شعار قسم مدونات

ليبيا بين حفتر وترمب

blogs ليبيا و الولايات المتحدة

في مؤتمر صحفي عقده في أبريل 2017 مع رئيس الوزراء الإيطالي صرح ترمب قائلًا: "لا أرى دورًا في ليبيا. أعتقد أن الولايات المتحدة لديها حاليا أدوار كافية". وفي مايو 2017 نشر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ورقة لـ "بينجامين فيشمان" – وهو أحد من رسموا سياسات أميركا في ليبيا حديثًا – لخصت الحالة الليبية وخلصت إلى جملة توصيات قدمها إلى إدارة ترمب يحثها على ضرورة اضطلاعها بدور إيجابي في ليبيا لا يقتصر فقط على محاربة تنظيم الدولة كما بدا سابقًا، بل يمتد إلى انخراط أكبر في الشأن الليبي سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا من أجل العمل على استقرار ليبيا وذلك لمنع إعادة ظهور تنظيم الدولة وتعافيه ولقطع الطريق على أي تمدد روسي محتمل في حال انحسار الدور الأميركي.

ومنذ ذلك التاريخ ظهرت بعض المعطيات التي تدل على تغير في نهج إدارة ترمب نحو الملف الليبي بما يتوافق مع ما جاء في ورقة فيشمان، وأبرزها:
-27 مايو- قام السفير الأميركي في ليبيا "بيتر بودي" وقائد القوات الأميركية في أفريقيا (الأفريكوم) "توماس والدهاوزر" بزيارة إلى طرابلس للالتقاء بالسراج لأول مرة منذ 2014. 

– 10 يوليو- الـ CNN تنشر مقالًا عن تسريبات مفادها أن إدارة ترمب تدرس مقترحًا لتوسيع دورها في ليبيا والتواصل مع جميع الأطراف الليبية بما في ذلك حفتر قد يفضي إلى إعادة فتح سفارتها في ليبيا وتواجد محدود لقوات أمنية لا تتعدي الخمسين شخص. المقال خلص إلى أن الإدارة الأميركية بصدد دراسة المقترح والبت فيه خلال الأسبوعين القادمين. 

من غير المعقول ألا تكون هناك محاولات سرية من حفتر ولو عن طريق حلفائه في المنطقة (مصر، الإمارات) للتواصل مع الولايات المتحدة من أجل كسب دعمها وتأييدها له سياسيًا أو عسكريًا.
من غير المعقول ألا تكون هناك محاولات سرية من حفتر ولو عن طريق حلفائه في المنطقة (مصر، الإمارات) للتواصل مع الولايات المتحدة من أجل كسب دعمها وتأييدها له سياسيًا أو عسكريًا.

– 11 يوليو- السفير الأميركي لليبيا وقائد الأفريكوم يلتقيان محمود حجازي في القاهرة لمناقشة الملف الليبي. 

– 12 يوليو- قناة الحدث الليبية (المعبرة عن الكرامة) تبث خبرًا مفاده أن قائد الأفريكوم والسفير الأمريكي في ليبيا اجتمعا مع حفتر في مقره بليبيا. الخبر لم يكن مدعومًا بأي صور، ونفس الخبر نشرته جريدة "المصري اليوم" يوم 13 يوليو.

– 15 يوليو- الولايات المتحدة تنفي خبر الاجتماع مع حفتر ويعلن السفير "بودي" أنه التقى حفتر في عمان يوم 9 يوليو من ضمن لقاء أطراف الأزمة الليبية، في زيارة لم يكن قد أعلن عنها بشكل موسع سابقًا.

– 16 يوليو- وبعد إذاعته ليومين يخرج إعلام "القيادة العامة" لحفتر ببيان لتبرير الخبر الكاذب ومحاولًا إلصاقه بالإعلام المضاد للكرامة. 

قد تبدو هذه المناورات الإعلامية التي يسوق لها إعلام الكرامة أمرًا عابرًا إلا أنها تحمل في ثناياها بعض التساؤلات الهامة حول موقف أميركا من حفتر باعتباره أحد أهم اللاعبين في المشهد الليبي، وهنا يمكن إبداء بعض الملاحظات:

1 – حفتر أقام في أميركا لفترة طويلة، وقد يكون حاملًا لجنسيتها، ولكن حتى الآن لم يصدر عنها موقفًا رسميًا صريحاً حوله. ورغم أن نظرية "العمالة" التي يروج لها البعض لها ما يمهد لها، إلا أنها تظل نظرية لا يوجد ما يؤكدها، كما أن أميركا إن رأت أن حفتر هو رجل واشنطن المناسب لحكم ليبيا فليس هناك من يمنعها من دعمه، فالظروف مناسبة جدًا لإجراء كهذا اليوم أكثر من أي وقت مضى. 

إن ابتعاد الولايات المتحدة عن مشروع حفتر رغم كونه لاعب أساسي في المشهد الليبي يدل على أنه حتى الآن لم يقدم ما هو مقنع بأنه الشخص الذي يمكنه توحيد ليبيا ووضعها على سكة الاستقرار

2 – قيام عدة مسؤولين رفيعي المستوى (سفراء، وزراء دولة، قادة جيوش) من أطراف عربية وأوروبية بزيارة حفتر رسميًا في مقره بالشرق الليبي ولكن حتى الآن لم توثق أي زيارة "رسمية" لمسؤول أميركي رفيع المستوى لحفتر.

