شعار قسم مدونات

في قلبي أنثى عبرية.. رواية عربية أم مسلسل تركي؟

مدونات - رواية في قلبي أنثى عربية
 
رغم أنني أفضل تخصيص سلسلة تدويناتي الأسبوعية عبر مدونات الجزيرة للتعريف بمجموعة من العناوين العربية والغربية التي أهدف من خلالها إلى تحويل الأنظار عن "البيست سيلرز" بكل مميزاتها وسلبياتها، وتقديم طبق أدبي متنوع بعيدا عن هذه العناوين "البراقة"(وليس كل ما يلمع ذهبا كما تعلمون)، إلا أن النقاش المتجدد والمحموم حول رواية هذا الأسبوع دفعني للكتابة عنها مرة أخرى، لعلني أساهم بهذه القراءة المتواضعة (المبنية على وجهة نظر شخصية بطبيعة الحال) في وضع النقاط على حروف عمل أدبي اختارت له صاحبته عنوان "في قلبي أنثى عبرية".

بين حارة اليهود في مدينة جربة التونسية، ومدينة قانا الشهيرة في الجنوب اللبناني، قصة معقدة عن ريما المسلمة التي فقدت والديها فنشأت في أحضان عائلة يهودية تونسية، وندى اليهودية التي تعيش في الجنوب اللبناني المقاوم والحاضن لمختلف الأعراق والديانات إبان الاحتلال الإسرائيلي، وكيف وجدت ريما نفسها مطرودة من تونس ومرحلة إلى لبنان، وكيف وقعت ندى في حب أحمد المقاتل في صفوف المقاومة اللبنانية رغم غرابة العلاقة، ثم حديث عن التعايش الديني سواء بين اليهود والمسلمين في تونس أو بين المسيحين والمسلمين في لبنان، في قالب روائي تقول الكاتبة أنه مبني على أحداث واقعية، مع بعض الخيال الضروري للحبكة الروائية.

مسألة استشهاد ريما في القصف الإسرائيلي للسوق الشعبي، جاءت غامضة ومقتضبة، وانتظرت كشف بعض التفاصيل عنها مع مرور الصفحات، لكن دون جدوى.

هذه نبذة مختصرة عن الرواية، يعرفها كل من قرأها، لكن تعالوا نناقش نقاط القوة والضعف التي ميزت هذا العمل، كل منها على حدة:
أسلوب الكاتبة خولة حمدي في هذه الرواية سهل وسلس إلى أبعد حد، يعتمد على السرد المباشر، بعيدا عن الزخرفة أو المحسنات اللغوية التي لا طائل منها، فكان طبيعيا أن تقترب من كل شرائح القراء لسهولة الاندماج معها. يذهب بعض النقاد إلى اعتبار الرواية بشكل عام كتاب العصر وموسوعته الشاملة، ويبدو أن مؤلفة "في قلبي أنثى عبرية" قد ذهبت في هذا الاتجاه أيضا، إذ ضمت روايتها كما كبيرا من المعلومات الدينية والتاريخية والعلمية والأدبية والطبية، ما يدل على المجهود الكبير الذي بذلته في بحثها عنها، خصوصا ما يتعلق عن عادات وتقاليد اليهود التي نجهل عنها نحن الكثير لعدة اعتبارات، ولا أنكر شخصيا بأنني من أنصار ما أسميتها في مراجعات سابقة "الرواية المعلوماتية" القادرة على إفادة القارئ وتثقيفه قبل إمتاعه.

يمكن القول بأن هذه الرواية تتطرق لأحداث مما أسميه بـ "الزمن الجميل"، عندما كان النقاش الديني مرتبطا أساسا بالعلاقة بين الإسلام وباقي الديانات، فأنا لم أشعر طوال أحداث الرواية بأن الإسلام الذي تتحدث عنه الكاتبة ممزق كما نراه اليوم بين الطوائف والمذاهب، كما أنها عادت بالذاكرة إلى الأيام المجيدة للصراع مع العدو الإسرائيلي لتحرير الجنوب اللبناني، خاصة ما بعد معركة عناقيد الغضب ومجزرة قانا واتفاق نيسان أبريل 1996 ثم الانسحاب الإسرائيلي الكامل سنة 2000 وتحرير أسرى معتقل الخيام إلخ، وهي أحداث أكاد أكون متأكدا من أن الجيل الحالي لا يكاد يعرف عنها شيئا. (مع الإشارة إلى أن الكاتبة تجنبت ذكر اسم اللاعب المحوري في هذه الأحداث بسبب ما أراه أنا خوفا من فقدان شريحة مهمة من جمهور القراء، والقارئ المتبصر الذي يملك حدا أدنى من المعلومات حول تلك الفترة التاريخية سيفهم ما أقصده في هذا القوس).

undefined

هذه أبرز نقاط قوة العمل، وأعتقد بأن الجميع متفقون حولها، فتعالوا إذن لنحلل ما أراها أوجه ضعف في الرواية:
أعتقد أولا بأن اختيار العنوان لم يكن موفقا، أو أنه أتى فقط بغرض تجاري محض يهدف إلى إثارة انتباه القارئ حتى وإن لم تكن له علاقة بالمضمون (وهو ما اعترفت به الكاتبة نفسها في حوار سابق). قلت بأن أسلوب الكاتبة سلس، لكن هذا لا ينفي ضعفه وركاكته في عدد كبير من المقاطع، ومع ذلك يمكن تجاوز الأمر ما دمنا نتحدث هنا عن الرواية الأولى للكاتبة، وتخلي بعض دور النشر (خاصة الحديثة والشبابية منها) عن وظيفة المدقق اللغوي والمحرر الأدبي، ما جعلنا نصدم بكم هائل من الأعمال الموسومة بالركاكة، والتي لا تحترم حتى أبسط قواعد اللغة العربية (وهذا موضوع آخر).

