شعار قسم مدونات

لماذا نكره الرياضيات؟

مدونات - الرياضيات
هل سألت نفسك لماذا يكره أبناؤنا مادة الهندسة منذ الصغر؟ هل فكرت لماذا كنت ضعيفا في مادة الرياضيات؟ ولعلك وأنت صغير كنت تتحاشى مجرد التفكير في حل مسألة رياضية بحجة كرهك لمادة الرياضيات، وأنك نجحت في الامتحان "بالعافية"! في المقابل لماذا يتجه أولادنا إلى الاتجاه الأدبي على حساب الناحية العلمية؟! لماذا يقبلون على كتابة الشعر وألوان الأدب منذ الصغر وربما بدت عليهم علامات النبوغ مبكرا فكانت لهم دواوين شعر وهم في مقتبل العمر؟! لماذا يقبلون على سماع الأغنيات ويحفظون الأناشيد بأسرع ما يمكن بينما يعزفون عن فهم نظرية هندسية؟!

أنت بالتأكيد سألت نفسك في يوم من الأيام: الرياضيات عبارة عن "س و ص".. فما فائدة (س و ص) في حياتنا؟! بل ربما قلت أنك تخرجت من الجامعة ولم تستخدم "س و ص" في حياتك العملية فما الفائدة من دراستها ولماذا نوجع رؤوسنا بها وما فائدة النظريات الهندسية سواء درسناها أم لا؟!

ربما تكون محقا في أسئلتك هذه لأنك ترى أن الرياضيات مجرد علم منفصل عن حياتنا المعيشية، وهذا بالتأكيد خطأ فادح لست أنت المسؤول عنه ولكن هناك عوامل كثيرة مشتركة في وصول هذا الإحساس إليك منها المعلم ومنها المناهج ومنها طرق التدريس، وسوف نحاول في عدة مقالات أن نلقي الضوء على أسباب وعوامل تخلفنا علميا وطرق العلاج لبعض هذه المشكلات. نحن نتحدث الآن عن الحب والكره لمادة الرياضيات وبالأخص فرع الهندسة المستوية ولن نتطرق إلى فروع الهندسة العديدة وإنما نحن نتحدث عن البدايات.

إلمام المدرس بالمعلومات وطرق التدريس المختلفة (ثقافة المدرس وخبرته) تخلق أمامه الفرصة ليبدع وينوع في اتخاذ الأمثلة، فيساعد الطالب الذي لم يفهم من المرة الأولى أن يفهم من المرة الثانية.

إن كرهك لمادة الرياضيات يعود لعدة أسباب:
أولاً: الميول الشخصية للمتعلم، لعل السؤال الذي يطرحه المعلم أو ولي الأمر على الطالب منذ الصغر هو ماذا تريد أن تكون في المستقبل؟ وهنا النظرة الضيقة في الاختيار فهو يريد أن يصبح طبيبا أو مهندسا أو طيارا أو ضابطا أو محاميا أو..

ويأتي تدخل الآباء في ذلك، فهم يريدون لأبنائهم أن يكون طبيبا أو مهندسا أو محاميا لذا عليهم أن يبذلوا كل ما في وسعهم من أجل تحقيق هذه الرغبة، والحل عند الأب في الدروس الخصوصية والبحث عن أفضل المدرسين مهما كانت أسعارهم مرتفعة فهم من سيقوم بإنجاح أبنائهم، ونسوا أن الخامة التي في يد المدرس من الصعب تشكيلها لأنها لا تحب ما تدرس. فكل إنسان يختلف عن الآخر في كثير من المعطيات.. الله لم يخلق الناس نسخة واحدة وطبعة واحدة بل خلقهم مختلفين في الطباع وفي الاستعداد وفي الميول وفي الرغبات.. هذا يميل لتعلم علم ما وهذا لا يميل إليه..

ثانياً: حبك لمدرس الرياضيات وتقبلك له
وهذا عامل أساسي في حبك لمادته، وهذا الحب لا يأتي من فراغ فإذا كان المدرس يجيد التحضير لمادته ويجيد فن الإلقاء ويعلم من أين يبدأ وما هي المعلومة التي يريد أن يوصلها لك وما هي أسهل وأيسر الطرق التي يتبعها لتصلك المعلومة، ولا يتبع مقولة "على قد فلوسكم" بمعنى أنني شرحت فقط بما يتناسب مع الراتب الذي اتقاضاه والراتب لا يساوي سوى كلمتين ولا بد من حجب باقي المعلومات ليلجأ لي الطالب ويطلبني كمدرس خصوصي له.

undefined

 

ثالثاً: غياب المثل الأعلى
الطالب يرى في لاعب الكرة مثلا أعلى له يحاول تقليده ويتمنى أن يصبح مثله لكنه لا يرى عالما للرياضيات مثلا أعلى له ليحاول تقليده، وحتى هو لم يعرف اسما لعالم رياضيات من القديم أو الحديث اللهم إلا اسم فيثاغورث وربما لا يعلم ما هي نظرية فيثاغورث.. يعرف الاسم فقط لكنه لا يستطيع استخدامها وتطبيقها في الحياة العملية. ربما هو لا يعرف عن نيوتن سوى قصته مع التفاحة ولكنه لا يعلم شيئا عن قوانين نيوتن في الفيزياء والرياضيات.. يسمع عن أينشتاين بأنه صاحب قانون النسبية لكنه لا يعرف عن النسبية شيئا، فهناك انفصال بين النظريات وبين الواقع العملي بالنسبة له.