3 – من غير المعقول ألا تكون هناك محاولات سرية من حفتر ولو عن طريق حلفائه في المنطقة (مصر، الإمارات) للتواصل من الولايات المتحدة من أجل كسب دعمها وتأييدها له سياسيًا أو عسكريًا.

4 – لم يصدر حتى الآن موقف واضح لحفتر تجاه الولايات المتحدة، ولو أن المشهد التمثيلي الذي اتخذه من الروس على ظهر بارجة روسية في أواخر 2016 يحمل تلويحًا ضمنيًا بالورقة الروسية.

5 – قيام أميركا بتكذيب زيارة مسؤوليها لحفتر – بدلًا من مجرد غض الطرف عنه – يحمل دلالات إصرار أميركي على عدم منح حفتر فرصة تحقيق أي مكسب سياسي داخلي من هذا الخبر المكذوب حول تقارب أميركي نحوه.

6 – رغم تدخلها عسكريًا في عدة أماكن في ليبيا (سرت، صبراتة، درنة) ضد تنظيم الدولة، لم تعلن الإدارة الأميركية السابقة أو الحالية تدخلها لدعم حفتر فيما يدعي أنها حرب ضد الإرهاب في بنغازي رغم وجود أنصار الشريعة في الطرف المقابل والذين تصنفهم أميركا ككيان إرهابي.

من خلال ما سبق يمكن استنتاج أن أميركا حتى الآن تحرص على أن ترسم خطًا "في الرمال" بينها وبين حفتر بينما تقارب الكثير من حلفائها معه، بل ودعموه عسكريًا وسياسيا. والسؤال هنا: ما هو تبرير هذا الموقف الأميركي؟

كما هو معروف، ما يحرك السياسة الأميركية هو مصلحتها ومصلحة حلفائها في المنطقة. وإحجام السياسة الأميركية عن الخوض في دعم مباشر، بل وحرصها على التعامل بحذر، إن لم يكن الابتعاد عن، مشروع حفتر رغم كونه لاعب أساسي في المشهد الليبي يدل على أنه حتى الآن لم يقدم ما هو مقنع بأنه الشخص الذي يمكنه توحيد ليبيا ووضعها على سكة الاستقرار بما يتماشى مع مصلحة أميركا. 

رغم أن سياسة ترمب نحو الملف الليبي لم تتغيرعن سابقتها إلا أن ورقة "فيشمان" تحذر ترمب بأن أي تراجع أمريكي في الساحة الليبية سيعني امتداد النفوذ الروسي لدعم حفتر

إذا استثنينا نظرية "العميل"، ما يبدو هو أن واشنطن تحرص حتى الآن على التعامل معه من خلال وكلائها في المنطقة وليس بشكل مباشر، وبالطبع ذلك يحمل رسالة لحفتر نفسه والذي يعلم أنه لا يمكن له تحقيق حلمه بحكم ليبيا دون أخذ موافقة البيت الأبيض.

"فيشمان" في ورقته حذر من مغبة أي محاولة لحفتر للسيطرة على الغرب الليبي على أنها ستهدد استقرار ليبيا، كما اشار بضرورة استعمال الوكلاء العرب للضغط على حفتر لقبول دور رفيع في الشرق الليبي ولكن تحت السلطة المدنية، وهو أمر لا يروق لحفتر وداعميه في المنطقة الذين يحاولون منه صنع سيسي آخر في ليبيا. 

ورغم أن سياسة ترمب نحو الملف الليبي لم تتغيرعن سابقتها إلا أن ورقة "فيشمان" تحذر ترمب بأن أي تراجع أمريكي في الساحة الليبية سيعني امتداد النفوذ الروسي لدعم حفتر، ولذا فإن حسم علاقة أميركا مع حفتر قد تكون الخطوة التي ستكسر الجمود في الوضع الليبي، إما بقبول حفتر كرجل المرحلة وهذا يتطلب ضمان قبوله في الغرب الليبي لمنع دخول البلاد في مزيد من الفوضى، أو بالإعلان عن إقصائه بشكل أو بآخر ربما عن طريق وكلائها في المنطقة الداعمين لحفتر وقد يكون ذلك من ضمن صفقات في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة العربية حاليًا. 

ما يقعد الموقف هو اقتراب موعد انتهاء "الاتفاق السياسي" الذي تدعمه أميركا ما يستدعي واشنطن إما الإسراع بحسم موقفها من حفتر لتحريك الركود في الملف الليبي، أو بتمديد الركود السياسي لكسب المزيد من الوقت قبل حسم أمرها تجاهه. 
 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش:

* The Trump Administration and Libya: The Necessity for Engagement

* US military considers ramping up Libya presence

* AFRICOM Commander visits Libyan Prime Minister in Tripoli, Libya
* Haftar receives US envoy, AFRICOM commander

* Statement by U.S. Embassy Libya

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.