شعار قسم مدونات

الجيش الجزائري وإشكالية الحرب خارج الحدود

مدونات - الجيش

تثار دائما عندما ترتفع بعض الأصوات في الداخل والخارج إلى وجود تهديدات جدية للأمن الوطني الجزائري في ليبيا ومالي، يكون الرد الجاهز الدستور لا يسمح بإرسال الجيش خارج الحدود، طبعا أصحاب هذا الرأي لا يوردون ما هو هذا النص الدستوري الذي منع بصراحة إرسال الجيش خارج الحدود؟

عندما نأخذ الدستور الجزائري في قراءة متمعنة نجد هذا النص في الديباجة: تسـهـر الدولـة علـى احتـرافيـة الجـيش الوطـني الـشعـبي وعلـى عصـرنته بـالـصورة الـتي تجـعله يمـتلك القـدرات المطلوبة لـلحفاظ على الاسـتقلال الوطنيs والـدفاع عن السيادة الـوطنيةs ووحدة الـبلاد وحرمتها الترابيةs وحماية مجالها البري والجوي والبحري.

كما نجد نص المادتين 28 و29 كالآتي المــادّة 28: تنتظم الطّاقة الدّفاعيّة للأمّة ودعمها وتطويرها حول الجيش الوطنيّ الشّعبيّ. تـتـمثّل المـهـمّة الـدّائـمة لـلـجيش الـوطـنيّ الـشّـعبيّ في المحـافـظة عـلى الاسـتـقلال الـوطـني والـدّفـاع عن السّيادة الوطنيّة. كـما يـضطلع بـالدّفاع عن وحدة البلادs وسلامـتها الـتّرابيّةs وحـماية مـجالها الـبرّيّ والجوّيsّ ومـختلف مناطق أملاكها البحريّة. المـادّة 29: تــمــتـنع الجــزائـر عن الــلّــجـوء إلى الحـرب من أجل المـسـاس بــالـسّــيـادة المــشــروعـة لــلـشّــعـوب الأخرى وحرّيّتها. وتبذل جهدها لتسوية الخلافات الدّوليّة بالوسائل السّلميّة.

التدخل العسكري من شأنه أن يقدم عدة خدمات هامة للجزائر: أقلها فرض الجزائر كرقم صعب لا يمكن تجاوزه بحكم تواجده على الأرض في أي تسوية سياسية قد لا تخدم المصالح الجزائرية.

هكذا إذا نخلص من القراءة الأولى لفقرة الديباجة وكذا نص المادتين 28 و29 أنهما لا تحيلان إلى أي إرادة لدى المشرع الدستوري في منع إرسال الجيش خارج الحدود، لذلك فإن إرسال قوات قتالية أو غير قتالية في مهمات خارج الحدود لا يوجد ما يمنعها دستوريا، ودائما ما ينظر إلى الجزائر باعتبارها قوة سياسية واقتصادية وعسكرية مهمة في المنطقة ولم تتردد دول عظمى كفرنسا والولايات المتحدة ودول شقيقة كمصر والعربية والسعودية مثلا في اقتراح مساهمة الجيش الجزائري بشكل فعال في إخماد نيران حرائق في دول الجوار كـ "ليبيا" أو في دول يعتبرها الفكر السياسي الجزائري كحديقة خلفية مثل مالي، على الرغم من أنه لا يمكن لأي تحليل سياسي أو دراسة أن تستبعد التهديد الذي تمثله القلاقل الأمنية الموجودة في دول الجوار كليبيا ومالي على الأمن الوطني الجزائري.

وما حادثة تقنتورين عنا ببعيدة ويصعب علي تصور أن صاحب القرار كان سيتردد في استخدام القوة العسكرية لإجهاض تحرك المجموعة الإرهابية التي هاجمت تقنتورين لو توفرت لديه معلومة واضحة عن نية هذه المجموعة التي أظهر التحقيق أنها انطلقت من ليبيا، نظرة فاحصة للوضع في الحدود الشرقية حيث يجبر الجيش الجزائري على مسك الحدود مع ليبيا وبذل جهد مضاعف بسبب غياب تام لقوات حرس الحدود الليبية هناك نتيجة للأوضاع السياسية والعسكرية الغير مستقرة وحيث يمكن لأي مجموعة متسللة من هناك أن تنفذ ضربة خاطفة سريعة في مكان ووقت غير متوقعين..