رابعاً.. الرموز الغامضة
كل ما يعرفه الطالب هو أن "س – ص – ع" مجرد رموز لا يدري ما هي وما فائدتها وكيف تستخدم في الحياة العملية، وذلك لقصور في مناهج التعليم وانفصاله عن الحياة العامة والعملية. الطفل الصغير لو تدرب على مثال يبدأ مثلا بـ "عمر محمد الذي يزيد عن عمر علي بمقدار خمس سنوات" كيف يعبر عن هذا اللفظ بمعادلة رياضية، فيبدأ بالتعبير عن عمر محمد بالرمز (س) مثلا وعمر علي (ص) مثلا فيكون التعبير عن هذه الجملة بمعادلة رياضية تكتب في صورة (س- ص = 5 أو س= ص + 5 أو س-5= ص) وهكذا كلها صور تعبر عن شيء واحد.

فالأولى (س-ص=5) تعني عمر علي ينقص عن عمر محمد بمقدار 5 سنوات، والثانية (س= ص+ 5) تدل على أن عمر محمد يساوي عمر علي مضافا إليه 5 سنوات، والتعبير الثالث يدل على أن عمر محمد لو أنقصنا منه 5 سنوات نحصل على عمر علي وهكذا.. وأن الأطوال والأوزان وكل شيء محيط بنا أو نصادفه في حياتنا العامة يمكن التعبير عنه كذلك ونتدرج من السهل إلى الأصعب فيصير الصعب سهلا وتتضح معاني الرموز.

خامساً.. الأسلوب العلمي في حل المشكلات
المسألة الرياضية أو التمرين الهندسي ما هي إلا مشكلة توجد لدينا، وبها بعض المعطيات، والمطلوب هو الوصول لحل هذه المشكلة، وللوصول لحل المشكلة لا بد من استخدام المعلومات الموجودة بالإضافة إلى بعض الأساسيات والبديهيات السابقة، وعملية ربط بينها للوصول من معرفة معلوم بسيط إلى معرفة مجهول بطرق علمية، وبيان أن الوصول لحل المشكلة ممكن أن يكون بهذا الحل أو باتباع طريق آخر للوصول إلى الحل.

حاول أن تجعل من الطالب الذي أمامك محبا للتفكير.. اجعل منه إنسانا يفكر دائما ويبتكر.. شجعه على الإبداع فربما يكون في الغد القريب عالما.

وقد يكون الحل الآخر أقصر أو أطول، والطالب يستطيع أن يبتكر ويبدع للوصول إلى حلول أخرى ربما لم تكن معروفة لدى المدرس نفسه، وتشجيع الحلول الأخرى للطالب من قبل المدرس يعطي الثقة في الفهم والأمل في أن يكون لدينا عقول متفتحة لا تعتمد على التلقين والحفظ وتفريغ ما حفظت عند الامتحان ثم تنسى كل شيء.

إن إلمام المدرس بالمعلومات وطرق التدريس المختلفة (ثقافة المدرس وخبرته) تخلق أمامه الفرصة ليبدع وينوع في اتخاذ الأمثلة، فيساعد الطالب الذي لم يفهم من المرة الأولى أن يفهم من المرة الثانية، ومن لم يفهم بالطريقة الأولى فإنه يفهم بالطريقة الثانية.. ولعل التدرج في حل التمارين الهندسية من الأسهل للأكثر تعقيدا يساعد على اكتساب المعلومات واكتساب المهارات في حل التمارين، فلا نبدأ مع التلميذ بمسألة صعبة أولا، فهذا خطأ كبير يقع فيه كثير من المدرسين لمحاولة اثبات ذاتهم وقدراتهم على حل مسائل صعبة وذلك لحاجة في أنفسهم.

حاول أن تجعل من الطالب الذي أمامك محبا للتفكير.. اجعل منه إنسانا يفكر دائما ويبتكر.. شجعه على الإبداع فربما يكون في الغد القريب عالما. واعلم أن هناك مئات المشكلات والمعوقات للعملية التعليمية وسوف نتناقش بعضها في مقالات قادمة، ويبقى الأمل دائما ما دامت الحياة..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.