شعار قسم مدونات

تحقيق الذات.. أطلق لروحك إشراقها

مدونات - النجاح

لا شكّ في حقيقة أنّ الكون تحكمه قوانين يسير وفقها، ولا جدال في حقيقة تلك القوانين المُثبَتة علمياً وواقعياً، سواء اكتُشِفت وتعرّف الناس عليها، أو لم تُكتشف بعد، وبمعنىً أدق لم يُدركها الناس بعد. وبنظرة خاطفة لكمّ القوانين المُسيّرة للكوكب الذي نعيش ونوعيتها، ومروراً بعصر التنمية البشرية وما يحفّه من قوانين ونظريات تنموية وإدارية يُطلق لفظ " الفلسفة" على غالبها، لنقع في حيرة من الأمر وغوغائية التفكير والمنطق.

مذ دخلنا المدارس وبدأنا حقل ألغام القوانين وشيفرات العلم كان أول ما واجهنا ذاك الذي بغضه الكثيرون؛ نيوتن وقوانينه ونظرياته، لعلّ أسهلها حفظاً وأقربها فهماً وأمكنها في الذهن قانونه الثالث الذي ينص على أنّ " لكل قوة فعل قوة رد فعل، مساوية لها في المقدار ومعاكسة لها في الاتجاه"، بعيداً عن التفسيرات العلمية التي تزخم بها المراجع، فقد فسّره كثيرون تماما كما فسّروا قانون "الضغط يولّد الانفجار" من حيث المبدأ والمنطق والواقع، فحين تلاقي مثلا أباً يُحدّ حرية أبنائه تُعنّفه بنصي هذين القانونين، وحين تقع بأزمة وضغط نفسيّ سيأخذك خيالك إلى النتيجة الحتميّة وهي الانفجار، بغض النظر أكان إيجابيا مرتجى، أم سلبيا متجنّبا.

انفض عنك غبار التكاسل، تحدّ العالم لتصل مُرادك، عِش صدماتك بإيجابية وتفاؤل، استعن بالله ولا تعجز، ولا تسأل الله حملا خفيفا، بل اسأله ظهرا قويا شديدا يحمل الحمل ويقوى عليه.

وتعمقا بتلك القوانين ومثيلاتها، وتجارياً مع المنطق والواقع في تفسيرها وتضمينها، فقد انكشف الغطاء مؤخراً عن نظرية يفتقرها واقعنا، ألا وهي ما أوجدها" آرنولد توينبي"وسماها بنظرية" التحدي والاستجابة" والتي أنشأها في موسوعته التاريخية المعنونة بدراسة للتاريخ.

يُـفسّر توينبي هذه النظرية بقوله: "إنَّ الفرد الذي يتعرض لصدمة قد يفقد توازنه لفترةٍ ما، ثم قد يستجيب لها بنوعين من الاستجابة"، هذان النوعان كما فسرناهما مسبقاً في حالة الضغط وما يولده من انفجار، فقياساً؛ قد تكون تلك الاستجابة سلبية تشلّ أركان الشخص وترميه في غيابة الجب، فتراه متشبثاً بماضيه المرّ ورافضاً مواجهة الواقع الأمرّ برأيه، فلا هو راضٍ بهذا ولا بذاك، فيظلّ منعكفاً على نفسه فارّا مما حوله، فإن كان قد خسر في تحدي تحقيق أهدافه مثلا واستجاب لذلك سلبيا، فقد كتب على نفسه وعلى كل أهدافه وطموحاته المستقبلية بالنكوص إلى الماضي وقتل المستقبل بالمُسبق، فهو قد وقع في صدمة أعمت أبصاره عن مستقبله، وشلّت دماغه عن التفكير حتى بأن يخرج منها أو على الأقل يواجهها. فكثيرا ما نرى مشاريع هُدمت، ورؤوس أموال تساوت والأرض، وخطَط سُحِقت ونُسِفت نتيجة تلك الاستجابة السلبية لتحدّ أعيا صاحبه.

ومن نافذة أخرى، نرى ذاك الشخص الصلب العنيد، المتحدي الثابت والمتمسك بتحقيق أهدافه رغماً عن ما لاقى وسيلاقي، الشخص الواثق المبادر، الذي يطوّع ما يريد بإرادته، ويُسيّر ما يشاء بهمته، لا تضرّه رياح عاصفة ولا أمواج عاتية، هو فقط يعرف ما يريد، وحتماً بهمته وثقته ومشيئة الله من قبل ذلك سيحقق ما يريد وما يبغي. وخلافاً عن قرينه السلبي، فهذا الشخص قد تقبّل الصدمة واعترف بها واقعا ملموسا كعين الشمس، لكنه لم يركن يوما ولم يتواكل، أخذ بالأسباب وخطوة بخطوة حاول وفكر وخطط وعمل، وتغلب على ذلك فحقق حلمه، وخرج من صدمته، وصار شيئا كذاك الذي تمناه وعمل على تحقيقه.