إن أي تدابير احترازية أمنية ستكون ناقصة، فالقاعدة الاستراتيجية تقول أنه لا يمكن للمدافع أن يكون قويا في كل مكان، وبالنظر إلى التكاليف العالية لإبقاء قوات مستنفرة وفي حال جهوزية بشكل دائم ومستمر فإن خيار التدخل العسكري المشترك الذي اقترحته مصر سيكون مفضلا لعدة أسباب جرى شرح بعضها، ومن الناحية التاريخية فقد سبق للجيش الجزائري أن شارك في مهمات قتالية خارج البلاد كحرب 1967 وحرب الاستنزاف وحرب 1973 كما قام بأعمال غير قتالية في الصحراء الغربية لنجدة اللاجئين وتموينهم، وكذا المشاركة في نشر قوات الاتحاد الإفريقي في الصومال والمساهمة في يعثة حفظ السلام الأممية في كمبوديا وأيضا عملية إجلاء السفير الجزائري في ليبيا عبد الحميد بوزاهر وإنقاذه هو وعائلته من عملية اختطاف كانت وشيكة، مما يلغي تماما حجة الحظر الدستوري.

في نفس الوقت، من شأن التدخل أن يقدم عدة خدمات هامة للجزائر على عدة مستويات: أقلها فرض الجزائر كرقم صعب لا يمكن تجاوزه بحكم تواجده على الأرض في أي تسوية سياسية قد لا تخدم المصالح الجزائرية كما يحاول أن يتم فرضه في مالي، كما أعتقد أن الخبرة التي يمكن أن تستفيد منها وحدات الجيش الوطني الشعبي ستتجاوز أي خبرة يمكن أن تحصل عليها هذه الوحدات من خلال التدريب والمناورات باعتبار أنها ستخدم في ظروف حرب حقيقية ويكون عليها أن تتعلم كيف ومتى تتصرف بالشكل الصحيح وفي الوقت الصحيح.

تبقى مسألة التدخل العسكري المباشر خارج الحدود مسألة معترف بها في القانون الدولي الذي ينظمها ويؤطرها، ولن تكون الجزائر أول دولة تتحرك خارج حدودها

كنت أفضل أن تتم الاستفادة من الخبرة التي تنتج عن التعامل مع المعدات التي يستخدمها الجيش الجزائري هنا وملاحظة أداء هذه المعدات نقاط قوتها نقاط ضعفها وكيف يتم التعامل مع هذه النقاط بشكل مباشر واحترافي، كيف تتخذ القرارات في غرف العمليات في الوقت الحقيقي بدلا من غرف العمليات التي تقام أثناء المناورات والتي تعمل وفق سيناريوهات معدة مسبقا.

في الأخير، تبقى مسألة التدخل العسكري المباشر خارج الحدود مسألة معترف بها في القانون الدولي الذي ينظمها ويؤطرها، ولن تكون الجزائر أول دولة تتحرك خارج حدودها لحماية مصالحها ولا أحد يطلب من الجزائر أن تعتدي على سيادة الدول الأخرى أو تتدخل في شؤونها الداخلية باستعمال القوة العسكرية أو بالاستفادة من تأثير وجودها والقدرة على استعمالها. يمكن التخفيف من أي مخاطر قج تتعلق باستخدام القوة المسلحة بتنظيمها بموجب نص قانوني يؤطر ويؤقت استخدام هذه القوة سواء من حيث الحجم أو المدة المصرح بها للاستعمال.

يجب ألا ننسى أن العلاقات الدولية تنظر إلى القوة العسكرية بنفس مفهوم كلاوزفيتز الشهير في تعريفه للحرب بأنها استمرار للسياسة بوسائل أخرى، دون أن نتجاهل ضرورة عدم استبعاد العامل الأخلاقي في هذا الاستخدام بحيث لا يصبح الاستخدام يستند بشكل أساسي إلى المصلحة فقط فهذا يجعله استخدام انتهازي، ولا إلى معيار الأخلاق فقط مما يجعله مثالي أكثر من اللازم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.