شعار قسم مدونات

الأقصى.. ما بين المُسمياتِ والفتنة

blogs - شرطة الاحتلال عند الأقصى
ظهرت في الأيام القليلة الفائتة مسميات أكثر حدّة لمختلف الطوائف والأقليات في الداخل الفلسطيني، وذلك بعد تـأزم الوضع عقب العمليّة الّتي قام بها ثلاثة شبانٍ من أم الفحم، أسفرت عن مقتل شرطيين إسرائيليين من حراس أبواب المسجد الأقصى. وكما تعلم الأغلبيّة، فإنّ جيش الاحتلال ومنظومة الشّرطة لا تقتصر على اليهود فحسب، بل بها فئة كبيرة أيضًا من الدروز والمسيحيين والمسلمين، وإن كان أمر التّجنيد هذا إجباريًا أو اختياريًا، فإن النتيجة واحدة: أنت خادم وحارس للاحتلال ولمصالح الاحتلال، تعمل ليل نهار من أجل قمع أبناء جلدتك وأهلك وأصدقائك ومجتمعك.
وقد بدأت الخدمة العسكريّة من قبل الدروز للجيش في عام 1948، أي تمامًا بعد احتلال الأراضي الفلسطينيّة، وقد اختار شيوخ الطائفة إعلان الولاء للدولة الجديدة القائمة على أنقاض شعب آخر من المفترض أنه شعبهم، بدلًا من الوقوف بصفٍّ واحد إلى جانب شعبهم العربيّ / الفلسطينيّ المتعرض لكافّة أنواع الاضطهاد والإبادة، في السنوات الأولى للاتفاق كانت الخدمة تعتبر اختياريّة، بعد ذلك تحوّلت إلى خدمة إجباريّة لكلّ الطائفة الدرزيّة باستثناء النّساء.

هناك من اختار أن يكون خادمًا لجيش الاحتلال، أن يقف على أبواب المسجد الأقصى ليمنع المصلّين من الدخول إليه، وكما قال تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ)، فما بالك إن كان عربيًا أيضًا، من أبنائنا.

أمّا بالنسبة لكلٍّ من الطائفتين المسلمة والمسيحيّة، فحتى هذا اليوم لا تعتبر الخدمة للجيش أو جهاز الشّرطة إجباريًّا، بل اختياريًا بشكلٍ قاطع، الغريب أنّ سياسة الاحتلال في جذب الشّباب للخدمة والعمل لصالحها في السّنوات الأخيرة باتت واضحة، وقد تسجلت أعداد كبيرة انتسبت لهذا القطاع من الطائفتين، حتى إن الأعداد لدى الإسلام والمسيحيين باتت أعلى من عدد الطائفة الدرزيّة، والّتي بدأت في السنوات الأخيرة بحملات لتوعيّة الجيل ولانتزاعهم من براثن الاحتلال، وقد حصلت عدّة حالات اعتقال وسجن للعديد من الشّباب الدروز الرافضين للخدمة.

بعد مقتل الجنديين قامت سلطات جيش الاحتلال بإغلاق المسجد الأقصى المبارك إغلاقًا تامًا، وحظرت على المواطنين الدخول إلى البلدة القديمة باستثناء سكّانها، وقد منع حتى الآذان فيه، وكانت هذه المرة الأولى الّتي يغلق فيها المسجد بشكلٍ كامل منذ ثمانية وأربعين عامًا. بعد هذا التشديد الأمني وتركيب بوابات إلكترونيّة على مداخل المسجد الأقصى، انقسم الشّارع الفلسطينيّ ما بين مؤيدٍ ومعارض للعمليّة الّتي حدثت، القسم المعارض أتى بحججٍ مثل: الجنود الّذين قتلوا هم دروز / عرب، من غير الممكن قتل عربي لعربي، ألا يكفي قتل اليهود لنا؟

الإجابة بسيطة: هو اختار أن يكون خادمًا لجيش الاحتلال، أن يقف على أبواب المسجد الأقصى ليمنع المصلّين من الدخول إليه، وكما قال تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ)، فما بالك إن كان عربيًا أيضًا، من أبنائنا، يقف على باب المسجد الأقصى ليدخل من يشاء ويمنع من يشاء، ليكون سندًا لجهازٍ يقتلنا ويبيدنا ويفرّقنا ويمنعنا من ممارسة حريتنا‍! أمّا المقولة الأخرى من أنّهما إرهابيون وليسوا شهداء، فهي مرفوضةٌ جملةً وتفصيلًا، لا أحد يقف أمام الشّهداء ومبادئ الشّهداء وذوي الشّهداء، هم أكرم منّا جميعًا.  ومن يظنّ أننا على خطأ بسبب مقتلهم داخل ساحات المسجد، فالله تعالى قال في كتابه: (وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ)، وأظنّ أنّ ما يقومون بهِ عند المسجد الأقصى أعظم وأشدّ من القتل.

أؤمن جدًا أن من حقّ كلّ شخصٍ فينا أن يعيش ويكرّس حياته ومماته لقناعاته واختياراته، لكن مهما كانت هذه القناعات، ومهما اختلفت الوجهة، مهما تغيّرت الأجزاب والانتماءات، فإنّ كلّ منّا مسؤولٌ عمّا تركه بشكلٍ أو بآخر! والفرق شاسعٌ بين عربيّ قرّر إنهاء حياته وهو يدافع عن المقدسات ويرفض الذلّ والهوان، وبين آخرٍ اختار الوقوف بزيّ شرطة الاحتلال، ليمنع اخوته من الدخول إلى أكثر الأماكن قدسيةً.. المسجد الأقصى!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.