أظن بأن تناول بعض المنعطفات الرئيسية في الرواية لم يكن بالقوة الكافية، فإذا ما كان تدرج ندى اليهودية في علاقتها مع الإسلام قبل نطقها بالشهادتين مفهوما، كذلك الشأن (ولو بدرجة أقل) بالنسبة لجاكوب وابنته سارا، فإن إسلام سونيا والدة ندى وتانيا زوجة جاكوب جاء متسرعا ودون تفاصيل كما لو أن الكاتبة قامت بحشوه هكذا في السياق لدغدغة مشاعر القراء ورغبة منها في التركيز على المسار الأهم (العلاقة العاطفية بين أحمد وندى)، أو أنه أتى دون اقتناع حقيقي من الشخصيتين، رغبة من الأولى في الحفاظ على تماسك عائلتها، وخوفا من الثانية على مستقبل علاقتها بابنتها.

مسألة استشهاد ريما في القصف الإسرائيلي للسوق الشعبي، جاءت غامضة ومقتضبة، وانتظرت كشف بعض التفاصيل عنها مع مرور الصفحات، لكن دون جدوى، كما لو أن الأمر يتعلق بخط رئيسي في الأحداث تم إهماله هكذا بلا مبرر مقنع، وحتى الجو العام للرواية ما قبل التحرير عام 2000، كان خاليا من وصف مظاهر الاحتلال الإسرائيلي إلا فيما ندر، أقصد أننا لا نحس أبدا أن هذا شعب لبناني محتل يتعرض للتنكيل من الصهاينة والعملاء صباح مساء!

رغم عدد كبير من النقط الإيجابية في رواية "في قلبي أنثى عبرية"، كمناقشة روح الإسلام الحقيقية، وأيضا الصراع والمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، فإنها تبقى رواية تجارية.

نأتي للنقطة الأهم هنا، وهي محور الرواية، أتكلم طبعا عن العلاقة العاطفية بين أحمد وندى، صحيح أن مسألة وقوع مقاوم مسلم ضد الاحتلال الإسرائيلي في حب فتاة يهودية مسألة عسيرة الهضم، خاصة بعد ظروف اللقاء إثر إصابة أحمد في عمليته الفدائية، لكنها تبقى مقبولة نوعا ما، أما السخيف في نظري هو منعطف اختفاء أحمد وفقدانه الذاكرة، وهي الثيمة التي قتلتها المسلسلات التركية والمكسيكية تكرارا وأتحسس منها شخصيا بشكل كبير، وبالفعل وجدت نفسي حينها أمام أطوار مسلسل تلفزيوني طويل الحلقات، يشبه فيه تردد ندى بين حسان وأحمد "العائد" بتلك الطريقة التي أرى بأن الكاتبة لم توفق في حبكها، تشبه سخافة مسلسل مدبلج من المسلسلات التي تمتلئ بها الشاشات العربية.

ليست المشكلة في عودة أحمد بعدما اعتقد الجميع بأنه مات، فهذا أمر مقبول روائيا وحتى دراميا، ويمكن الاشتغال عليه بشكل أفضل لإظهاره بطريقة مستحسنة، لكن المشهد الذي تتردد فيه البطلة بين حبيبين في رواية "في قلبي أنثى عبرية" وحتى مشهد النهاية المتوج بـ "تنازل" حسان عن حبه أتى مهلهلا وضعيفا ومشابها لنهاية فيلم هندي شهير يتنازل فيه "سلمان خان" عن خطيبته "كاجول" للبطل "شاروخان"، وهي نهاية مرضية نوعا ما للجمهور النسوي الذي هام حبا بهذه العلاقة العاطفية "التركية" أو "المكسيكية" أو "الهندية" سمها ما شئت..

عموما، رغم عدد كبير من النقط الإيجابية في رواية "في قلبي أنثى عبرية"، كمناقشة روح الإسلام الحقيقية والتعريف بعادات وتقاليد اليهود وأيضا الصراع والمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، فإنها تبقى رواية تجارية من طراز "ما يطلبه الجمهور" (وشتان ما بين الجمهور والقراء كما أقول أكثر من مرة)، فكان عاديا جدا تحقيقها لنجاح ساحق جعلها تصل إلى عدد قياسي من الطبعات بحسب الناشر، رغم أنها رواية لا تصنف بالمفهوم الأدبي الصرف ضمن الروائع الخالدة، وأبعد ما تكون عن لقب "أفضل ما قرأته في حياتك" كما يؤمن بذلك جيش المتحمسين والمتحمسات، الجيش الذي أتمنى ألا يوجه مدافع هجومه صوبي، لمجرد أنني قدمت وجهة نظري في رواية يعتبر هو أن مسألة "أسطوريتها" لا تناقش!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.