شعار قسم مدونات

آسر.. حين يحاكم السيسي طفلا

في فبراير أو مارس 2016 بدأت أطالع أخبارا غريبة عن اختفاء الطفل آسر زهر الدين اختفاء قسريا. كانت أخبار كثيرة بدأت تنتشر عن خطف المطلوبين أمنيا، بدون إجراءات اعتقال رسمية، ثم تعذيبهم في مقار احتجاز غير قانونية، لكن آسر طفل، فكيف يتعرض لمثل ذلك؟ وكيف سيؤثر ذلك على مستقبله؟

 

تواصلتُ مع محاميه الأستاذ مختار منير، الذي كان قد صرح وقتها أن اختفاء آسر قسريا استمر لمدة 33 يوما، وعرفتُ أن أسرته عاينت في أول زيارة له في السجن، بعد إظهاره، آثار التعذيب الذي تعرض له، كما أن محاميه صرّح بأنه طالَبَ النيابة بعرضه على الطب الشرعي لإثبات آثار التعذيب عليه فرفضتْ! ثم بدأتْ محاكمته في دائرة الإرهاب، مع أطفال وبالغين، أمام القاضي ناجي شحاته، الشهير بقسوة أحكامه، مع أن ذلك يخالف صريح القانون لأنه يجب أن يُحاكم أمام محكمة الطفل.

ذلك كله في غاية الغرابة. فإذا كان ممثل النيابة واثقا من سلامة آسر من التعذيب، فلماذا لم يوافق على عرضه على مصلحة الطب الشرعي، التي هي جهاز رسمي تابع للدولة قبل أي شيء؟ لماذا يخالف القضاء المصري صريح القانون بأن يُحاكم أطفالا أمام محكمة البالغين؟ ما الخطر الذي يمثله آسر حتى يحاكمه القاضي الذي، بحسب تقرير صحفي مرفق في نهاية المقال، أصدر نصف أحكام الإعدام في مصر؟

 undefined

 

 

في أوائل يوليو الجاري، تسلمت أسرة آسر شهادة تقدير من مدرسته، سأُرفِق صورتها، تكريما لتفوقه وحصوله على المركز الثاني على طلاب الصف الثاني الثانوي بالمدرسة، في العام الدراسي 2016 – 2017. نعم، أصر آسر على تجاوز ظروف السجن غير الآدمية وذاكر، وامتحن في لجنة خاصة بالسجن، وبحسب استقصائي، لم يتم تصحيح امتحاناته في مدرسته، بل في لجنة خاصة بالمنطقة التعليمية. بالنسبة لي، لم يكن تفوقه مدهشا، بعد أن رأيتُ صورا نشرتها شقيقته لأعمال فنية يدوية صنعها آسر تثبت صبره وإبداعه وقدرته الكبيرة على التعلم.

 

لكن في التوقيت ذاته، أدرجت محكمة مصرية اسم آسر على قوائم الإرهاب! فما حكاية ذلك الطفل؟

 

في شهادة مدير الفندق المتضرر قال بأنه لم ير شيئا بنفسه، بل أخبره أمن الفندق بأن رجلا يركب دراجة نارية أطلق النار على الواجهة الزجاجية، (أو بضعة رجال بحسب شهود آخرين) فكيف كانت مظاهرة إذن؟

في يوم 12 يناير 2016 داهمت الشرطة منزله في الثانية فجرا، اختفى قسريا لأكثر من شهر، ثم ظهر في السجن وعُرِض على نيابة أمن الدولة العليا دون محامٍ. كان عمره يومها 14 سنة و11 شهرا. بعد ذلك تمكن محاميه من الحضور في الجلسات التالية. ولأن الحصول على أوراق أية قضية تنظرها نيابة أمن الدولة في حكم المستحيل فقد اعتمدتُ على شهادة المحامي الشجاع مختار منير، الذي شهد بأنه أثناء المحاكمة عرضت النيابة مقطع فيديو لمظاهرة على أنه دليل على إدانة المتهمين، فلم يظهر منهم أحد في الفيديو المعروض، والأغرب من ذلك أن تاريخ الفيديو ظهر على الشاشة 1 يوليو 2016، مع أن تاريخ المظاهرة محل الاتهام يوم 7 يناير 2016؛ وعلى ذلك كان المتهمون في قبضة الداخلية في تاريخ المظاهرة المعروضة في الفيديو بتاريخ 1 يوليو التالي.

 

كما أن أحد شهود الإثبات شهِد أثناء المحاكمة بأن المظاهرة انعطفت إلى يمين الفندق الذي تضرر بكسر زجاج واجهته وزجاج الحافلة الواقفة أمامه، مع أنه لا شوارع متاخمة ليمين الفندق أصلا، بل مجموعة متواصلة من المحلات، بحيث يستحيل أن ينعطف المتظاهرون عن يمين الفندق. وفي شهادة مدير الفندق المتضرر قال بأنه لم ير شيئا بنفسه، بل أخبره أمن الفندق بأن رجلا يركب دراجة نارية أطلق النار على الواجهة الزجاجية، (أو بضعة رجال بحسب شهود آخرين) فكيف كانت مظاهرة إذن؟

 

ليس على آسر شهود إثبات. اتهاماته فضفاضة جاهزة دوما، منها: الانتماء لجماعة أسِست على خلاف القانون، والتجمهر والاعتداء على موظف أثناء تأدية عمله، وقد طلب المحامي سؤال هذا الموظف المصاب، فلم يظهر له أثر. أيضا ورد في المحضر أنه اعتُقل من الشارع رغم أنه اختُطِف من بيته، وقدّم محاميه مختار البرقيات التي تثبت اختفاءه القسري؛ لذلك طلب المحامي سؤال الضابط الذي كتب هذا المحضر باعتباره شاهدا، فلم يُستجب لطلبه ولم يحضر أحد.

 

قبل إنهاء المقال لابد من إعلان شكري وتقديري للصديقة إسراء زهر الدين، لثباتها ودفاعها الملهم عن شقيقها المظلوم.

 

_____________________________________________________

مصادر:

تقرير عن المستشار ناجي شحاته، قاضي الإعدامات الأشهر

تدوينة لشقيقة آسر

مقطع فيديو عن مأساة آسر

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.