شعار قسم مدونات

ماذا لو قررت غزة الانفجار؟

blogs - علم فلسطين
بات من المؤكد أن الحصار المشدد الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من عشر سنوات على غزة قد تفاقم بشكل كبير إثر العقوبات الجماعية التي فرضها محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية على عموم المواطنين في غزة، فقد أصبحت الحياة المعيشية اليومية أشد قساوة من ذي قبل، فشُحُّ مياه الشرب إكسير هذه الحياة أصبح واقعاً ملموساً، وانقطاع التيار الكهربائي الذي طالت تأثيراته الخدمات الأساسية أصبح يمتد لأيام متواصلة، والوقود المصري الذي عوّلت عليه غزة لتشغيل محطتها الوحيدة للكهرباء تعثّر وصوله، لتجدَ غزةُ نفسَها غارقةً وحدَها في الظلام.

ضيق الحال في غزة ربما دفع كثيرين من أهلها إلى الشعور المتزايد باليأس والإحباط، وليس خافيا أن هذا هو الهدف الأساس الذي سعى إلى تحقيقه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس من خلال إجراءاته الأخيرة ضد مواطني غزة، على أمل أن يدفع اليأس بالأهالي إلى الانفجار بوجه المقاومة وحماس، وقد اعترف بذلك بشكل واضح محمد اشتية عضو اللجنة المركزية لحركة فتح رافضاً التنفيس المصري لحصار غزة، بل ذهب عزام الأحمد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح إلى أبعد من ذلك حين دعا علناً قبل أيام أهالي غزة لتقديم آلاف الشهداء والانتفاض في وجه الانقسام كما انتفضوا سابقاً في وجه الاحتلال.

مؤشرات عديدة تؤكد أن الانفجار باتجاه الاحتلال هو الخيار الأقرب للواقع الغزي، وهذا ما ذهبت إليه مجلة فورين أفيرز في عددها الصادر عن شهر يونيو الماضي.

مشاركة السلطة الفلسطينية الفاعلة لجيش الاحتلال بتشديد حصار غزة من خلال عقوباتها الجماعية ضد الأهالي، وحرصها على حرمان غزة من الخدمات الأساسية مثل الدواء والكهرباء دفع سبعة من مقرري الأمم المتحدة قبل أيام قليلة فقط إلى إصدار بيان مشترك طالبوا فيه بإيقاف سياسة العقاب الجماعي بحق أهالي غزة، منوهين أن الأوضاع على حافة الانهيار وقد تتطور إلى كارثة محققة، وقد أكد تلك التخوفات المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف، الذي حذر من أن استمرار الوضع الحالي لسنوات قليلة قد يجعل غزة مكانا غير صالح للحياة البشرية.

ورغم أن الاحتلال يدرك جيداً صعوبة الأوضاع التي تمر بها غزة جرّاء تشديد حصاره عليها، إلا أنه دائم الحرص على التهرّب من مسئولياته القانونية تجاهها، فهو يخنق أهلها ويحاصرهم من البر والبحر، ويسيطر على سماء غزة، ويتحكم في تحديد أنواع وأحجام وكميات ما يدخلها من سلع وخدمات، وينتهك أدنى الحقوق الفلسطينية، وفي المقابل يسعى إلى ترويج عدم مسئوليته المباشرة عن توفير الاحتياجات الأساسية من دواء ومياه وكهرباء لسكانها، والأدهى أن انتهاكات الاحتلال التي تخالف أبسط المواثيق الدولية والقانون الدولي الإنساني تجري وسط صمت عربي ودولي مريب.

أمام مشهد إمعان الاحتلال والسلطة الفلسطينية معاً في تشديد الحصار، وعدم شعور المواطن الغزي بنتائج ملموسة للتوافقات مع الجانب المصري على صعيد الحياة اليومية في غزة، يجد المواطنون الذين جاوز تعدادهم المليوني نسمة أنفسهم أمام خيارين اثنين أحلاهما مر، إما الموت البطيء أو الانفجار، وفي ظل هذه الخيارات التي لا تقل مرارتها عن واقع غزة الحالي يبقى التساؤل الأهم، هل سيكون هذا الانفجار على شكل مواجهات دامية في شوارع غزة مع حماس كما تخطط وتشتهي السلطة الفلسطينية وحركة فتح، أم أن الانفجار سيكون باتجاه المستفيد الفعلي من استمرار وتشديد الحصار ألا وهو الاحتلال؟؟؟

 الفلسطينيون المحاصَرون في غزة، في ظل تضحياتهم  خلال السنوات العشر الماضية، حين يضطرون للاختيار ما بين موتٍ بطيء أو قتال من يحاصرُهم، فإنهم بكل تأكيد سيرفضون الموت البطيء.

مؤشرات عديدة تؤكد أن الانفجار باتجاه الاحتلال هو الخيار الأقرب للواقع الغزي، وهذا ما ذهبت إليه مجلة فورين أفيرز في عددها الصادر عن شهر يونيو الماضي، وهي مجلة شهرية متخصصة في السياسة تصدر عن مجلس العلاقات الخارجية في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث رأت أن استمرار هذه الأزمة الخانقة سيؤدي لا محالة إلى مواجهة مسلحة بين المقاومة والاحتلال، بل إن عدداً من كتّاب ومفكري دولة الاحتلال أمثال الكاتب عاموس هرئيل والجنرال المتقاعد غال هيرش الذي يترأس معهد "مستقبل الزعامة" دأبوا في الآونة الأخيرة على طرح احتمالية وقوع تلك المواجهة المسلحة، وربما يفسر ذلك المناورات العسكرية التي أجراها جيش الاحتلال في الآونة الأخيرة في محيط غزة.

انفجار غزة القادم باتجاه الاحتلال ربما يكون مجهول التوقيت أو شرارة الانطلاق، لكنه بكل تأكيد سيكون مسألة حياة أو موت بالنسبة للغزيين، وقد تسعى المقاومة خلاله إلى تجنب الأخطاء السابقة، وتحقيق مكتسبات ميدانية توفر حياة كريمة لأهالي غزة وتُغيّر معادلة العلاقة مع الاحتلال.

لا تتمنوا لقاء العدو، شعار يرفعه الفلسطينيون المحاصَرون في غزة، في ظل تضحياتهم الجسام خلال السنوات العشر الماضية، لكنهم حين يضطرون للاختيار ما بين موتٍ بطيء أو قتال من يحاصرُهم بحثاً عن الحياة، فإنهم بكل تأكيد سيرفضون الموت البطيء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.