فكم من نجاح نشهده كان سببه تحد عميق، وعقلية فذة لم تتقاعس، وفكر نير لم يغرق في مستنقعات الفشل، فحلمه الذي أقض عليه نومه وأجبره على فرك عيونه ليقتبس نورا من جديد أخذ بيده وأهداه رشده، فلا مجال للتباكي وضرب الأكف تأففا وفشلا، قم أعقل وتوكّل، القاع مليء بما دونك وبالذين رضوا بأن يكون هو مكانهم، لكن أنت؟! هذا ليس مكانك، لا يليق بك بأن تقف على الأطلال راثيا حلمك، قم فلك شيء في هذا العالم، قم وأطلق لروحك إشراقة تبث فيها الحياة من جديد، واعلم أن العالم كعقارب الساعة لا تتوقف، وكدولاب لا يوقفه شيء ولكنه يطحن ما سكن أمامه!

قصص كثيرة متوالية حولك لأشخاص تركوا بصمة وأبعدوا عنهم شبح اللاقدرة، وبذلوا الغالي والنفيس من وقت وجهد ومال وحتى مواجهة المجتمع وشخوصه لأجل قضية غُرست في داخلهم، ولأجل حلم يرونه قريبا ونراه نحن بقصورنا وعجزنا وعدم مبادرتنا بعيداً مستحيلا.

كلما ازداد التحدي تصاعدت قوة الاستجابة حتى تصل بأصحابها إلى ما يسميه بـ "الوسيلة الذهبية"، فالدرب طويل، والهدف عظيم، والوصول إلى أسمى الغايات لا يأتي بالكلام المُهمّش والفعل العشوائي.

ذات يوم كنت قد قرأت إهداء كتاب فصح بليغ كان كاتبه قد وجهه لمعلمة العربية التي عذّرته مرارا وقللت من شأنه، وهذا أديسون الذي أضحى عالِما فذا بعد أن طُرد من مدرسته ووصف بالغبيّ، حتى أنا، فكانت استجابتي الإيجابية المفعمة بالتحدي والإصرار، والناظرة بعين الواثق بالله ومن ثَم بقدراتي وراء كتابة هذا المقال لتذكرني يوما بأني على قدر من التحدي أولا، وبأني حققت ما أصبو إليه ثانيا، فلا كلام أحدهم يُثبط عزيمتي، ولا تقليل شأني بنظرهم يُحبطني ويجعلني أتراجع عن هدفي.

واستجابة لنظرية التحدي والاستجابة؛ فبعيداً عن الطيبة والسذاجة التي جعلتنا مطيّة الأمم المستعمرة ودمرت ما بناه الأولون وأسسوه، وبعيداً عن التغني بأمجاد أسيادنا والسلف الناجح، فلا بد من زيادة الوعي والإدراك في التعايش مع هذا العالم المخيف، ولابد من إكمال مسيرة ما حققه الناجحون من قبلنا على الوجه الصحيح المشرق لنعيد أمجادا هُدمت، وعزّ أمة ذُلّت، فلن يكفينا مثلا أنّ خالدا بن الوليد كان سيف الله المسلول الذي ذاد عن حياض الدين، ولن تطبطب جراحاتنا كتب ابن سينا وابن النفيس ما لم يكن هنالك عالما مقداما أكمل مشوارهم، ولن تُحلّ المعادلات إن رُكِنت كتب الخوارزمي على الأرفف، ولن تُغنينا ثروة قارون إن انتظرنا السماء تمطر مالا، وتذكر "إن الفتى من يقول ها أنا ذا ليسَ الفَتَى مَنْ يقولُ كان أبي".

وعودة إلى نظرية توينبي، فقد آمن أنه كلما ازداد التحدي تصاعدت قوة الاستجابة حتى تصل بأصحابها إلى ما يسميه بـ "الوسيلة الذهبية"، فالدرب طويل، والهدف عظيم، والوصول إلى أسمى الغايات لا يأتي بالكلام المُهمّش والفعل العشوائي، انفض عنك غبار التكاسل، تحدّ العالم لتصل مُرادك، عِش صدماتك بإيجابية وتفاؤل، استعن بالله ولا تعجز، ولا تسأل الله حملا خفيفا، بل اسأله ظهرا قويا شديدا يحمل الحمل ويقوى عليه.

ولذاك الذي كان سببا في كتابتي للمقال، الأيام دول، شكرا لزعزعة مشاعر التحدي داخلي، وشكرا لأنك جعلتني أقف من جديد بقوة وإصرار أكبر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.