في البداية أتمنى أن تتناول النساء تلك التدوينة بشيء من الصبر والسيطرة على النفس، فقد تبدو لبعضهن كانتقاد غير مرحب به، أو ترى فيه تعدي سافر على حريتها، ولكن أتمنى وأثق كل الثقة في فكرهن وبصيرتهن، واستطاعتهن على إدراك الحقائق كاملة، وإن لم يحدث لا قدر الله فالويل كله لي.
حين نتحدث عن الأسرة يجب أن نضع كل شيء في مكانه، للرجال واجب وعليهم مسؤولة، وللنساء واجبات ومسؤوليات أكبر، فالرجال منذ تأسيس الأسرة وهم خارجها، مرتبطون كليا بالعمل من أجل الحصول على احتياجات الأسرة، والدفاع عنها وقيادتها، أما النساء فارتبطن بأسرتهن ورعاية الأبناء، لذا حين نرى خلل في الأسرة يجب أن تتحمل النساء المسؤولية الكبرى.
اليوم نرى تغير شامل للنظم والتقاليد التي أبقت على الأسرة و"البيت المقدس" ثابت وراسخ لأكثر من عشرة آلاف سنة، فركبت النساء، وشقت طريقها، ولا يمكن اليوم أن تضربها، ولن تطهو لك الطعام، وقد لا تبقى معنا. |
قد لا تحاول النساء الاعتراف بمشكلة ما، إذا كانت ترى أنها تحقق ما أرادت، ولكن لنتحدث عنها ربما قد تغير شيء ما. في البداية علينا أن نعترف أن تاريخ علاقة النساء بالرجال ليست إلا علاقة بين عدوين، فمنذ القدم لم تكن المرأة إلا جارية، أو زينة اجتماعية، أو متعة جنسية، فكان أرسطو يرى المرأة على أنها "إخفاق الطبيعة في إنتاج رجل" فمن حيث تبعيتها الطبيعية تنتمي لطبقة العبيد، كما لم تختلف كثيراً في نظر اليهود، والعرب وغيرهم، ولسنا هنا من أجل استرجاع تاريخ اضطهاد النساء، ولكن تلك النبذة التاريخية للصراع القديم الحديث، قد يوضح لكم التسلسل الغير مرئي لتغير المرأة إلى رجل.
حين تقوم بسجن طائر بلا طعام أو شراب، ثم تطلق سراحه قبل أن يلقي حتفه، هل تعتقد أنه يمكن أن يعود إليك مرة أخرى؟ بالتأكيد لا وهذا ما حدث للنساء، حين أتيحت لهم فرصة الهروب من سجن الأسرة وسيطرة الرجال، تمسكت بتلك الفرصة وهربت، فأصبح شغلهن الشاغل اليوم هو التفوق على الرجال، وإثبات قدرتهن على فعل ما لا يقدروا على فعله.
قد يبدو إليك أن التغير الذي طرأ على النساء انتقام من الرجال، لكن لا الأمر مختلف، فمنذ أن التهمت المصانع الأراضي، وابتلعت المصانع خيرات القرى، لم تعد الحياة كالسابق، فالنساء وإن كان لهم السبب الرئيسي في انهيار الأسرة، وهدم فكرة الزواج التي كانت حائلا دون الشهوة الإنسانية، لكن لهن العذر، فحين بدأت الحياة في التغير، كانت النساء هن أكثر المتضررات.
الشاهد الأكبر على ذلك، تحكمها في غريزة الأمومة، فالأطفال قديما كانوا مصدر سعادة، وكثرتهم عوناً، لكن الآن أصبح وجودهم عائقاً في المدن المزدحمة والشقق الضيقة، فاليوم ترى النساء في تحديد النسل، سبيل النجاة من الفقر الدائم، والجهل المستمر، بل حتى أصبح الحمل نفسه، عملية خطرة لابد أن تتم دراستها بعناية، فالعمل يتطلب الجاهزية الكاملة.
المرأة التي نصح نيتشه أن ترافقها بالسوط لم تعد كما هي، فاختلاف الزمن والأفكار وضع حائلا أمام نصيحته، وتحولت إلى شهرزاد توفيق الحكيم، فراحت تنتقم بقصصها الغامضة من شهريار لأجل بني جنسها حتى انتحر شهريار في النهاية.
يقول علماء الاجتماع إن الأخلاق والنظم والتقاليد لا يمكن تبديلها إلا بالتدريج البطيء غير المحسوس، ولكن اليوم نرى تغير شامل للنظم والتقاليد التي أبقت على الأسرة و"البيت المقدس" ثابت وراسخ لأكثر من عشرة آلاف سنة، فركبت النساء، وشقت طريقها، ولا يمكن اليوم أن تضربها، ولن تطهو لك الطعام، وقد لا تبقى معنا، فاكتسبت أصواتاً، في الوقت نفسه الذي فقد فيه الرجال أصواتهم، فتجلس اليوم، تدخن، وتفكر، وتشرب، في حين يجلس الرجل الذي احتكر في الماضي تلك الفنون في البيت يشرف على تربية الأطفال.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.