شعار قسم مدونات

رسالة من فاشل سابق في الثانوية

blogs - طالب
من حوالي اثني عشر عامًا سنة تقريبًا كنتُ في الثانوية العامة، وكطالب مهمل كان يومُ النتيجة بالنسبة إلي يومًا عاديًا جدًا، وحدث فيه ما كان متوقعًا؛ ألا وهو درجات سيئة لا تكفي حتى لشراء ساندويتش طعمية كما كان يقول صديقي ورفيقي في الفشل. قبلها بعشر سنين كنتُ طفلًا ذكيًا شقيًا نابهًا، لكن كان خطّي سيئًا، فكان أبي يقول دومًا: هذا الفتى سيصير طبيبًا؛ فإن هذا الخَطَّ السيئ خطُّ أطباء، وطبعًا رحم الله أبي ومات قبل أن يرى مجموعي في الثانوية، والذي لم يؤهلني حتى لدخول معهد لاسيلكي، كما كان يتهكّم صديقي الآخر.
كنتُ طالبًا فاشلًا بمعنى الكلمة، أقضي الوقت في لعب الكرةِ والدوران على المقاهي ومحلات البلاي ستيشن والجري في الشوارع، ولهذا لم أتفاجأ يوم النتيجة بشيء، بل كنتُ سعيدًا أني خرجتُ نظيفًا دون أن أضطر إلى دخول الدور الثاني. ومن هذا المنطلق؛ ومن موقعي هذا كطالب فاشل سابقًا أحب أن أقول لإخوتي الذي لم يحصلوا على مجاميع ترضيهم، إن هذا ليس نهاية العمر، بل بدايته، و ليست كل الأحلام مرتبطة بالثانوية العامة، فالآن الدنيا مفتوحة، والمستقبل للتكنولوجيا والحاسبات واللغات، فيا أصدقائي لا تكلفوا أنفسكم وأهليكم عناءً آخر بعد العناء.

فيا آباءنا ويا أمهاتنا؛ قضي الأمر، وما حدث قد حدث، فلا تسببوا لأبنائكم عُقدًا فوق العُقد، كفاهم ما هم فيه، ضموهم إلى صدوركم، ربتوا على أكتافهم، قولوا لهم نحن فخورون بكم مهما كان، وإننا وإن أحزننا المجموع فإنه يحزننا أكثر أن نرى هذا الانكسار في عيونكم.

كان لي صديق في الثانوية، وكان عضوًا في "شِلّة" المتفوقين، ودخل كل أصدقائه كليات القمة ـ زعموا ـ لكنه لم يتحصل على مجموعٍ يؤهله لشيء إلا لكلية الحقوق، وكلية الحقوق كانت أقل كلية في التنسيق، ومرت بضع سنين، وتفوق صديقي هذا في كلية الحقوق، وصار من الأوائل، وتم تعيينه في الجامعة، ومرت سنين قليلة أخرى، وأصبح صديقي هذا أفضل ماديًا واجتماعيًا من كل زملائه متفوقي الثانوية العامة، وصار يغبطه الجميع، بما فيهم رفاقه في "شِلّة" المتفوقين.

فيا إخوتي أبطال معركة الثانوية؛ ادخلوا كلياتٍ تتناسب مع إمكاناتكم وقدراتكم، وأثناء الدراسة تعلموا لغات وأجيدوها، تعلموا حاسبات وبرمجة، وأثروا أنفسكم وسلحوها بكل علم متاح، فالمستقبل لكم إن عزمتم وتوكلتم. واعلموا أن أغلب عظماء العالم قديمًا وحديثًا، والذين غيروا وجه العالم وبنوا أوطانهم وغيروا وجهها لم يكونوا من أوائل الدراسة، على سبيل المثال: (أديسون، أينشتاين، نيوتن، كوري، الأخوان رايت، بيل جيتس، ستيف جوبز، دي سيلفا، مانديلا، مهاتير محمد، غاندي، زويل، هتلر" نعم اعتبر هتلر عظيم (ميجراش حاجة) وأخيرًا ليس آخرًا عمرو العوضي (مين ده؟).

وكل شخصٍ أحبطه مجموعه؛ عليه أن ينظر إلى السيسي جيدًا، وسيعلم أنه ورغم الخمسين في المائة في الثانوية، والفلاتر، والغباء المركب، وجينات السهوكة المتأصّلة، إلا أنه أصبح رئيسًا لمصر "وإنا لله".

فيا آباءنا ويا أمهاتنا؛ قضي الأمر، وما حدث قد حدث، فلا تسببوا لأبنائكم عُقدًا فوق العُقد، كفاهم ما هم فيه، ضموهم إلى صدوركم، ربتوا على أكتافهم، قولوا لهم نحن فخورون بكم مهما كان، وإننا وإن أحزننا المجموع فإنه يحزننا أكثر أن نرى هذا الانكسار في عيونكم.

افخروا بهم أمام العمات والخالات (الزنانات) وقولوا أمام الجميع أبناؤنا أكرم وأغلى عندنا من درجات وتنسيق، صدقوني إن فعلتم فربما تكون تلك لحظة تغيير كبرى لأبنائكم، هذا فضلًا عن أن التبكيت لن يغير قدرًا، وأن الحزن لن يعيد الزمان للوراء.

زملائي الفشلة الجدد في الثانوية.. أنا أخوكم الفاشل السابق في الثانوية، أنصحكم بالاسترخاء، بالرضا، بالتحدي، بالتخطيط والعمل للمستقبل. وأريدكم أن تنظروا جديًا إلى هذا الوطن، ستجدوا أن الكل يعاني، وأن الأمور في أوطاننا العربية كما يُقال محصّلة بعضها "كله سواد يا إخواننا". قلتُ لنفسي ذات يومٍ بعدما نظرتُ إلى الماضي ووجدتُ أن مؤهلاتي الدراسية لم تكن كما ينبغي: أنا عندي أحلام كثيرة، حققتُ بعضها، وسأحقق البقية بإذن الله، والثانوية مرحلة وانتهت، وأحلامي لن يحدها شيء، وأملي في الله كبير، والله على كل شيء قدير، وفي النهاية تلك الدنيا ليست بدار نعيم.

صديقي.. نستطيع أن نبدأ دومًا من جديد، في أي وقتٍ، وفي أي عمرٍ، فالأحلام لا تعترف بالمجموع ولا بالشهادات. الأحلام تعترف فقط بمن يصدقها، فصدقوا أحلامكم تجدوها واقعًا بإذن الله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.