان حيوان".

يشير عدوان إلى أن التربية على العنف بذريعة توجيهه ضد الأعداء تتسبب بارتداده على المجتمع نفسه، ففي إحصائية نشرها مجلس حماية الأولاد الإسرائيليين تبين أن إسرائيل تتصدر سلم العنف بين تلاميذ المدارس عالمياً.

"ونحن ما نزال نبحث عن حيوانات تصلح للتشبيه: قوي كالثور أو كالحصان، غادر كالذئب، ماكر كالثعلب… ولكن ظل الحيوان الآخر آكل اللحوم المتلذذ بالتعذيب والقتل والتقتيل والتمثيل بالجثث من دون اسم".

2- قبل أن يولد الوحش.. يجب أن يموت الإنسان:
برمزية أدبية ملفتة يورد عدوان اقتباسا من قصة "الرجل والنملة" ليوسف إدريس، وفي القصة: رجل حريص على كرامته، ابن ريف معتقل وصامد أمام التعذيب لا يعترف بشيء، وفي المعتقل بضعة أطفال يظهرون جانباً مميزاً من جوانب الإنسانية لدى هذا الريفي الفلاح بما يستثيرونه فيه من شفقة وعطف.

"ذات يوم يطلب الجلاد منه أن يذهب إلى أقرب صخرة مجاورة حيث يوجد نمل لكي يجلب له نملة، وبعد أن يفعل الريفي ذلك ويعود يأمره الجلاد أن يضاجع النملة، ويرد الريفي، بحس النكتة الذي لديه، على عدم معقولية الأمر، بأن النملة التي لديه ذكر، فيأمره الجلاد أن يذهب للبحث عن نملة أنثى، ويفعل، فيأمره مجدداً بمضاجعة النملة الأنثى، وأمام التهديد بتعذيب الأطفال إن هو لم يفعل كما يأمره الجلاد، وأمام صرخات الأطفال الفزعة ونظراتهم المذعورة الراجية، يكشف الريفي عن عورته أمام الجميع ويتظاهر بأنه يقوم بعملية المضاجعة غير المعقولة".

"الأثر الساحق الذي تحدثه هذه العملية هو أن هذا الرجل الشهم يحس بأن فيه شيئاً قد تقلص وصغر وتحول إلى نملة، شيئاً في شخصيته الداخلية العميقة قد مسخ، حتى إنه استمتع بمضاجعة النملة، لم يعد الرجل الشهم في الأعماق، حلت محله النملة، والنملة مخلوق تافه لا علاقة له بالإنسان ولا كرامة ولا كبرياء ولا قدرة على المقاومة، ولذلك فإن الرجل – النملة "الرجل الذي أصبح نملة" ينهار ويعترف".

3- العنف يولد عنفاً.. والقمع يولد قمعاً:
يتخم الرجل بما يواجهه من صعوبات في ميادين الحياة وفي محاولاته لكسب الرزق، فيصب أكوام الشقاء من داخله على زوجته.. تحمل الزوجة ما فاض من نفس زوجها وتسكبه بدورها على أطفالها، ويستمر المسلسل منتقلاً من الأخ الأكبر إلى الأخ الأصغر.. كل يمارس عنفه على من دونه، وفي النهاية ربما نرى أضعف أفراد الأسرة يرمي فضلات العنف عن كاهله، فإما أن يلقيها على ألعابه مثلاً أو أن يغسلها بالبكاء.

ولا يتوقف الأمر عند مستوى الأسرة بل يتعداها إلى المجتمع، فعندما يقمع رجل السلطة أفراد حاشيته، يتوجه هؤلاء الأفراد المقموعون إلى من دونهم في المناصب بالقمع أيضاً، وهكذا الأدنى فالأدنى.. ويشمل هذا دوائر السلطة والشركات وحتى المدارس. هل هذا فقط؟ حسنا، ثمة شكل آخر لولادة العنف والقمع، وهنا يشير عدوان إلى أن التربية على العنف بذريعة توجيهه ضد الأعداء تتسبب بارتداده على المجتمع نفسه، ففي إحصائية نشرها مجلس حماية الأولاد الإسرائيليين تبين أن إسرائيل تتصدر سلم العنف بين تلاميذ المدارس عالمياً، إذ أن مقدار 24 بالمئة من تلاميذها تعرضوا للعنف خلال عام 1999م.

ويشرح عدوان كيف يستطيع الديكتاتور توفير العناصر اللازمة لتنفيذ مجزرة جماعية، عن طريق توزيع المهام والمسؤوليات، فهناك من يقومون بعمليات الاعتقال، وآخرون بالتجميع، وغيرهم بنقل المعتقلين بالسيارات.

4- الجدار المنخفض يعلم الناس السرقة!
"هناك قصة، وربما مقالة، رائعة ليوسف إدريس عن المدرب في السيرك الذي افترسه النمر، وهي حادثة حقيقية حدثت في مصر، التقطها يوسف إدريس وكتبها بطريقته الجميلة، وفيها يقول للمدرب الذي افترسه النمر: إن النمر الذي يخافك حين كنت تنزل إلى الحلبة بسوطك وهيبتك ونظرتك الصارمة، ولكنك في ذلك اليوم الذي حدثت فيه الحادثة كنت تفكر في العيال، وتحسب الحسابات التي تجعلك تتحول إلى إنسان خائف على مورد رزقه، ولقد رأى النمر بغريزته ذلك الخوف في عينيك، وهذا ما جعله يتجرأ على مهاجمتك".

وهنا وضح إدريس ومن خلفه عدوان وبرمزية القصة كيف تغري الضحية الضعيفة خصمها، والذي قد لا يزيد عنها قوة، وربما لا يتميز عنها إلا بقدرته على تخويفها.

"إن مشهد امرأة تسير وحدها في الليل لا يشجع الجميع "الذكور" دوماً على اعتراضها أو مضايقتها، ولكن بعض الحركات التي تبدو عنها قد تشعر كثيرين بأنها ممكنة فيتحول كلها إلى فريسة".

5- طاعة السلطة:
في تجربة قام بها الدكتور ستانلي ملغرام في جامعة بيل الأمريكية، تظهر إلى أي مدى يمكن أن يصل الإنسان في إيقاعه الأذى بإنسان آخر لا تربطه به أي رابطة سلبية أو إيجابية، وقد تبين في التجربة أن أكثر من 60 % من سكان الولايات المتحدة يصلون إلى أقصى الحدود المفترضة "القتل"، طالما أن هناك سلطة يحترمونها أو يخافونها وهي التي توجه إليهم الأمر، ومن ثم فهي تتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية عنهم.

ويشرح عدوان كيف يستطيع الديكتاتور توفير العناصر اللازمة لتنفيذ مجزرة جماعية، عن طريق توزيع المهام والمسؤوليات، فهناك من يقومون بعمليات الاعتقال، وآخرون بالتجميع، وغيرهم بنقل المعتقلين بالسيارات، وغيرهم أيضا بحراسة معسكرات الاعتقال. وكل منهم لا يحس أنه ينفذ مجزرة، بل إنه ينفذ أمراً محدداً صدر إليه! أمراً يتعلق بتفصيل يمكن عده منفصلاً عن المجزرة. ثم تأتي عمليات القتل النهائية والتي تقتضي وجود بعض العتاة الذين لا يصعب العثور عليهم أو إعدادهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.